لاشك أن شيريهان نغمة فنية أصيلة حفرت في وجدان كل من شاهدها أو استمع إليها طريقا واسعا امتلأ بالشقاوة وانتظر منها دائما كل جميل من كل الفنون التي برعت بها، رقص وأداء حركي وغناء وتمثيل وهي الحلقة الأضعف لديها في رأي البعض وليس في رأيي شخصيا.
لكن هذا الطريق - للأسف - امتلأ بالمطبات الثقيلة التى تعثرت بها ثم غابت وقتا طويلا كان أجمل سنوات عمرنا وكنت أري أن جيلي أصيب في نجمته التي عبرت عنه في كل حالاته ومراحله، شقاوة الصبا "العذراء والشعر الأبيض "وانطلاق الشباب والحيوية والأناقة "الفوازير"، دفء الأنثى في أدوارها على الشاشة "يوم حار جدا" مع محمد خان وفي المسرح "شارع محمد على – علشان خاطر عيونك" أمام الكبيرين فريد شوقى وفؤاد المهندس .
أحيانا حين أفكر أجد أن مطبات شريهان، منها ما كان عمدا ومنها ما كان غير ذلك قد لاحق جيلنا بنسب مئوية اختلفت من شخص لأخر، لكنها جمعت بيننا، جيل التحق بالجامعة في الثمانينيات تعددت عليه المؤامرات في التسعينات بصور شتى هدفت كلها إلى تعطيل وجوده وتشتيت جهوده، أقلها جاءت بمقولة "لسه شباب بلا خبرة" ليظل كبار السن في المشهد الفاعل إلى بلوغهم الثمانين وأغلبهم احتل مقعده قرابة ربع قرن للأسف إلى أن اقتلعتهم ثورتين كانتا ضرورتين ولاشك.
لكن جيلنا رغم التشتت والإحباط والإقصاء لم يفقد الشغف بالعمل كل في مجاله، لم يفقد حب تراب بلدنا، لم يتوقف للمطالبة بحقوق ومكاسب، فقط العمل الجاد ثم تربية أبناء أصحاء قادرين على بناء وتعمير وطن قوى هو ما يحدث من شباب اليوم.
لا أبالغ بل تلك حقائق لم يذكرها أحد ولن يذكرها سوى من اكتوى بنارها وخرج من أتونها أكثر قوة وصلابة وهو الشخص ابن الأمة القوية الراسخة في عمق التاريخ والحضارة كما كانت تقول لنا كاتبتنا القديرة فوزية مهران.
عادت شيريهان، ولكن كيف كانت العودة ومع من؟، بحثت عن الشكل الاستعراضي الذي برعت به فى أهم وأشهر أعمالها "الفوازير" وبدت تلك رغبتها وهذا ما كتب على تترات العمل "مشاركة في الرؤية الفنية"، وقدم العمل تحت عنوان "مسرحية كوكو شانيل" لكن الشكل مزج بين أنواع فنية وهي المسرح والسينما والتليفزيون ربما كان الدافع تمثل في مواكبة العصر فيما أصبح يعرف "بالفنون المرئية أو البصرية" وتلك لها تعريف وصيغ فنية وجمالية تأرجح التعامل معها بلا ضرورة فيما شاهدنا، كيف؟.
الفنون البصرية Visual Artsتعرف بأنها "مجموعة الفنون التي تهتم أساسا بإنتاج أعمال فنية تحتاج لتذوقها إلى الرؤية البصرية المحسوسة على اختلاف الوسائط المستخدمة في إنتاجها وهو لفظ عام يشمل الفنون التشكيلية والفنون التعبيرية والفنون التطبيقية " .
وتضيف بعض تعريفات "في الفنون المرئية يقصد بالتكوين وضع أو ترتيب العناصر المرئية أو المكونات في عمل فني ما ، بما هو مختلف عن الموضوع الأصلي وفقا لمبادئ الفن".
وكما يتضح من تلك التعريفات العلمية، فإن النوع الفني الذي انطلق منه عرض "كوكو شانيل " هو عرض من الفنون المرئية، ليس كونه "مسرحية " كما عرفها صناعها ومنتجها على تتر أو شريط العرض، وهو ما جعل البعض يهاجم ما قدم بسبب تعريف التتر الذي أهدر قيمة ونوع العرض الذي شاهدنا.
فقد جمع العرض كل الفنون البصرية من فن تشكيلي تمثل في لوحات تشكيلية جميلة ومنحوتات وتشكيل بصري بالضوء واللون والظل، كما تمثل في فنون تعبيرية من أداء حركي ورقص وتشكيلات استعراضية، إلى جانب الموسيقى والأغنيات، فلماذا فعل صناع العرض بجهدهم هذا؟
ثاني أضعف فنيات العرض، الكتابة، فجاء في التتر تأليف وسيناريو وحوار
مدحت العدل، فلماذ هذا الخلط الذي لم يأت من قبل في صناعة الفن في مصر والعالم، فالتأليف كلمة شاملة لا تلحق بها كلمات أخرى، والثانية أن المسرحية –وهو المصطلح الذي قدم به صناع العرض عملهم لا تعرف السيناريو والحوار، فهذا مصطلح للكتابة المرئية عبر الشاشة مثل السينما والتليفزيون، ثم نفس اسم مدحت العدل يطرح على الأشعار؟، أي أن كل كلمة جاءت في العرض هي كتابة مدحت العدل وهو كاتب صاحب تجارب في السينما كثيرة بعضها ممتاز وبعضها ضعيف لكن ما يكتب من شعر غنائي أغلبه مميز وينجح مع الجمهور فماذا حدث في هذا العرض؟ أتصور أن الإجابة هي الارتباك في معرفة قواعد وسمات النوع الفني "الفنون البصرية " الذي كان يحتاج لمعرفة ودراسة ليخرج بالقيمة الفنية المطلوبة .