الثلاثاء 11 يونيو 2024

بعيدا عن العاصمة.. قريبا من جوهر الثقافة

21-5-2017 | 11:10

أحمد عنتر مصطفى - شاعر مصري

 بعيدا عن العاصمة القاهرة؛ بما يقرب من أربعمائة كيلومتر؛ وبالتحديد في مدينة أسيوط؛ ذات العراقة التاريخية المعجونة بعبق الأصالة وألق الإبداع الحرفي والشعبي؛ بدأت فعاليات المهرجان الثقافي الفني الذي تقيمه مؤسسة الفنان سعد زغلول للفنون والحرف التراثية الفترة من 12 إلى 14 أبريل 2017؛ تحت عنوان: (التراث الشفاهي العربي) برعاية وزير الثقافة حلمي النمنم و المهندس ياسر الدسوقي محافظ أسيوط؛ وأُسندت إدارة المهرجان إلى الفنان طارق دسوقي والمنسق الفني محمد جمعة؛ بينما اكتفى صاحب المؤسسة الفنان التشكيلي سعد زغلول؛ بتجرد تام؛ كعادته؛ بحضوره الفاعل فنانا مبدعا وداعيا كريما..

   لم يكن البعد في المكان فحسب؛ فبعيدا – أيضا - عن المؤسسات الثقافية الرسمية المتهالكة؛ والمؤتمرات المجانية االخاوية؛ وحلقات الدراسات النافقة التي لا يحضرها سوى الداعين إليها؛ وبعض المروِّجين لشخوصهم المتضخمة؛ بعيدا عن ذلك كله من التهالك إلى الادعاء مرورا بالتكالب وزحام المناكب العريضة والمهاترات العقيمة السائدة في الساحة الثقافية وحلبات الإنترنت والفيسبوك؛ أقيمت الدورة السابعة من المهرجان؛ الذي يضطلع بمهام استمراره وترسيخه فنان بسيط من صعيد مصر؛ إيمانا منه بدوره كمبدع مثقف؛ وحُبا وامتزاجا بهموم بيئته الصغرى؛ وانتمائه الراسخ إلى وطنه الأكبر؛ مع لفيف من الرجال اصطفاهم لمؤازرته في مهمته الصعبة؛ ودعما لمشروعه الثقافي الرائد الذي يحلم ويأمل أن يعم أرجاء مصر بقراها ونجوعها. وأن يتصدى غيره لإقامة العديد من المؤسسات الثقافية الأهلية حتى تكون له ظهيرا.

   أُهديت هذه الدورة إلى روح الفنان زكريا الحجاوي أحد رواد الفن الشعبي ورموزه؛ فكان شخصية الدورة؛ وقد دأبت إدارة المهرجان أن تُهدي كل دورة إلى أحد الرمور الفنية والثقافية الفاعلة في تاريخ مصر ووجدانها؛ وسبق أن أهدت إحدى الدورات إلى الفنان خالد الذكر سيد درويش؛ وأخرى إلى مثَّال مصر العظيم محمود مختار. وقد دعي أكثر من مائة شخصية فنية وثقافية لحضور المهرجان ما بين شعراء وكتاب وفنانين تشكيليين؛ منهم على سبيل المثال: الدكتورة عواطف عبد الرحمن والناقد التشكيلي سمير غريب؛ وعبد الرحمن الشافعي؛ ود. أحمد عواض رئيس صندوق التنمية الثقافية؛ والناقد محمد كمال وصاحب القلم الرشيق الكاتب أسامة عفيفي والناقد محمد الروبي والشاعر شوقي حجاب؛ والفنانون عز الدين نجيب؛ عصمت داوستاشي؛ إبراهيم الطنبولي؛ المعماري الدكتور عصام لطفي؛ أمل نصر؛ والموسيقار هاني شنودة والمايسترو شريف محيي الدين والفنانون وفاء الحكيم وطارق دسوقي وأحمد الشافعي ؛ فضلا عن مثقفي أسيوط وشعرائها وفي مقدمتهم الشاعران المبدعان: سعد عبد الرحمن ودرويش الأسيوطي؛ وغيرهم..).

