الجمعة 21 يونيو 2024

معرضان .. لـ أحمد جمال وفنانات الجنوب.. «المسافرون بلا متاع» بالمجلس الأعلى للثقافة.. «والتقينا بالجنوب» فى جاليرى النيل

21-5-2017 | 10:58

كتبت : شيماء محمود

معالجة عصرية برؤية تجريدية

عبر رحلة صوفية تشكيلية، فى محاولة للدمج بين المذهب الصوفى القائم على التخلى والزهد، وبين المذهب التجريدى فى الفن التشكيلى استقى أحمد جمال عيد، الأستاذ بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالأقصر، من تراث الأجداد ليعبر عن سعى الإنسان للتقرب إلى الخالق والسمو الروحى عبر كل الأديان والعصور التى مرت على مصر؛ لنطالع معالجة عصرية تحمل رؤية تجريدية هندسية.

فقد استقبلت قاعة المجلس الأعلى للثقافة مؤخراً أحدث أعمال الفنان الذى اختار لها عنوان «المسافرون بلا متاع».. وافتتح المعرض المفكر الدكتور سعيد توفيق، الأستاذ بجامعة القاهرة ورئيس المجلس الأعلى للثقافة الأسبق... وأستاذ دكتور رجاء أحمد على رئيس مؤتمر «فلسفة التأويل» ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة ونخبة من فنانى الوطن العربى.

توثيق الرحلة

تلك الرحلة البحثية للفنان أسفرت عن روايته «القطب الأعظم» وأعماله التشكيلية الحديثة التى نفذت بوسائط متنوعة مع الطبعة الرقمية. وثق رحلته عبر الصورة والكلمة والخط؛ سعياً منه للتعبيرعن لغة واحدة لا يفهمها سوى من ذاق تلك الخبرة الروحية للسفر إلى الله «المطلق»، جامعاً بين قيم الأصالة والمعاصرة..الموروث والحداثة، مطوعاً أدواته ومهاراته التصميمية فى تنفيذ لوحاته الرقمية بين التصوير الضوئى لكل أعماله والرسم والتصميم الجرافيكى.

أتت التجربة لتعبر عن روحانيات مختلطة بين الحقيقة والادعاء..واستغل جمال التأثيرات الرقمية لخدمة الفكرة، مطعماً إياها بالحروفية لما لها من أثر نفسى، فنجده تارة مستخدماً كلمات وجملاً بعينها، وتارة أخرى مستخدماً حروفيات لما لها من طاقة وأثر نفسى على المتلقى، وكذا اختياره مفردات بعينها لتعبر عن تلك الطاقة الروحانية كالشكل الهرمى والطائر.

تشاركت تلك الرموز فى دلالتها عبر الأديان إلى البعد الصوفى.. فالهرم على سبيل المثال الذى اعتمده جمال فى عدد كبير من أعماله، إنما يعبر عن رمزية صعود الروح إلى العالم الآخر عند المصرى القديم، مثلما يعبر عن صعود الروح فى المذاهب الصوفية.

ومن وحى الأبيات الشعرية لفريد الدين العطار جاءت اللوجة التى حملت عنوان «منطق الطير»..استخدم جمال الطائر كرمز للسفر والبحث عن الذات.

كما مثلت لوحة «مثلث الأديان»..تأثراً بمسجد أبو الحجاج بالأقصر، المقام فوق كنيسة وداخل معبد الأقصر، حيث تضافرت الأديان فى مكان واحد، لا يوجد مثل هذه الحالة فى أى مكان من بقاع الأرض سوى مصر، فهناك مقام للراهبة تريزا داخل المسجد الذى اُعتمدت أعمدته على الطرز الفرعونية بنقوشها.

ومثلما اعتمد جمال على رمزية العناصر فإنه اعتمد أيضاً على رمزية اللون، حيث استخدم السمكة واللون الأخضر تعبيراً عن الخير، بينما قدم السحلية الحمراء تعبيراً عن الشرور التى يضطر الإنسان إلى المضى بها.

