الأربعاء 29 مايو 2024

١٠ ملايين قطعة سلاح دخلت البلاد عبر الحدود الجنوبية: أسوان... المعسل مقابل السلاح أحيانًا!

17-5-2017 | 14:45

تحقيق: فتح الله رضوان

تعد مراكز كوم امبو، وأسوان، ونصر النوبة، بمحافظة أسوان، من أشهر المراكز التى تنتشر بها تجارة السلاح، والمخدرات، على طول امتداد القرى بها التى تحولت مؤخرا إلى بؤر لتجارة الممنوع.

وتعتبر مدينة كوم امبو الأكثر عشوائية ضمن مراكز المحافظة، نظرا لبعدها عن مدينة أسوان السياحية، مما تسبب فى ندرة المتابعة الأمنية لهذه القرى، وغياب السيطرة عليها طوال فترة الانفلات الأمنى عقب ثورة يناير، مما جعلها موطنًا لتجار المخدرات.

أما بالنسبة للسلاح، فزادت حيازته بكوم امبو، واشتهرت عدة مناطق بقرى الضما، وعزبة حجاجي، بانتشار السلاح، وانضمت لهم مؤخرًا قرية سبيل العرب، عزبة مخيمر، والرغامة، بعد كثرة وجود البلطجية بها.

وتضم مدينة أسوان عددا من الأماكن التى لم يستطِع الأمن اقتحامها والقضاء على الخارجين عن القانون بها، ومن أشهرها على الإطلاق خور عواضة، والربع الخراب، والسيل، وغرب أسوان، والكوبانية.

وعلى الرغم من القبض على أغلب التجار فى تلك المناطق، إلا إنها لا تزال مستنقعًا لتجارة وحيازة السلاح.

وتعد منطقة خور عواضة بؤرة إجرامية مشهورة بمدينة أسوان، كما أظهرت عدد من المشاجرات بين القبائل بها عن ظهور أنواع نادرة وكثيرة من السلاح، خاصة بأحداث بنى هلال والدابودية الأخيرة، مما يثبت أنها مركز كبير لمخازن السلاح.

وعلى غير المتوقع انضمت مدينة نصر النوبة إلى هذه القائمة، فقد اشتهرت منطقة بها تسمى وادى خريط بكثرة وجود السلاح، ويعود السبب إلى أن قاطنى هذه المنطقة ليسوا من أهالى النوبة، بل هم مجموعة من المغتربين من المحافظات الأخرى، سيطروا على الأراضى هناك عن طريق وضع اليد، ولجأوا للأسلحة لحماية ممتلكاتهم. 

وعلى مدار السنوات أصبحت وادى خريط منطقة خطرة للعديد من الأشخاص، خاصة مع انتشار الأسلحة بيد معظم قاطنيها.

جلب السلاح

أحد تجار السلاح، بمنطقة مركز نجع  حمادي، قال إن وادى خريط التابع لمركز نصر النوبة بأسوان، من أهم معاقل الإرهاب، والبلطجة، وانتشار المجرمين، فأغلب المقيمين فيه من أبناء المحافظات الأخرى، وحصلوا على أراضيهم بوضع اليد، والغريب فى الأمر أن أجهزة الدولة تعلم ذلك جيدا، وتعلم أماكن تجمعهم وحيازتهم للسلاح؛ ولكن لم يتم التعامل معهم بحجة الحفاظ على الأرواح وعدم اندلاع مواجهات مع عصابات مسلحة، خاصة أن العديد منهم يحمل أسلحة لا تحملها أجهزة الشرطة، وتأتى الأسلحة لمركز نصر النوبة من السودان عبر منطقة كسلا، كما تعد منطقة  ادفو من أهم مناطق تجارة السلاح، خاصة أن عددا كبيرا من أهالى هذه المدينة يعرفون دروب التهريب جيدا، حيث تستغرق عملية التهريب نحو ٣٠ يوما على الجمال، أو يومين بالسيارة، خاصة عن طريق المعابر الحدودية فى حلايب وشلاتين، ويستخدم المهربون الأسوانيون معسل التفاح للحصول على الأسلحة، لأنه نادر فى السودان، وأحيانا تتم مقايضة شحنات معسل التفاح بقطع الأسلحة، حيث يتم تخزينه فى جبل قريب من منطقة برنيس التى تعد مدخلا لأسوان من ناحية أبو الحسن الشاذلى، التابع لمحافظة البحر الأحمر، وأثناء عودته إلى أسوان، وقبل الوصول بحوالى ٢٠ كيلومترا، يغير المهرب طريقه، ويتسلل تجاه الشمال، ويمر بوادى غدير بالبحر الأحمر إلى  كوم امبو.

جلب الأسلحة الثقيلة أصبح سهلا للغاية، بحسب تاجر السلاح، خاصة فى أوقات الأزمات التى تحدث دورانا لعجلة البيع، كما ترى السلاح فى أيدى الصغار قبل الكبار، لكى يتمتعوا بالأمن الضائع من وجهة نظرهم.

 ويكمل بقوله إنه عند وقوع اشتباكات بين عائلتين أو قبيلتين، يتقدم تاجر لعرض خدماته بتقديم أفضل أسعار السلاح لبيعها للعائلتين، مما يفتح طرق إمدادات جديدة للطرفين بكل أنواع الاسلحة.

وظهرت بعد الثورة ورش تصنيع الأسلحة مثل الخرطوش بكميات كبيرة، مما جعل الجميع يحوزون سلاحا دون ترخيص، وهناك نحو ٢٠ ألف سلاح غير مرخص يتم ضبطها سنويا، وهى تمثل جزءا صغيرا لما يتداول، ويصنع فى المصانع المحلية، والمناطق التى تخزن بها الأسلحة التى تتم المتاجرة فيها.

وقال اللواء رضا يعقوب، الخبير فى مكافحة الإرهاب الدولي، على الدولة أن تدرج المنظمات الإرهابية بلجنة مكافحة الإرهاب الدولى بمجلس الأمن، مايترتب عليه طلب توقيف هذه الجماعات والإرهابيين ومحاكمتهم، بالإضافة إلى مصادرة الأموال الموجودة فى الخارج والداخل لهذه التنظيمات، ومساعدة مصر بصفقات حديثة لمكافحة الإرهاب الدولى لمنع تهريب الأسلحة للبلاد، فضلا عن قطع اتصالاتهم السياسية بالعالم الخارجي.

 وأشار اللواء يعقوب إلى أننا فى احتياج ارتقاء تدريبى بالأجهزة الأمنية، يترتب على ذلك يقظة وحسن تعامل ضد الجماعات الإرهابية، وكذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية بالدول المجاورة والعالم الخارجى، باستثناء إسرائيل، وتقوية الشعور الأمنى لدى الشعب المصرى، للحد من خطورة تهريب الأسلحة بكافة أنواعها عبر الحدود بالدول المجاورة مما يهدد الاستقرار الأمني.

أسعار الأسلحة مولعة

وقال اللواء مصطفى صالحين، مدير أمن ديوان عام محافظة أسوان السابق، إن تجارة الأسلحة تراجعت خلال الاشهر القليلة الماضية، بسبب تضييق الخناق على الحدود، مما أدى إلى زيادة أسعارها بنسبة تتراوح من ٢٠٪ إلى ٣٠٪ عن الأسعار السابقة خلال السنوات الثلاث الماضية.

ووصل سعر المسدس المستورد الأجنبى إلى ٦٠ ألف جنيه، ومسدس حلوان المصرى إلى ٤٠ ألف جنيه، والبندقية الكلاشينكوف إلى٧٠ ألف جنيه، والصينى إلى ٦٠ ألف جنيه، كما وصل الرشاش الخفيف من ذات العيار لحوالى ٨٥ ألف جنيه للجديد منه، والرشاش المتوسط الجرينوف إلى ١٦٠ ألف جنيه للمستعمل، كما يتوافر بشكل كبير الرشاش النصف بوصة الغربى، وهو سلاح فعال شديد الخطورة، ويصل سعره إلى٣٢٠ ألف جنيه، وأصبح مرغوبا فيه خلال الفترة القليلة الماضية، ويتوافر لدى تجار الجملة ونصف الجملة كما تتوافر ذخائره، ووصل سعر قاذف آر بى جى إلى ١٥٠ ألف جنيه.

ويضيف صالحين أن تهريب أنواع من الأسلحة للعناصر الإرهابية هو الجارى حاليا عبر الحدود، خاصة الأنفاق، رغم المجهود الكبير لقواتنا فى اكتشاف وتدمير هذه الأنفاق خلال الفترة الماضية، إلا أن التهريب يشمل أنواعا جديدة من المفرقعات، وأنواعا تقليدية كالديناميت والسى ٤٠، من خلال هذه الأنفاق التى تعد من المصادر المهمة لوصول هذه الأنواع، وهنالك تهريب لوسائل تفجير حديثة وتقليدية مثل المفجرات وموصلات دوائر التفجير المغلقة المستخدمة فى عبوة التفجير بمختلف أحجامها بدءا من البدائية صغيرة الحجم، مرورا بالعبوات ذات الشظايا، باستخدام البلى الحديد والمسامير مختلفة الأطوال، والصواميل، وكسر الحديد، وشظايا المثلثات الصلبة، وصولا إلى العبوات الكبيرة، والتى تستخدم فى سيارات النصف نقل عبر كميات كبيرة من الديناميت، وأيضا من خلال الأحزمة الناسفة، ودوائرها ذاتية التفجير.

الدكتور سعيد عويضة، عميد المعهد العالى للخدمة الاجتماعية السابق بأسوان، يقول إن هذه الظواهر سببها تعقد التركيبة السكانية للمجتمع، بمعنى وجود عدد كبير من القبائل التى تعيش فى المجتمع، ويوجد تعارف ومصالح بعضهم بعضا، إلى جانب ضعف هيبة الدولة نتيجة حدوث  أكثر من ثورة فى الفترة الأخيرة، انعكست على تقلص دور وزارة الداخلية، بالإضافة إلى إلغاء جهاز أمن الدولة، وعدم وجود قوة سياسية مسيطرة على الشارع الأسوانى، وارتفاع معدلات البطالة داخل المجتمع، وكذلك الحدود التى تم فتحها مع دولة ليبيا والسودان، أدت إلى تهريب كميات كبيرة للأسلحة داخل المجتمع، كذلك وزارة الداخلية تقاعست عن أداء دورها، لذلك لجأ الأفراد إلى شراء أسلحة للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم. وتحدث العقيد زكريا عبد النعيم، مدير إدارة الأزمات بمحافظة أسوان سابقا، أن ما حدث فى أسوان سابقا  من أعمال عنف وانتشار للسلاح، يرجع السبب فيه إلى كلما ارتفع شأن العائلة، ملك أفرادها سلاحا.

ويرى الدكتور عويضة أن الحل الوحيد هو نزع السلاح من المنطقة؛ لأن الفتنة وصراع القبائل الذى حدث فى أسوان سابقا منذ أعوام، لولا وجود السلاح لما وصل لهذا الحد، خاصه بعض الحقائق التى ظهرت جراء هذه الفتنة، ومنها أن تجارة الممنوعات انتشرت فى أسوان وهى البلد التى لم تسجل فى هذه الخريطة إطلاقا، فمعنى ذلك أن السلاح اصبح حماية لهم للتجارة فى كل شيء حتى لو كانت  التجارة فى المخدرات، ودور الحكومة أن تصدر قرارا بنزع السلاح وتسليمه إلى وزارة الداخلية، ومنع أى شخص من حمله إلا بترخيص، وبذلك تصبح لوزارة الداخلية سيطرة على مثل هذه الأمور من الصراعات منذ اللحظة الاولى، لا أن تجد صعوبة فى التدخل لوجود أنواع من السلاح.

بينما يرى صبرى بحر، من قيادات النوبة، أن تجار الأسلحة هم من يشعلون الفتنة بين عائلات وقبائل الصعيد، لكى يروجوا لسلعتهم الدامية بين الجميع، وتحركاتهم تكون أسرع من تحركات الشرطة ذاتها فى كثير من الأحيان.

ويرى أن الصعيد امتلأ بالسلاح منذ أن فتحت الحدود فى يناير مع انكسار الشرطة التى لا يستبعد أن تكون تجارة السلاح جزءا من مخطط لضرب الشرطة لكى تفتح الأسواق على مصراعيها، وتضيع هيبة الدولة.

وتحدث  محمود عبد الملك، من مواطنى أسوان أن السلاح الآن أصبح فى يد الجميع بلا ضابط، والترخيص بحمله لم يعد موضع اهتمام المواطنين.

وأضاف أن تجارة السلاح الممنوعة تنتعش، وأسعاره ترتفع مثل اى سلعة يقبل عليها الناس، وكل أنواع السلاح تهرب ويتم امتلاكها وتداولها، ففى ظل الفوضى الأمنية التى صاحبت ثورة يناير، أصبح كل شيء مباحا.

ووفقا لما تعلنه الأرقام، فإن هنالك أكثر من ١٠ ملايين قطعة سلاح دخلت البلاد عبر الحدود، غير ما يتم تصنيعه محليا، فلم يعد السلاح المحظور مرهونا بالصعيد فقط، فقد توسع وانتشر ليشمل كل مصر.

وكشفت حادثة أسوان الأخيرة بين الدابودية والهلايلة، عن خطورة السلاح غير المرخص، خاصة  لجوار المحافظة للحدود مع السودان؛ حيث يمكن أن يتدفق التهريب، وأشار إلى أن الانفلات الأمنى فى الآونة السابقة هو السبب الرئيسى فى انتشار الأسلحة.

حسن رمضان، مرشد سياحى، يقول إن صعيد مصر أكثر الأماكن امتلاكا للأسلحة الصغيرة مثل المسدسات، والكلاشينكوف وفرد الخرطوش المحلى الصنع؛ حيث كان الكلاشينكوف هو السلاح الموجود للحراسات فى الأماكن النائية، إلا أنه رغم ذلك كان حمل السلاح واقتناؤه فى الخفاء، وليس بصورة علنية فى معظم الأحوال فى فترة ما بعد ثورة يناير، وهى الفترة التى بدأت فيها عملية حمل السلاح تنتشر بشكل علنى بين المواطنين، وتهديدهم أمر يحدث بشكل يومى جهارا ونهارا.

وبعد ثورة ٢٥ يناير تنوعت الأسلحة بمختلف أعيرتها، وأنواعها، إلى أن وصلت لحيازة الصواريخ أرض – جو، كما أن كميات الذخائر التى هربت ودخلت الأسواق المصرية، سواء لدى تجار الجملة أو نصف الجملة أو المستخدم النهائى، فاقت كل التوقعات بعد تردى الأوضاع فى ليبيا، وتزايد عدد المهربين المحترفين إلى داخل مصر، مما ساعد على زيادة الطلب على السلاح، من خلال مافيا صارت متخصصة معروفة بمخازنها وقواعد تجارتها، ومرورا بتجار نصف الجملة، وصولا إلى المستخدم النهائى، لدرجة أن العصابات المتخصصة فى هذا الشأن التى يقبض عليها تعد نسبة قليلة من إجمالى العصابات المتخصصة فى هذه التجارة.