 حضر الافتتاح الذي تم؛ بمتحف سعد زغلول صباح اليوم الأول؛ المهندس ياسر الدسوقي محافظ أسيوط الذي تقدم مع مضيفه جمعا حاشدا من المبدعين والمثقفين لتبدأ الجولة بمشاهدة قاعة إبداع الأطفال التي ضمت مجموعة من اللوحات الواعدة بمستقبل مشرق لمبدعيها الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والعاشرة؛ ثم تم الانتقال إلى المعرض المقام على هامش المهرجان لكبار الفنانين التشكيليين؛ من حضر منهم ومن اعتذر لارتباطات طارئة وسابقة بسبب تأجيل موعد المهرجان من الخامس إلى الثاني عشر من أبريل حتى يواكب العيد القومي للمحافظة.

   في المساء كانت هناك احتفالية أقيمت بالقاعة الملكية بنادي بلدية أسيوط؛ وكان المحافظ قد افتتحها؛ بعد ترميمها وتجهيزها قبل الافتتاح بساعات. بدأت الاحتفالية بعزف السلام الوطني والوقوف حدادا على أرواح شهداء الوطن جميعا وفي مقدمتهم شهداء تفجير كنيستىْ طنطا والإسكندرية (يوم 9 أبريل 2017).. تلت ذلك فقرة من فن الطرب المصري الأصيل للفنان زين؛ ثم فقرة التكريم التي تحرص المؤسسة خلالها على تقدير الرموز وتكريمها وكان من المكرمين هذا العام الأساتذة الأجلاء: د. عصام لطفي؛ شوقي حجاب؛ أسامة عفيفي؛ محمد الروبي؛ الموسيقار هاني شنودة؛ والمايسترو شريف محيي الدين.. وكانت لفتة كريمة من المؤسسة أن تكرم بعض المنتمين إليها والعاملين بدأب ملحوظ لإنجاز المهام المنوط بهم تحقيقها وفي طليعتهم الأستاذ محمد عطا.

   أبحاث هذه الدورة تناولت (التراث الشفاهي العربي) نوقشت في ندواتٍ ست؛ ثلاث منها صبيحة اليوم الثاني؛ وبدأت بالحكايات والأمثال الشعبية للشاعر درويش الأسيوطي ثم (الشعر العربي وشفاهية الإنشاد للشاعر أحمد عنتر مصطفى) و(السيرة الهلالية للمخرج عبد الرحمن الشافعي) .. في المساء كانت ندوة سمير غريب عن المطرب الشعبي الراحل أحمد برِّين؛ تلتها دراسة الكاتب أسامة عفيفي عن زكريا الحجاوي؛ ثم ندوة الموسيقار هاني شنودة التي اختتم بها برنامج الندوات.

   على أن أهم فقرات المهرجان الثابتة المتطورة - في رأيي المتواضع - تلك الورشة الفنية التي يضطلع بإقامتها والإشراف عليها دوما الناقد الفنان محمد كمال وهي خاصة بإبداعات الأطفال في مجال الرسم؛ فبينما كان الجدل دائرا في الندوات؛ كان محمد كمال يخلو إلى أكثر من ثلاثين طفلا وطفلة تتراوح أعمارهم بين الرابعة والعاشرة مشرفا على إنجاز جدارية كل عام التي تمتد لأكثر من عشرين مترا تشكِّلُها اللوحات التي يبدعها الأطفال كلٌ على حِدة. بعد محاورة تدور بين المشرف والأطفال حول موضوع الجدارية؛ وغالبا ما يكون مرتبطا بعنوان الدورة؛ وتستغرق الورشة حوالي أربع ساعات؛ بعدها؛ وفي حضور المشاركين في فعاليات المهرجان وأهالى هؤلاء الأطفال المبدعين؛ يحمل كل طفل لوحته ويبدأ طابور العرض الجماعي؛ ثم يرفعون جميعا لوحاتهم إلى أعلى؛ بعدها يبدأ توزيع شهادات التكريم عليهم؛ وأخيرا تُلتقط لهم الصور الجماعية مع كبار المبدعين الحضور تأكيدا على معنى التواصل بين الأجيال؛ وترسيخا لروح مصر المبدعة جيلا بعد جيل.