تلال القمح تحاصر صوامع الشرقية
والفلاحون" هنعمله عصير بليلة".. و«السوق السودة بتاخذه ببلاش»
والقمح يحتول إلى علف للحيوانات
رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة هذا العام لتسهيل عمليات توريد القمح من الفلاحين بمختلف محافظات الجمهورية، وتفادي القرارات الخاطئة التي أقرتها في العام الماضي وتراجعها عن تسليم الحيازة الزراعية كشرط لاستلام كميات القمح بالشون والصوامع، إلا أن الأزمة ازدادت تعقيدًا وعانى الفلاح من صعوبات بالغة لتسليم محصوله في أغلب محافظات مصر، خاصة وبعد إغلاق بعض الصوامع والشون الخاصة والفتح الباب على مصرعيه أمام رجال الأعمال الذي يوردون ملايين الأطنان يوميًا إلى الصوامع الحكومية فضلا عن أصحاب المساحات الشاسعة من أصحاب أراض الاستصلاح الزراعي، مما ضيق الخناق على الفلاح الذي لا يملك إلا مساحة بسيطة وكمية محدودة من القمح وينتظر بالثلاث ليال لتسليم محصولة، وسط ارتفاع كبير في أسعار النقل والوقود غير المواد الخدمية والسماد الذي ارتفع الضعف، الأمر الذي دفع الفلاح للوقوع فريسة للتجار الذين يتسلمون المحاصيل من الأراضي عقب الحصاد بأسعار منخفضة عن الأسعار الرسمية.
«الهلال اليوم» خاض مغامرة في أحد محافظات مصر للوقوف على حقيقة الأزمة والتعرف على كواليس الأزمة والدوافع من ورائها وما هي المشكلات الحقيقة التي تقف عائقًا أمام الفلاح، وهل أدت به للعزوف عن توريط القمح.
المغامرة كانت في محافظة الشرقية- التي تعد من أكبر المحافظات الزراعية في مصر- وعلى بعد كيلو مترات من مركز أبو حماد وفي طريقك إلى مدينة الصالحية الجديدة مرورًا بمركزي التل الكبير وبعض قرى مركز فاقوس تمر على عدد من الشون والصوامع التي تتكدس أمامها السيارات المحملة بالذهب الأصفر، نفس المشاهد والأوضاع لم تتغير ولم ترحك ساكنًا رغم مضي وقت ليس بقصير على بداية التوريد، فالمزارعون والتجار يفترشون الأرصفة بالأيام والأسابيع أمام الصوامع والشون الحكومية لتوريد ما جنوه خلال موسم حصاد القمح، كأننا نشاهد نفس سيناريو العام الماضي.
توجلنا وسط المزارعين في القرى وأمام الشون الحكومية وداخلها ورصدنا معاناة الفلاح الذي ينتظر بالساعات بل بالأيام لبيع محصوله بعد عناء ومعركة كبيرة وصلت إلى الاشتباك بالأيدي أمام أغلب الشون التي رأيناها، ثم يقرر المسول وقف التسليم لحين انتهاك معركة الفلاحين على أسبقية التسليم، تتكرر المعاناة بين بصفة دورية لا تتخطى ساعتين وسط تناحر وتنابذ بالألفاظ.
وهناك معركة أخرى، تحدث بعيدا عن ضجيج وأزمات الشون والصوامع وهي معركة الفلاح في السوق السوداء للهروب من الأزمات وتوفيرًا للنفقات، فيبحث على أسهل الحلول من خلال التفاوض مع أحد التجار لبيع المحصول بأقل بأكثر من السعر المحدد ورغم ذلك ينتظر ما لا يقل عن شهر حتى لا تسلم أمواله.
فلاحو فاقوس: «لازم تدفع علشان تعدي»
البداية كانت مع قرية الخطارة الصغرى بمركز فاقوس، يقول السيد على، أحد المزارعين بالقرية، إن الحكومة وضعت شروطًا تدفعنا للتواجد بالأيام أمام الشون لتسليم المحصول، حيث ألزمتها بتسليم المحصول في «أجولة» نتسلمها من مقر الصوامع المحددة للتسليم مقابل 10 جنيهات، فضلا عن تواجد لجنة مختصة لتحديد جودة القمح وفرزة بين 3 درجات، الدرجة الأولى بـ575 جنيهًا والثانية بـ565،والثالثة بـ555، الأمر الذي يتطلب وقت كبير للتسليم، لكن لو تقدر تدفع هتعدي كل حاجة وهتسلم وتمشي وده اللي بيعمله التجار اللي بتجمع المحصول من الفلاحين من الأرض بسعر زهيد.
