لا شك أن القرارات المصيرية التى أصدرها الرئيس التونسى قيس سعيد، قد أعادت إلى الأذهان ما حدث فى مصر فى عام 2013، وإن كانت هناك بعض الإختلافات بين ماحدث فى يوليو 2013 فى مصر وما حدث فى يوليو 2021 فى تونس، إلا أن معظم المحللين السياسيين، والمراقبين، قد وضعوا الحدثين فى سلة واحدة، خاصة وأن المقصد يكون واحداً، بهدف التخلص من استبداد جماعة فاشية، أخذت من الدين ستاراً لإخفاء مقاصدها غير المشروعة تجاه الوطن!
فالبيان الذى أعلنه المشير عبدالفتاح السيسى وقتئذ فى يوليو 2013، يتشابه مع البيان الذى أعلنه الرئيس التونسى فى يوليو 2021، من زاويتين مهمتين، الأولى تتعلق باسترداد الوطن بعد خطفه من جماعة الإخوان المسلمين، والثانية تتعلق بإتخاذ بعض التدابير التى تضمن فى المستقبل القريب، رسم ملامح خارطة طريق، يكون متفقاً عليها من أغلب الحركات، والنُخب السياسية، تضمن الحفاظ على هوية الوطن، ومقوماته، وترفض كل محاولات المساس بالأمن القومى، أو بث الفتن، والمؤامرات، بهدف تنفيذ مخططات، أو أجندات خارجية، ضد الصالح العام.
وبمجرد إعلان بيان الثالث من يوليو 2013 فى مصر، أخذت وسائل الإعلام الإخوانية، والموالين لجماعة الإخوان المسلمين، طريق التضليل، والخداع، لنشر الحقائق المغلوطة، وصناعة رأى عام محلى، ودولى، يصب فى نفس اتجاه حركة الإخوان، بأن ما حدث فى 30 يونيه 2013م يكون إنقلاباً على الشرعية، ويتعين رفضه من قبل الشعب، ويتعين استنكاره من قبل المجتمع الدولى، وقد تم بالفعل التغرير ببعض المواطنين، وتم اقتيادهم لإعتصام رابعة، دون أدنى مراجعة فكرية لما حدث، ودون أدنى تدبر للأمر، ودون قراءة حقيقية، وصادقة، لمشهد تاريخى، شارك فى رسم ملامحه أكثر من ثلاثين مليون مصرى!
وأخذت قناة الجزيرة القطرية النصيب الأكبر من تزوير الحقائق، وخداع الشعوب العربية، وتضليل المجتمع الدولى، وعاونها فى ذلك، بعض الفضائيات الأخرى التى ُتبث من تركيا، وبريطانيا، مما أدى إلى إقناع بعض الدول، وبعض المؤسسات الدولية، بأن ما حدث فى 30 يونيه 2013، لم يكن ثورة، بل كان انتهاكاً للشرعية، ولكن سرعان ما تبخر هذا الإقناع، وأصبح سراباً، نتيجة الجهد الصادق، والمتواصل، الذى بذلته القيادة السياسية، والدولة المصرية، فى بيان حقيقة ما حدث فى الثلاثين من يونيه 2013م، وتقديم كافة الوثائق التى تؤكد خروج أكثر من ثلاثين مليون مصرى، لإسقاط حكم الإخوان، وقد كانت العبارة الشائعة بين معظم المواطنين هى عبارة "يسقط يسقط حكم المرشد"!
ولعل ما حدث فى مصر، نجده يتكرر فى هذه الأيام فى تونس، حيث القرارات المصيرية التى أصدرها الرئيس التونسى بشأن تجميد البرلمان، وإقالة الحكومة، وفقا للفصل (80) من الدستور، فقد كان بيان الخامس والعشرين من يوليو 2021 بياناً تاريخياً فى تونس، لأن التدابير التى تم إتخاذها من الرئيس التونسى، قد زرعت الأمل من جديد لدى الشعب التونسى، بعد أن ضاع من عمر تونس سنوات عديدة، لم يسمح خلالها الإخوان بتنفيذ أى مشروع قومى، ينقذ تونس من ويلات الأزمات الإقتصادية، وما يترتب عليها من تدهور فى مستوى المعيشة، وإنتهاك سافر لمعظم مقومات المجتمع!
