الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

من روائع الآثار المصرية في المتاحف العالمية (25)

  • 24-7-2021 | 18:41
طباعة

صدرية من الذهب – متحف المتروبوليتان 

يعدُّ الذهب من أقدم الفلزات المعدنية التى عرفها الإنسان، ربما بسبب لونه الأصفر البراق، وعدم تعرضه للصدأ والتآكل ولا يتغير بتغير الظروف أو مرور الأيام. وقد عرفته مصر قبل عصر الأسرات، ويرجع أقدم استخدام للذهب فى مصر إلى 4000 ق.م أو قبل ذلك، حيث ارتاد المصريون القدماء الصحراء الشرقية وسيناء بحثاً عنه فكشفوا عنه في العروق الصخرية.

وتقع المنطقة الفسيحة التى تحتوي على الذهب فى مصر، التي ارتادها قدماء المصريين فيما بين وادي النيل والبحر الأحمر، أما فى شبة جزيرة سيناء فلم يكتشف بها مراكز لاستخراجه وان ظهر فى بعض النصوص القديمة ما يشير إلى الحصول على الذهب منها. وفتح المصريون القدماء ما يقرب من 125 منجمًا بالصحراء الشرقية ومنطقة البحر الأحمر والنوبة، التي يعين اسمها بالمصرية القديمة "أرض الذهب". ويحتفظ المتحف المصري في مدينة تورينو بإيطاليا بأقدم خريطة جيولوجية على ورق البردي توضح كيفية الوصول إلى أحد أهم مناجم الذهب وأقدمها في مصر والعالم وهو منجم الفواخير في الصحراء الشرقية. رسمها مهندس مصري فى عهد الفرعون سيتي الأول (1318-1304ق.م). ولم تقتصر خبرة المصريين القدماء على مجال الكشف عن الذهب واستخراجه من عروق الصخور، بل امتدت خبراتهم إلى صهره، وصياغته وتشكيله.

اعتبر المصريون القدماء الذهب أثمن المواد، ليس فقط لقيمته الاقتصادية، بل لكونه قرين الأبدية والخلود، واعتبارهم إياه مادة للشمس، وهو الذي انبعثت منه الآلهة. واعتقد المصريون القدماء أن الربة حتحور هي "تجسيد" الذهب، ولا يزال المثل المصري العامي سائراً "هاتور .. أبو الدهب المنثور"، وهاتور اسم الشهر القبطي المشتق من اسم حتحور.  ولما كان الذهب معدناً ملكياً فقد كسيت تماثيل الآلهة بالذهب الرقيق، إذا لم يكن من المستطاع صنعها كلها من الذهب، وكذلك غطيت قمة المسلات برقائق الذهب وامتد هذا الاعتقاد حتى صار اللون الأصفر بالغ الأهمية في الرموز الدينية وأطلق على المواضع التي صُنعت فيها تماثيل "القرين" والتوابيت، اسم "بيوت الذهب" وكذلك أطلق نفس هذا الاسم على بيوت التحنيط وحجرات التوابيت بالمقابر الملكية. ولم يقتصر استعمال الذهب على الطقوس الجنائزية والطقسية فقد استخدم في الحلي واستخدم في النقود كما استخدم كمكافآت اجادة من الملك لبعض جنوده في صورة "ذبابات ذهبية"، أو عقوداً ثقيلة من الذهب لبعض الوزراء. 

وأقدم القطع الأثرية الذهبية الباقية تعود إلى الأيام السابقة من الألفية الرابعة قبل الميلاد؛ أغلبها خرز وأغراض أخرى متواضعة تستخدم للزينة الشخصية. واستمر إنتاج المجوهرات الذهبية المخصصة للحياة اليومية أو استخدامها في المعابد أو الطقوس الجنائزية في تطور طوال تاريخ مصر الطويل.

ولقابلية الذهب العالية للطرق إلى صفائح رقيقة، فقد تم إنتاج أوراق من الذهب يبلغ سمكها "ميكرون واحد" (جزء من مليون من المتر)، وهي تقنية بالغة الدقة في ذلك العصر البعيد، استغلها المصري القديم في تغطية مجموعة واسعة من المواد والمشغولات الأخرى، مثل: البرونز، أو النحاس، أو الخشب، أو الكتان، تم تثبيتها ميكانيكيًا بالطرق، أو باستخدام مادة لاصقة، أو فوق طبقة من الجص مع صمغ لاصق؛ لإضفاء سطح ذهبي عليها.

ويحتوي الذهب الذي استعمله المصريون القدماء على نسبة من الفضة قد تصل إلى 20% من السبيكة التي تضمهما، ربما يرجع ذلك إلى عدم مروره بدرجة تنقية عالية في عملية الصهر، وهو ما كان يؤثر على لون الذهب، فتراوح لونه ما بين اللون الأصفر المشرق اللامع إلى اللون الأصفر الشاحب المائل إلى الرمادي. 

ولقد تعرضت كثير من القطع الذهبية الأثرية للنهب والسلب خلال حوادث التاريخ وبسبب عمليات التنقيب منذ العصور القديمة، وتم صهر الكثير منها وإعادة تدويرها منذ فترة طويلة. وبشكل عام، بقيت قطع ذهبية قليلة نسبيًا من فترتي الأسرات المبكرة والمملكة القديمة، والتي تم تمثيلها في مجموعة متحف المتروبوليتان بسوار صغير من مقبرة "خع سخموي"، آخر حكام الأسرة الثانية. كانت مصنوعة من شريط عريض من صفائح ذهبية مطروقة. كما عثر في المقبرة الملكية على أواني حجرية صغيرة كانت مختومة بصفائح مطروقة من الذهب منسوجة لتشبه جلود الحيوانات ومربوطة بأسلاك ذهبية "خيط".

وتشير كثير من الرسوم والصور الجدارية الموجودة على جدران المقابر المصرية القديمة إلى طرق الصهر والصياغة، وأشكالاً من المشغولات والجواهر والحُلي الذهبية، كما تحتفظ المتاحف المصرية والعالمية بالعديد من أمثال هذه المشغولات والجواهر والحلي، منها الصدرية الذهبية الأثرية الجميلة التي يحتفظ بها متحف المتروبوليتان في الولايات المتحدة الأمريكية التي يعود تاريخها إلى الفترة من 1504 - 1450 قبل الميلاد.

تتكون هذه الصدرية من ستة صفوف من الأشكال الورقية الذهبية الصغيرة المطروقة المرتبطة مع بعضها البعض بصورة متناسقة مكوناً هذه الصفوف الست على شكل نصف دائري تتشابه أشكال الصفوف الخمس بينما تختلف وحدات الصف السادس عنها وتتميز بجمال تكوينها الذي يشبه أوراق الشجر أو الزهر. ينتمي طوق بهذا الحجم (31.5سم) وبهذه الحرفية إلى إحدى زوجات تحتمس الثالث الأجنبيات تدعى "نفر" والتي تعني بالمصرية القديمة فقد عثر عليه في مقبرة زوجات تحتمس الثالث الأجنبيات الثلاث، في وادي جبانة القرود بطيبة، من الدولة الحديثة الاسرة الـ 18 الأسرة: عهد الملك تحتمس الثالث (1450-1502 ق.م تقريباً).

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة