الجمعة 1 نوفمبر 2024

خواطر اقتصادية (٢-٢)

17-5-2017 | 14:35

بقلم – أ. د. حسين عيسى

فى هذا المقال نستكمل عزيزى القارئ الخواطر والأفكار الاقتصادية التى نشرت فى العدد السابق من المصور علها تساهم فى إنارة الطريق ونحن فى خضم مسيرة الإصلاح الاقتصادى.

تعد قضايا الدعم من أكبر القضايا الشائكة التى تحتاج إلى تدخل سريع لعلاجها... . فالدعم عالميا يعطى لفئات غير قادرة على الكسب وهو أمر حتمى وفقًا لحقوق المواطنة لأن هذا الشخص الذى يحصل على الدعم ليس بإمكانه العمل لاعتبارات صحية، ويوجد نوع آخر من الدعم الذى يقدم لفئات تعمل وتنتج ولكن عوائد إنتاجها لا يكفيها، وهذا يدفع الدولة لأن تعطيه بعض السلع والخدمات بسعر أقل من التكلفة.

ومن الناحية النظرية فإنه كلما حدث استقرار وتحسن اقتصادى فى مؤشرات التنمية فإن حجم الدعم لابد أن ينخفض وليس العكس ولكن الدعم بشكله الحالى الذى تم تحديده بموازنة ٢٠١٧/٢٠١٨ بواقع ٣٣٢ مليار جنيه بدلا من أن يوجه إلى ٨٠ مليون نسمة لابد أن يتم توجيهه إلى ٥٠ مليونا فقط، ولذلك فإن الدولة ستستفيد وكذلك المستحق للدعم وذلك من خلال تغيير نمط التوزيع من دعم عينى إلى دعم نقدى، فعلى الرغم من جهود ضبط منظومة الدعم العينى فإن اختراقها تم خلال السنوات الماضية فهناك فاقد كبير فى الدعم العينى، كما أن المخاوف التى يرددها البعض بأن التوجه إلى الدعم النقدى سيؤدى إلى حدوث موجة تضخمية فى الأسعار مردود عليه بأن الموجة التضخمية حدثت بالفعل وهذه المخاوف مبالغ فيها ولابد من استغلال قواعد البيانات المتاحة حول مستحقى الدعم واستكمال البيانات الناقصة وصولا بالدعم إلى مستحقيه وهذا الأمر سوف يقلص من حجم الدعم فى الموازنة.

بشأن بند الموارد فى الموازنة لابد من دراسة تجارب دولية هامة مثل تجربة الصين التى طبقت نظاما ضريبيا يقضى باستفادة كل إقليم اقتصادى من الثمانية عشر إقليما للدولة من ٧٥٪ من حصيلة ضرائب الإقليم وتصرف الحصيلة الباقية بشكل مركزى وهو ما شجع المواطنين هناك على الاستثمار ودفع الضرائب، لأن المواطن شعر حينها أنه المستفيد الأول من هذه الضرائب وهو أمر يمكن تطبيقه فى مصر من خلال تحديد أقاليم اقتصادية وهو أمر تم إرساؤه فى قانون المحليات الجديد من خلال إنشاء صندوق يتم توجيه ٥٪ من حصيلة الضرائب فى المحافظات إليه للإنفاق المباشر عليها دون أن تذهب هذه الحصيلة للخزانة العامة للدولة، وهو أمر سيسهم فى تنفيذ المشروعات بالمحافظات. فهناك مستشفيات يتم تنفيذها فى فترات زمنية تمتد إلى ٢٠ سنة.

لذلك نحن بحاجة إلى لامركزية الإدارة المحلية وكذلك لامركزية المالية العامة، بحيث يضم كل إقليم اقتصادى فى مصر (٦ أو ٧) محافظات توفر جزءا من حصيلتها للصرف المباشر على المشروعات التنموية بها دون الرجوع إلى خزانة الدولة.

التطبيق الفعلى لموازنة البرامج والأداء سيكون فى العام المالى ٢٠١٨/٢٠١٩ بعد النجاح الذى حققه التطبيق التجريبى فى وزارات التربية والتعليم والتعليم العالى والنقل والإسكان والتضامن الاجتماعى والاتصالات والصحة، وقد تم تشكيل لجنة موسعة من أعضاء لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان وخبراء وزارتى المالية والتخطيط ومعهد التخطيط القومى وأساتذة الجامعات، وذلك لوضع الإطار العام لتطبيق موازنة البرامج والأداء فى الوزارات السابق ذكرها وذلك بشكل تجريبى موضوعى.

هناك تقرير أصدرته مؤسسة “برايس ووتر هاوس كوبر” التى تصنف ضمن أكبر مكاتب المحاسبة والمراجعة عالميا فى شهر مارس الماضى عن ملامح الاقتصاد الدولى فى الفترة من ٢٠١٦ – ٢٠٥٠ تقدمه هذه المؤسسة لعملائها حتى يتمكنوا من تحديد وجهاتهم الاستثمارية واتخاذ قراراتهم المستقبلية فى ضوئه، ويتضمن هذا التقرير دراسة مفصلة لعدد (٣٢) دولة مسئولة عن تقديم ٨٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى على مستوى العالم.. وقد تم تصنيف مصر فى المرتبة رقم (٢٣) فى نهاية عام ٢٠١٦، ويقفز مركز مصر فى عام ٢٠٥٠ ليصل إلى المركز رقم (١٥) متقدمة على كل من كندا وإيطاليا ولا يسبق مصر من الدول المحيطة بها إلا نيجيريا والسعودية اللتان تقلدتا المرتبة (١٣، ١٤) على أن تتصدر هذه القائمة الصين ثم الهند ثم الولايات المتحدة الإمريكية مع ضرورة الإشارة إلى أن الدولة داخل هذا التصنيف عليها الاهتمام الكبير بالتعليم والتدريب وتأهيل الموارد البشرية.

الاقتصاد التمويلى الذى يعتمد على السياسات المالية والنقدية له سقف ولن يحرك الاقتصاد فالبلاد لن تقوم إلا بالاقتصاد التشغيلى، سواء من خلال تشجيع الإنتاج وخلق فرص العمل ودوران عجلة الاستثمار ومن ثم زيادة المعروض وزيادة الصادرات وانخفاض معدلات التضخم بما يحرك الاقتصاد وينعش المواطن محدود الدخل.

لابد من عودة وزارة التنمية الإدارية فلا يعقل أن تلغى هذه الوزارة ونحن فى مصر مازلنا غير مقتنعين أن الإدارة مهنة مثل الطبيب والمهندس فإذا كانت مشكلتنا فى الإدارة فلابد من العودة مرة أخرى لوزارة التنمية الإدارية!

قدرتنا على صياغة القوانين أصبحت ضعيفة خلال السنوات الماضية ولم نعد قادرين على استصدار قوانين كالتى تم إصدارها منذ السبعينيات، حيث أصدرنا قوانين كانت تصنف بأنها الأولى فى الشرق الأوسط والمنطقة.

مقولة أن الصناديق والحسابات الخاصة تقع خارج الموازنة العامة للدولة هى مقولة خادعة وغير دقيقة، حيث إن هذه الصناديق والحسابات بالفعل داخل الموازنة فالحسابات الخاصة هى جزء من الموازنة كما توجد صناديق خاصة تحتاج إلى لوائح تضبط أداءها مثل صناديق الشرطة والأوقاف وهناك مجموعة أخرى من الصناديق حال ضمها إلى الموازنة ستتوقف عن تقديم خدمات كثيرة مثل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التى لديها صناديق استطاعت تحقيق طفرات فى عملها ودخلت فى مساهمات فى مشروع المليون ونصف المليون فدان والعاصمة الإدارية الجديدة.