محمد وسارة، طفلان لا يتجاوز عمرهما 5 سنوات، أنهكتهم الحياة بين الدروب والطرقات، باحثين عن مكان يستظلان به من حرارة الشمس التي تلهب أجسادهم الصغيرة، جالسَين بجوار أحد المطاعم الفاخرة بميدان التحرير، ينظران إلى المارة بحرمان ومتشدقَين بأمل العطف في تناول قطعة من الخبز وزجاجة مياه ترحمهما من ظمأ الصيف، ليرويا ريقهما الجاف، بعد أن طافا الشوارع ممسكَين بايديهما، في مشهد يحرك سكون الجبال، وحين اشتد عليهما التعب واليأسن حاولت الصغيرة بدفع جسمها لفتح باب المطعم، هروبًا من الجوع و حرارة الشمس، وسط مرأى ومسمع الجميع في سكون تام، دون شفقة أو رحمة على هذين الطفلين الذين أذلتهما الحياة لفقرهما وقلة حيلتهما.
قصة محمد وأخته
بنظرة تملأها التعب والغضب، يجلس "محمد" وأخته الصغيرة، بجوار أحد المطاعم بميدان التحرير، ممسكًا بقدمه التي تملأها الجروح، لكثرة المشي، وعدم تحمله أوجاعها، محدثنا قائلًا "أنا اسمي محمد وعندي 5 سنين، وبلف في الشارع من الصبح، ومفيش مكان اقعد فيه انا واختي، ورجلي واجعاني من المشي، وجعان، ونفسي آكل أنا وأختي الصغيرة، اللي الناس بتاكله في المطعم حتى لو قطمة واحدة"، لافتًا إلى أنه لا يعلم سوى أن والدته تبيع مناديل داخل المترو، تاركة كليهما وحدهما في الطرقات، بحثًا عن لقمة للعيش تسد حاجتهما في الحياة.
نفسي آكل وبيطردوني
وتتابع أخته الصغيرة أطراف الحديث قائلة: "أخويا محمد أكبر مني، وبنمشي أنا وهو جنب بعض، عشان مانتوهش، ومش بخاف وانا معاه، لأنه بيخاف عليا، وأنا بحاول أزق باب المطعم عشان استخبى من الشمس، وآكل أي حاجة فيه، بس اللي في المطعم بيمنعوني بيطردوني برة".
معاناة الصغار
وبسؤال أحد البائعين بالميدان، أوضح أن هذين الطفلين متواجدين منذ فترة على هذا الحال التي يرثى لها، وأن والدهما يعمل ملمع أحذية، وأن حالتهما المادية في غاية الصعوبة، مضيفًا أنه يشعر بالحزن حين يقع نظره عليهما، لصغر سنهما، وحجمهما وأكثر لحظة تنهار مشاعره فيها، عندما تحاول الطفلة الصغيرة دخول المطعم للجلوس فيه بعيدًا عن حرارة الشمس، وان تتناول أي طعام دون أن تدرك أن هذا المكان لا يسعها وممنوع أن تطأ اقدامها به، في مشهد إنساني تدمع منه القلوب.
غياب التضامن
ويشير البائع إلى أنه بقدر المستطاع، يحاول أن يحسن إلى هذين الطفلين، ويمنحهما طعامًا، علاوة على عطف المارة عليهما دون أن يطلبا أي مساعدة، ما يثير الفرحة داخل الطفلين لاحتياجهما الشديد للرعاية والحنان، ليتجاوزا ظروفهما التي أجبرتهما على العيش في هذا الوضع المزري والغير إنساني، في غياب لدور الجهات المسؤولة ووزارة التضامن، التي من واجبها أن تساعدهما.
2 مليون طفل شوارع
وفقا لإحصائيات قدرتها اليونيسيف، يصل عدد أطفال الشوارع في مصر إلى ما يقرب من 2 مليون طفل، وقسمت منظمة "يونيسيف" أطفال الشوارع، إلى 3 فئات، الفئة الأولى "قاطنون في الشارع"، وهم الذين يعيشون في الشارع بصفة دائمة، والفئة الثانية "عاملون في الشارع"، وهم أطفال يقضون ساعات طويلة يوميًا في الشارع في أعمال مختلفة، مثل "التسول"، أما الفئة الثالثة "أسر الشوارع"، وهم أطفال يعيشون مع أسرهم الأصلية في الشارع.