وطالب المسؤولين بالمحافظة- الذين ينكرون حقيقة الأمر بالنزول- أمام الشون ومشاهدة حالة الناس والمأساة التي يعانوها بشكل يومي، غير أن بعض الشون تفتح في ساعات متأخر من النهار ولا تتسلم إلا من عدد قليل من المواطنين وسرعان ما تغلق.
ويضيف عيد إبراهيم، أحد المزارعين من نفس القرية:" إجراءات الحكومة مملة وبتخسرنا كتير علشان كده مش هنسلم القمح ونخليه لينا في البيت، لأن الخسارة الكبيرة عند محاولة التسليم بالطريقة الصحيحة، حيث يحصل سائق السيارة على مبلغ لايقل عن 500 جنيه وتزيد كلما زادت مدة انتظاره أمام الشون، غير المصاريف اليي يحصل عليها العمال التي تقوم بتفريغ الحمولة من على السيارة، ويأخذ من كل سيارة 10 للعينة و10 كيلو على الحمولة يعني 20 كيلو على كل سيارة مما يدفع المواطن لتسليمه للتاجر في الأرض بسعر أقل لأن سيخسر أكثر من فرق السعر الذي يحصل به التاجر ويكون بين 500 جنيه للأردب.
ويؤكد الحاج علوان ابن القرية، أن تسليم القمح في الشون تحول إلى سبوبة حيث يقوم أصحاب الحيازات الزراعية الذي لا يزرعون القمع مثل أصحاب مزارع الفواكه ذات المساحات الشاسعة يقوم بتسجيل أرضهم على أنها ستزرع قمع ويصرفون الأسمدة بطريقة غير شرعية ويبيعونها للفلاح على مرأى ومسمع من الجمعيات الزراعية، وفي ذلك لا يصلح الدعم للمزارع الحقيقي، كما زادت المأساة عندما فرضت الحكومة شرط الحيازة لتسليم القمح فيكون أصحاب الحيازات الكبيرة باستغلال الوقف والتحايل على القانون لتسليم القمح الذي يحصلون عليه من الفلاح أو بالاتفاق مع أحد التجار باستخدام حيازتهم لتسليم المحاصيل التي يحصلون عليها من المزارعين مقابل نسبة مشروطة مع التاجر.
قمح «أبو حماد» في يد التجار
وفي أحدى القرى التابعة لمركز أبو حماد بمحافظة الشرقية، يؤكد محمد السيد أحد المزارعين، أن بعض التجار تسلم القمح التي حصلت عليه من الفلاحين تحت مسمى محصول أراض الإصلاح الزراعي، ويسلمونه للحكومة بسعر الرسمي وتحصل الفارق مستغلين عزوف الفلاحين عن التوريد بسبب الغلاء وصعوبة الإجراءات.
وفي ذات السياق، يقول محمد عبدالله أحد المزارعين بأحد العزب التابعة لمدينة القرين، إن الحكومة أجبرتنا على الشون الحكومية التي لا تكفي للتخزين رغم توسعتها وإقامة شون جديدة بعد إغلاق الشون والصوامع الخاصة،التي تحاصرها محاصيل المسثمرين الكبار ورجال الأعمال.
ونعاني من زحام كبير أيضًا يمكن أن يستمر الأمر طويلا حتى تنتهي منه، مؤكدًا وجود ظلم كبير يقع على عاتق الجميع بسبب ظلم الإجراءات الغير مدروسة لأن الجمعيات الزراعية تعلم حقيقة الأمر ولم ترفع مظلمتنا إلى أعلى حتى تحل الأزمة في بدايتها وكل عام يزيد صعوبة عن سابقها.
وتلال القمح تحاصر شون "القرين"
وكشف محمد بيومي، أحد المزارعين بمركز القرين عن وجودة شونة كبيرة في مركز أبو حماد تابعة لعضو مجلس الشعب فؤاد أباظة تتسلم بأقل من السعر الرسمي، ورغم ذلك تستمر أكثر من 3 أيام حتى تستطيع تسليم القمح رغم إنها تتسلم بدون شروط أو أي أوراق رسمية ، ولكن هناك صعوبة كبيرة بسبب الإقبال الكبير عليها بصفة مستمرة.
وأكد أن هناك مزارعين من محافظات عدة مثل الغربية والبحيرة القليوبية زحفوا إلى تلك الشونة بسبب صعوبة التسليم في بلادهم ويبتون بالأيام أمامها ورغم ذلك كل لم يمنع أو يوقف زحف المزارعين من المحافظات الأخرى، مؤكدًا أن الزراعيين المغتربين تعودوا على ذلك منذ السنوات السابقة.
ويوضح الحاج يسري العشماوي، أحد المزارعين، صعوبة تسليم القمح بالطرق الرسمية للشون بالطريق الرسمية لتسليم القمح، يقول "توجد أمم أمام الشون ولا يوم الحشر، بسبب عمليات الفرز وتحديد درجة القمح، ويعقد ساعة علشان نسلم 10 أردب، غير الكوسة والمحسوبية والتجار ولي قاعدين يسترزقوا في الشون".