الصوفي ابن وقته

ويقول الفنان عن تلك التجربة: السلام مصطلحاً ومعنى يوافق الفطرة الإنسانية السليمة ويدعو إلى الاعتدال فى كل شىء.. وهذه السمة تجلي سماحة الأديان السماوية جميعها، ومدى رعايتها للمثل الأخلاقية العليا والقيم الإنسانية الراقية.. وعلى هذا سار المتصوفة، فجمعوا بين الزهد فى الدنيا واتخاذ الأسباب، بل واكبوا التطورات والأحداث التى تطرأ ، حتى اشتهر عنهم قولهم «الصوفى ابن وقته»، مستخدمين مفردات مثل العشق والمحبوب والهوى والبصيرة، سابحين فى بحور الحب والسلام والطمأنينة، وهذا المعرض محاولة متواضعة لرصد وترجمة تلك الحالات الوجدانية الصادقة من خلال فهم عميق لـ«استطيقا» النص والصورة وأثرهما فى العمل الفنى المطبوع. وقد لفت نظرى مصطلحاتهم التى لا يفهمها الكثير منا، خاصة لقب «القطب الأعظم» الذى تتبناه الطرق الصوفية المختلفة. لذا حاولت توثيق هذا عبر الفن، حيث حضرت المواسم والموالد، حتى اكتشفت أن الصوفية لها أصول منذ الحضارة المصرية القديمة، ولها مدلول عبر كل الأديان السماوية وغير السماوية التى تناقلها الإنسان تسمو حتى تلك المذاهب والطقوس المختلفة لنفس الهدف وهو التصالح مع النفس والسمو الروحى.

يذكر أن الفنان أحمد جمال فاز بجائزة الشارقة للإبداع العربى فى مجال النقد بالإمارات 2015، وجائزة سوزان مبارك التشجيعية فى مجال أدب ورسوم الطفل 2005، وجائزة باسم الفنان عبد المنعم مطاوع فى مجال الرسم من ملتقى بصمات الفنانين التشكيليين العرب- الدورة السادسة عام 2013، وجائزة باسم الفنان نور الشريف- ميدالية فضية فى مجال الرسم من صالون الشرق الأوسط الثانى للقطع الصغيرة، فبراير 2014.

الأقصر سر تعاونهن

جمعهن المكان، حيث كانت مشارَكتهن فى «ملتقى الأقصر الدولى للتصوير» فى ديسمبر الماضى سبيلاً لولادة صداقة بينهن، ولهذا قررن إقامة معرضهن الجماعى الذى اخترن له عنوان «والتقينا بالجنوب»..واتفقن ألا يتفقن على تيمة معينة بالمعرض، بل تنفذ كل فنانة رؤيتها الفنية المستقلة.

حيث قدمت الفنانة والناقدة سوزى شكرى مجموعة من لوحات الأبيض والأسود لبطلاتها منفذة بخامة الحبر وأقلام الجاف، مستلهمة أوضاع المصرى القديم لتصوغها بطريقتها الخاصة مع توظيفها لبعض رموز الكتابة الهيروغليفية داخل العمل الفنى.

بينما عبرت د.مروة عزت فى لوحاتها عن المرأة بمنظور مغاير، طغى عليها اللونان الأخضر والأحمر لتنقلنا إلى عالمها الأسطورى الخاص الذى يجمع بين المرأة والقط فى حالات رمزية مختلفة.

فيما تطرقت الفنانة د.جيهان فايز لتوثيق حالة بيوت الطبقة الفقيرة التى لا تزال للأسف موجوده بكثرة سواء فى عشوائيات العاصمة أو المحافظات هي البيوت القديمة، المصنوعة من الأخشاب، والأسقف التى تجمع بقايا الأخشاب والمعادن وحتى الأقمشة، لكن جيهان تعمدت تصويرها بألوان مبهجة جمعت بين الأصفر والأزرق والأحمر إيماناً منها بأن هناك دوراً كبيراً للفن نحو التغيير والتطور.

أما الفنانة هالة الشافعى فقد نفذت لوحاتها التى تحمل طريقتها المعهودة حول استخدامها ألوان الباستيل بأسلوب مجرد وحديث، بعيداً كل البعد عن التقاليد الكلاسيكية.

يعتبر هذا هو أول معرض لهن وليس الآخير، فقد اتفقن على عمل معرض سنوى دائم يجمعهن بعد النجاح الذى لاقاه هذا المعرض.