فقد أعقب بيان الرئيس التونسى، عدة تصريحات من راشد الغنوشى، وحركة النهضة الإخوانية، وبعض الموالين لهم، بأن كافة التدابير التى اتخذها الرئيس التونسى تُعد انقلاباً على الشرعية الدستورية، وأخذت فضائيات الإخوان التى تُبث من تركيا، تسلك ذات الطريق، نحو التضليل، ونشر الحقائق المغلوطة، وترويج الفتن، كى يتناحر الشعب التونسى مع بعضه البعض، وتعم الفوضى كافة أرجاء البلاد، كى يتراجع الرئيس التونسى عن قراراته المصيرية التى اتخذها من أجل تونس !
وقد ذهب بعض أعضاء حركة النهضة، وأعوانهم، وعملائهم، إلى أبعد من ذلك، حيث التشكيك فى صحة قرارات الرئيس التونسى، وأن مرجعيته فى ذلك لم تكن الشعب التونسى، بل قد كانت بعض القيادات الأمنية المصرية، التى رسمت له الطريق، كى يتخلص من جماعة الإخوان المسلمين، ولم يكن ذلك غريباً على أعضاء جماعة الإخوان، وأنصارهم، فمسألة التشكيك فى كل شئ قد يصب فى صالح الوطن، تجرى فى دمائهم، ويعطون أنفسهم الحق فى فعل ما يريدون، طالما أنه يسير وفق عقيدتهم، ومنهجهم، وبغض النظر عن مصلحة الشعب!
وما زالت فضائيات الإخوان مستمرة فى عمليات الخداع، والتضليل، لتشويه ما حدث بتونس فى 25 يوليو 2021، ولن يتوقفوا عن ذلك، فليس فارقاً معهم أن ينتج عن دعواتهم صراعاً داخلياً، قد يترتب عليه أن تسيل دماء التونسيين، وليس فارقاً معهم أن يتم استدعاء المرتزقة، والميليشيات الإرهابية الموجودة فى ليبيا، كى تنشر الرعب بين صفوف التونسيين، بهدف سيطرتهم على مقاليد الأمور، وليس فارقاً معهم أن تتفاقم الأزمات، وتتراجع تونس، لأن هدفهم ليس الصالح التونسى، ولن يكون أبداً الصالح التونسى، بل قد أثبتت التجارب، والتاريخ، أن جماعة الإخوان المسلمين لا تعرف إلا صالح التنظيم الدولى للإخوان، وأن مفهوم الوطن بالنسبة لهم، يختلف عن مفهوم الوطن لدى أى وطنى، مخلص لوطنه، فليس بعيداً عنهم التنازل عن جزء من أرض الوطن، والمساس بأمنه، واستقراره، طالما أن ذلك يحقق مصالحهم، وبغض النظر عن مصالح الشعوب!
فتاريخ التضليل الإعلامى الإخوانى يعيد نفسه، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة فى تونس، أن منهج حركة النهضة فى التعاطى مع قضايا الوطن، هو ذات المنهج الذى تعامل به الإخوان فى مصر مع ثورة 30 يونيه 2013، فطرق التضليل، وتزييف الوعى، هى الطرق الرئيسية التى يسلكها تنظيم الإخوان المسلمين، كى يُوقع الشعوب فى الفتن، والصراعات، وهو ما ينبغى أن ننتبه إليه جيداً، وأن نتكاتف، ونتماسك، لبناء وعى حقيقى، وصادق، يكون درعاً قوياً، يحمى الوطن من كل محاولات نشر الشائعات المغرضة التى يتبناها إعلام الإخوان، وكى لا نسمح لتاريخ التضليل الإعلامى الإخوانى بأن يعيد نفسه مرة أخرى!
أ. د/
أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط