بقلم – عبدالقادر شهيب
إذا كان لا مفر من مشاركتنا فى القمة الإسلامية الأمريكية، التى ستعقد بعد أيام قليلة فى الرياض على هامش زيارة الرئيس الأمريكى ترامب للسعودية، خاصة بعد مراعاة التقاليد الدبلوماسية ووصول دعوة رسمية لنا من خادم الحرمين، فإننا لسنا مضطرين بالمرة لأن نقبل، أو بالأصح نتورط، فى حلف عسكرى عربى إسلامى ضد إيران، يسمى ناتو إسلامى، تشارك فيه دول متنافرة وسياساتها الخارجية متناقضة ومعادية لنا مثل تركيا وقطر، ويضم أيضًا إسرائيل، التى تسعى بكل قوة لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية قبل أن تنهى احتلالها للأراضى الفلسطينية والعربية وتقبل بإقامة الدولة الفلسطينية على أراضى الضفة الغربية وغزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
إن حضور هذه القمة الإسلامية الأمريكية، التى دعت لها السعودية قد يكون لا مفر منه لأن الرئيس الأمريكى ترامب يشارك فيها بنفسه فى أول جولة خارجية له خطط لأن تشمل السعودية وإسرائيل والفاتيكان ليصور أنه يخاطب كل أهل الديانات السماوية “الإسلام واليهودية والمسيحية” ليزيل عن نفسه انتقادات لاحقة أثناء حملته الانتخابية أنه يحمل أفكارًا دينية عنصرية، وربما أيضًا ليضفى صيغة دينية على ما سمى بصفقة القرن التى يسعى لتحقيقها، وهى صفقة إتمام سلام إسرائيلى عربى، وليس فلسطينيًا فقط.
كما أن الذى وجه الدعوة لمصر للمشاركة فى هذه القمة هو خادم الحرمين الملك سلمان الذى أسهم لقاء الرئيس السيسى به على هامش القمة العربية بالعاصمة الأردنية عمان فى إزالة الجليد على العلاقات المصرية السعودية والتوتر، الذى خيم عليها فى أعقاب انتقادات وجهها المندوب السعودى فى الأمم المتحدة للتصويت المصرى على مشروع قرار روسى بخصوص سوريا، وأيضًا بعد قرار مفاجئ لشركة أرامكو السعودية بوقف تنفيذ اتفاق تجارى لمد مصر بالمنتجات النفطية مع تسهيلات مالية.. ثم جاءت زيارة الرئيس السيسى للرياض مؤخرًا لتضفى على العلاقات المصرية السعودية بعضًا من الحرارة، التى اتسمت بها عندما جاهر الراحل الملك عبدالله بموقف مناصر بقوة إرادة المصريين التى عبروا عنها فى انتفاضة ٣٠ يونيه للتخلص من حكم الإخوان الفاشى المستبد.
ولذلك.. لا بأس فى إطار مجاملة كل من الرئيس الأمريكى وخادم الحرمين من المشاركة فى هذه القمة الأمريكية الإسلامية، التى سوف تشمل ١٧ دولة عربية وإسلامية يتوزع انتماؤها ما بين قارتى إفريقيا وآسيا.. ولعلنا سبق أن جاملنا كليهما من قبل.. عندما قررنا سحب مشروع قرار سبق أن تبناه فى مجلس الأمن ضد المستوطنات الإسرائيلية بعد أن طلب منا الرئيس ترامب إعطاءه فرصة لكى يقوم بدوره فى إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية.. وأيضًا عندما سبق قبلها عندما قبلنا المشاركة فى التحالف العسكرى الذى أعلنه خادم الحرمين الملك سلمان فى اليمن وإن كنا قصدنا مشاركتنا على التواجد البحرى فى باب المندب لحماية المرور الآمن فيه.. وأيضًا عندما لم نرفض ذلك التحالف الإسلامى الذى أعلنه أيضًا الملك سلمان ضد الإرهاب، هو ما يشبه أيضًا ما فعلناه بالنسبة للتحالف الدولى الذى تزعمته أمريكا فى عهد رئيسها السابق أوباما ضد الإرهاب.
فى إطار المجاملة.. لا بأس من المشاركة فى تلك القمة، التى تجمع ما بين دول متنافرة ومتناقضة فى سياساتها الخارجية، بل إن بعضها يجاهر بمعاداتنا مثل تركيا، ومنها من يدعم ويساند من يتآمرون علينا مثل قطر، وإن كان ذلك لن يستسيغه كل من يعتزون بمكانة مصر ويرونها هى القائد التاريخى لمنطقتها العربية.. ولكن لسنا مضطرين بعد المجاملة أن نقبل المشاركة فى أية أحلاف عسكرية تحت رعاية أمريكية هدفها ضرب إيران أو حتى حصارها واحتواؤها.
نعم نحن ضد التمدد الإيرانى فى المنطقة العربية.. وسعى إيران لبسط نفوذها فى دولنا العربية.. العراق ثم سوريا، واليمن وقبلها لبنان.. ونحن أيضًا ضد الخطط الإيرانية الهادفة لإضعاف دولنا الوطنية، التى ترتدى ثوب نظرية تصدير الثورة الإسلامية.. ونحن كذلك ضد أى تهديد يتعرض له الأمن القومى العربى، بصفة عامة، والأمن الخليجى بصفة خاصة من قبل إيران أو غيرها من الدول الإقليمية الأخرى، ولن نتهاون فى التصدى للمخاطر، التى يتعرض لها أمن دول الخليج.. ولكننا يجب ألا نتورط فى صراع عسكرى ترعاه الولايات المتحدة ضد إيران، لأنه صراع سوف يستنفد قوانا جميعًا ويستهلك مواردنا جميعًا ويضعفنا جميعًا، وسيخدم فقط الاقتصاد الأمريكى، الذى سوف يستفيد من تصدير السلاح الأمريكى لنا جميعًا أيضًا.. ولعلنا مازلنا نتذكر كيف قدمت أمريكا السلاح لكل من إيران والعراق خلال حربهما التى امتدت لسنوات.
لقد ظلت مصر منذ حرب أكتوبر ترفض التورط فى أية حروب ومغامرات عسكرية.. رفضت خلال رئاسة مبارك إقامة قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها، ورفضت أيضًا تواجد قوات تابعة لحلف الناتو على ضفاف قناة السويس بدعوى حمايتها، وكذلك رفضت المشاركة فى غزو العراق، وحتى عندما اشتركت القوات المصرية فى حرب تحرير الكويت بعد أن احتلها صدام حسين، فإن مصر سارعت بسحب قواتها فور تحقيق هدف تحرير الكويت ورفضت تجاوز قواتها الحدود الكويتية العراقية ودخول الأراضى العراقية.
ومؤخرًا رفضت مصر أيضًا التورط فى ذلك الصراع العسكرى الدائر الآن على أرض اليمن، وامتنعت عن المشاركة فى حرب اليمن بقوات برية، كما كان يرغب الأشقاء فى السعودية وألحوا فى الطلب عليه، وكان أحد أسباب فتور العلاقات المصرية السعودية بجانب ما اعتبروه تأخرًا فى تنفيذ اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين بلدينا.
وكانت مصر متسقة تمامًا مع نفسهما.. فهى تتبنى سياسة ثابتة جوهرها الاعتصام بالحلول السلمية لكل المشاكل والصراعات، التى نعانى منها، لاقتناعنا بأن الحسم العسكرى لهذه المشاكل مستحيل، وأن استمرار الصراع العسكرى يضعف من يشاركون فيه وينهك قواهم، ولعل هذا ما شعر به الأشقاء السعوديون فى اليمن.. أما المشاركة فى أحلاف عسكرية بغض النظر عن وصفها بأنها إسلامية، فإنه أمر يتناقض تمامًا مع ذلك النهج المصرى الداعى للالتزام بالحلول السلمية للصراعات الإقليمية والدولية، فى خدمتها ذلك الصراع التاريخى العربى الإسرائيلى.
فإذا كنا ندعو للحل السلمى للصراع العربى الإسرائيلى فكيف ننخرط فى حلف عسكرى يرمى لحل عسكرى للصراع العربى الإيرانى، حتى وإن كان صراعًا فرضه الإيرانيون علينا؟
إننا ننظر لإيران، مثلما ننظر إلى تركيا، باعتبارها دولة مهمة فى محيطها الإقليمى ونبغى تسوية سياسية معها تحقق تعاونًا إيرانيًا عربيًا، وتضع حدًا لتمدد النفوذ الإيرانى فى بلادنا العربية وتمنع التدخل الإيرانى فى شئوننا الداخلية.. وانضمامنا لحلف عسكرى ضد إيران لا يحقق ذلك، بل إنه يجهضه ويحرض الإيرانيين أكثر على زيادة تآمرهم علينا، لأنهم سوف يتعاملون معنا كعدو صريح.
قد يرى الرئيس الأمريكى ترامب ومعه إسرائيل أن ملاحقة إيران من خلال توجيه ضربة عسكرية لها، أو ممارسة الضغوط العسكرية والحصار الاقتصادى عليها، يحقق مصلحة أمريكا، وهو كذلك، لأنه سوف يخلق بدرات لدى دول الخليج، وفى مقدمتها السعودية لزيادة استيرادها للسلاح الأمريكى، وقد حدث ذلك بالفعل، فها هى الصحف الأمريكية تتحدث عن صفقات سلاح أمريكية للسعودية وحدها تصل إلى مائة مليار دولار.. ولكن لا مصلحة لنا، مصرية أو عربية فى ذلك.. مصلحتنا تخفيف حدة التوتر فى منطقتنا وليس زيادته من خلال انخراطنا فى حلف عسكرى حتى لو وصف بأنه حلف إسلامى.
كما قد ترى إسرائيل فى هذا الحلف فرصة تاريخية لها للإجهاز التام على القضية الفلسطينية.. حيث ستنال ما تريده من تطبيع فى العلاقات بينها وبين كل الدول العربية ومعظم الدول الإسلامية دون أن تكون مضطرة، لأن تنهى احتلالها العسكرى للأراضى الفلسطينية “الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية” وللأراضى العربية “الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية”.. فكيف نمكن إسرائيل من ذلك؟.. كيف نمنحها تطبيعًا لعلاقات قدمناه فى المبادرة العربية ثمنًا لانسحابها من الأراضى الفلسطينية والعربية المحتلة ولحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة وإقامة دولتهم المستقلة؟
إن الناتو الإسلامى تلك الفكرة، التى ابتدعها إسرائيليون وأمريكيون ورحب بها عرب لا يخدم مصالحنا المصرية والعربية.. ويلحق أشد الضرر بنا.. ويورطنا فى صراعات عسكرية تستهلك مواردنا وتبرد قوانا وتعطل جهودنا للخلاص من أزماننا، خاصة الاقتصادية.