ويقول رضا بيومي، أحد التجار التي تشتري القمح من المزارعين، إن هناك أزمة حقيقية وخطيرة هذا العام بسبب توريد القمح للشون والصوامع الحكومية بسبب إجراءات التسليم عمليات تحديد الدرجة غير الزحمام الكبير بسبب توريدات المستثمرين، وكل ذلك يقع على عاتق الفلاح دون غيره، مؤكدًا إنه يتسلم القمح من المزارعين مقابل عربون بسيط حتى يحصل على المقابل المالي من الشون والصوامع.
وأضاف أنه يستمر ثلاث ليال أمام الشون لتسليم القمح للمزارعين سواء كانت الشون حكومية أو خاصة، مؤكدًا صعوبة الإجراءات التي تسلكها الزراعة لتسلم القمح للمزارعين.
مزارعو الزقازيق: "هنعمل القمح بليلة وعصير قبل رمضان"
أما في قرية طحلة بردين هي إحدى القرى التابعة لمركز الزقازيق في محافظة الشرقية، يبدو الأمر أكثر مأسوية، فيقول محمد عبد العزيز إبراهيم أحد المزارعين إنه لا يعرف السبب الحقيق وراء أزمة صعوبة توريد القمح للصوامع، مؤكدًا أنه سلم محصوله العام الماضي وانتظر شهر حتى يحصل على المقابل المادي وهذا العام الأمر معقد نسبيا بسبب الفرز وتحديد الجودة والتسليم في أجولة خاصة.
ويشير إلى أن التاجر لن يسلمهم المبالغ المالية المستحقة بعد شراء القمح وفي حال طلبها يقول التاجر "تعالى خد القمح وبيعه أجبلك فلوس من فين استنا لما نأخذها بقى هنديهالكم".
ويضيف أحمد إبراهيم أحد المزارعين بذات القرية، إنه ورد محصول القمح لأحد التجار بسبب صعوبة تسليم القمح، مناشدًا المسؤولين بضرورة حل الأزمة فعليًا دون كلام مرسل، لأن جميع الفلاحين عليهم ديون لتجار الأدوية الزراعية والأسمدة وسحبوا كميات كبيرة لخدمة الأرض دون مقابل على أن يسددوا من محصول الذهب الأصفر.
وتقول أحد السيدات:" إنها تعول أسرة وتزرع الأرض بنفسها وتعتمد على ثمن المحصول للأنفاق على أطفالها، وأنها سلمت المحصول إلى لتجار بسعر أقل لأنها ليس معها أموال كافية لدفع تكلفة النقل ولا يوجد أحد يتولى مسئولي المحصول بالأيام حتى يتم تسليمه.
ويناشد أهالي قرية طحلة بردين الرئيس السيسي ووزير الزراعة عصام فايد بالتدخل لسرعة حل الأزمة وضرورة تسريع إيجارات تسليم «الذهب الأصفر» قائلين:«القمح هنعمل فيه أيه لو مش سلمناه هنعمله عصير ولا بليلة"، معربين عن استياءهم الشديد بسبب صعوبة الأمر على الفلاح بدل التيسير وسط تراكم الديون واختفاء الدعم الحقيق.
برلمانيون: نرصد جميع المخالفات ونعمل على حلها
وفي ذات السياق، يقول النائب البرلماني علاء عبدالنبي، أن الحكومة سهلت الإجراءات عن العام الماضي للتسهيل على الفلاح لتجنب الأزمات في الأعوام السابقة، ولكن رغم ذلك ما زالت أزمة التراكم التزاحم متواجدة بكثافة منذ بداية موسم التوريد أمام الشون والصوامح.
وأضاف أن ذلك يأتي رغم وضع الحكومة تسهيلات للحفاظ على حق الفلاح، ولكنه لم يجل الأزمة مما يعني أن هناك أزكة حقيقة في الإجراءات التي سلكتها الحكومة ولم تضع الحلول الكافية لموجهة الأزمة.
ويضيف النائب البرلماني، أنه تواصل مع لجنة الزراعة بالبرلمان، الذي أكد توصله لحل حقيقي في أزمة توريد القمح عن طريق الجمعيات الزراعية للتسهيل على المزارعين وعدم استغلال التجار والتلاعب بأرزاق المواطنين.
ويؤكد النائب "عبدالنبي" أن وزارة الزراعة لم تتعامل بحكمة مع بداية والأزمة وفرض إجراءات جديدة على تسليم القمح للشون والصوامع، كما لم تتمكن من القضاء على جشع التجار واستغلال السوق السوداء وسط المعاناة الحقيقية التي يشتكي منها الفلاح بشكل مستمر مما يؤثر بالسلب على مستقبل الزراعة في مصر.
ويشدد على ضرورة تذليل جميع العقبات أمام الفلاحين بشكل عام والاهتمام بشكل أوسع بمنظومة الزراعة في مصر والارتقاء بمستوى الفلاح المصري، مؤكدًا أنه يبذل ما في قصارى جهده بالتواصل مع المسؤولين التنفيذيين ولجنة الزراعة بالبرلمان من أجل القضاء على ظاهرة أزمة توريد القمح التي ما زالت قائمة على أرض الوقع بشكل فعلي، وإنه لمس مدى المعاناة في متابعته المستمرة لأحوال الفلاحين.
وفي سياق ذات صلة، تقول النائبة البرلمانية نوسيلة أبو العمرو عضو مجلس النواب، إنها تبذل ما في قصارى جهدها من أجل حل أزمة توريد القمح للشون والصوامع، مؤكدة أن الفلاحين يواجهون معاناة كبيرة منذ بداية الموسم فضلا عن جشع التجار وفتح المجال أما السوق السوداء.
وتضيف "نوسيلة" أن الفلاح حال نجاحه في توريد القمح ينتظر استلام أمواله من بنك التنمية الائتمان الزراعي الذي يستغرق أسابيع للانتهاك من الإجراءات وتسليم المزارع مستحقاته المالية.
وتؤكد النائبة البرلمانية، جميع أعضاء المجلس يتكاتفون من أجل أزالة العوائق من أمام الفلاحين وتسهيل عملية التوريد من خلال التنسيق مع الحكومة.
وتوضح أنها على الجانب الشخصي تتواصل مع المزارعين للوقوف على مشاكلهم بصفة مستمرة من أجل حل مشاكلهم، وتوصيل أزماتهم إلى المسؤولين في المحافظة والحكومة، مؤكدة بذل قصارى جهدها من أجل القضاء على الأزمة ومواجهة الكوارث والعمل على الرقي بالفلاح.
تحويل القمح إلى علف حيواني
وفي هذا السياق، يقول قال محمد فرج، رئيس اتحاد الفلاحين، أن عملية التوريد هذا العام تواجه عددًا من المعوقات، ودفعت الفلاحين للتهرب من تسليم محصولهم، يأتي في أول هذه المعوقات، إجبار الفلاحين على دفع مبلغ تأمينى بقيمة 40 جنيهًا على كل جوال خيش، فضلا عن بُعد مراكز تجميع القمح عن الحقول لأكثر من 10 كيلو مترات، وهذا يخلف كل الوعود التى وعدت بها الوزارات المعنية قبل بدء موسم التوريد.
وأكد رئيس اتحاد الفلاحين، إن المساحة المزروعة من القمح قليلة عن العام الماضى، رغم زيادة إنتاجية الفدان، لافتًا إلى أن صغار المزارعين أقلعوا عن توريد الأقماح للدولة، وبدأوا فى استبدال محصول القمح بالفاصوليا، وذلك لارتفاع أسعار شراء الفاصوليا وانخفاض تكاليف ومستلزمات زراعته، بعكس القمح.
وأشار إلى أن التجار وأصحاب شركات الاستثمار الزراعى يقومون بالتوريد لصالح الدولة، بينما اكتفى أغلب الفلاحين بتخزين محصولهم للاكتفاء الذاتى فقط، منوهًا بأن الفلاحين حولوا القمح إلى علف حيوانى، للبعد عن أسعار الأعلاف الباهظة والتى تجاوزت الـ8 آلاف جنيه للطن، بينما يصل الطن من القمح فى حالة تحويله لعلف حيوانى إلى 4 آلاف جنيه فقط، مما يجعلهم يهربون من غلاء أعلاف الدولة بإخفاء الأقماح عن الدولة، وتوفير 50% فرق بين أسعار الاثنين.
«الزراعة»: الصوامح تستقبل القمح حتى الأول من يوليو
بينما قال المهندس علاء عفيفى، وكيل وزارة الزراعة بالشرقية، إن عمليات توريد القمح نسيير بطريقة جيدة وأكثر من معدلات العام الماضي، مشيرًا إلى توريد ما يزيد 300 ألف طن، بما يعادل ما يزيد مليونين 30 ألف أردب.
ولفت "عفيفي" إلى الفلاحوم حصدوا ما يزيد عن 93% من إجمالى المساحة المنزرعة وقدرها 381 ألفا و492 فدانا، مشيرًا 54 شونة وصومعة تستقبل عمليات التوريد بالمحافظة، وسيمتد العمل بها إلى الأول من يوليو المقبل، لتحقيق المستهدف من التوريد وقدره 6 ملايين و700 ألف أردب.