الأربعاء 24 ابريل 2024

قنوات التشهير والتدمير

مقالات4-8-2021 | 14:46

تمام الكلام اللعب بمشاعر الناس والعزف على أوتار أوجاعهم ونزيف جروحهم، هل هو في صالح أهالي الضحايا أم ضدهم؟ خاصة عندما تتصارع قنوات التشهير خلفهم وعليهم من أجل القبض على كشف مأساوي من خلال الضغط عليهم، إمعاناً في زيادة اكتئاب الناس وحزنهم، والفوز بسبق إعلامي "فضائحي".

أتساءل: لماذا كل هذا الهوس الذي يسيطر على معظم القنوات مستخدمة أساليب يفتقد معظمها إلى الكثير من آداب وطرق التخاطب مع أهالي الضحايا وهم في حالة يرثي لها، ويحدث هذا أيضا عند محاورة أهالي المتهمين، حيث يظهرون في مشاهد غير لائقة إنسانياً واجتماعياً، هناك تراجع مهني كبير لدى البعض ممن يدعون أنهم أصبحوا مذيعين ومذيعات فجأة على هذه القنوات، بالإضافة إلى منصات وقنوات البث الإليكتروني، حيث ينقلون إلينا الإحساس بالضجر من إعادة وتكرار تفاصيل القضايا بشكل ممل في الفيديو الواحد، وأيضاً ثقل الأسلوب الهجومي بصوت يصل إلى الصراخ على أهل الضحايا، ومشهد الأقدام التي تأخذنا إلى مكان الحادث في تقليد سينمائي ممل، بالإضافة إلى عدم احترام مأساوية الحدث من قبل مذيعات قنوات الصحف والمواقع الإلكترونية، حيث يبالغن في صبغ وجوههن بألوان الزينة الصارخة، وارتداء الملابس الملونة المزركشة التي لا تتناسب مع الحدث والحادث، ولا تراعي مشاعر أهل الضحايا الدامية قلوبهم على فراق أحبائهم .

وأتساءل ثانية: كيف باتت مصائب الناس وآلامهم مسرحاً لتنافس القنوات المتخصصة، وغير المتخصصة دون أي اعتبار إنساني، أو احترام لأهل الضحايا ، بل وأحياناً اتهام الأبرياء، المهم لدى هؤلاء هو صنع الإثارة لحصد أكبر عدد من المشاهدين، وبالتالي جنى المال الوفير.


من سوء حظ مصر، أم الدنيا والتاريخ، أنها أصيبت ببلاء بعض الإعلام المتنافس بلا مهنية وبلا قيم إعلامية، والمتصارع على نشر جرائمها وفضائحها أمام المجتمع العربي والدولي من خلال إناس غير مؤهلين لطرح هذه القضايا الشائكة، لا أحد ضد الحقيقة، وضد كشف الواقع ومعالجته، لكن هناك فرق بين كشف الحقائق ومعالجتها ومناقشتها بعلم ومعرفة وتخصص، وبين هذا العبث الذي يبث من خلال قنوات إليكترونية.


 فهل ما يحدث يعد إعلاماً جديداً؟ هل الانفلات الإعلامي يعد تطوراً؟ وهل غياب ميثاق الشرف المهني في ممارسة هؤلاء سوف يستمر طويلاً؟ وهل يستمر هذا الأمر الذي يهدم ثوابت المجتمع وقيمه، ويحاصر الجيل الجديد بثقافة اللت والعجن في جرائم الكثير منها مخل بالشرف وبالتقاليد والعادات الشرقية المصرية الأصيلة، والقيام بتمثيلها أمام عيون أطفال وشباب في سن المراهقة ومن السهل عليهم التأثر بها وتقليدها. 

لا أستطيع إلا أن أقول عبر هذه المنصة الصحفية العريقة إلا: كفاكم يا من تصنعون شهرتكم من فضائح الناس، فقد يحدث يوماً أن تكونوا وجهاِ لوجه أمام مآسي الأهل والأقارب والأصدقاء، وأقل ما يجب أن تفعلوه هو أن تحترموا إنسانيتهم، وأن تقدروا حجم مصائبهم، وأن تكونوا أصحاب ضمير وعلى قدر المهنة ومبادئها، لأن إعلاماً بلا وعي هو إعلام أعمى لا يفرق بين النور والظلام.

Dr.Randa
Dr.Radwa