السبت 1 مارس 2025

مقالات

إدوارد الخراط.. شاطىء "سيدى بشر" سابقًا!

  • 5-8-2021 | 22:18
طباعة

 عزيزى المواطن، صديقى المُثقف، وزميلى الكاتب، هل تعلم منه هو إدوارد الخراط؟

إنه إدوارد قلته فلتس الخراط الأديب المولود عام 1926 والحاصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1946 والذى خدم فى مخازن البحرية البريطانية فى هيئة الكبارى بالإسكندرية ومنها موظفاً فى البنك الأهلى ثم بشركة التأمين الأهلية 1955 ثم مترجمًا بالسفارة الرومانية بالقاهرة. هو من شارك فى الحركة الوطنية الثورية وأعتقل لمدة سنتين عام 1946 فى معتقلى أبوقير والطور ومنها عمل بعد الإفراج عنه فى اتحاد الكتاب الإفريقيين والآسيويين بجانب عمله فى منظمة تضامن الشعوب المصرية حيث كان يُشرف على المطبوعات السياسية والثقافية ثم اتجه لإصدار العديد من المجلات منها مجلة "لوتس" للأدب الإفريقى والآسيوى ومجلة "غاليرى68" الطليعية ثم نفض يديه من الوظائف ونادته نداهة الكتابة.

 

"إدوارد الخراط" الذى كان منذورًا للفن والذى قرأ الأنجيل كله فى عمر العشر سنوات وتلاها بكتب كليلة ودمنة وكتاب الأدب الصغير والأدب الكبير لابن المقفع مما أوجد لديه تربة خِصبة للأنتاج الأدبى لذا بدأ بالقصة القصيرة ثم همّ بفن الرواية وتبحر فى الدراسات النقدية والأدبية وكانت ظاهرة غزارة إنتاجه لافته ؛ إذ كونه من القلائل الذى كان يُنجز تأليف أكثر من كتاب فى العام الواحد مرددا كونه يكتب من أجل التخلص من الهموم.

"إدوارد الخراط" الذى عشق الإسكندرية بل قال (لعلنى لا أعرف كاتبًا آخر فى العربية توله بعشق موقع مثلها) وحتى عند عقد مقارنة بينه وبين العظيم نجيب محفوظ وعشقه بأزقة وحوارى الجمالية وبين ولع عبد الرحمن الشرقاوى بالريف، ترجح كفة عشق الخراط لعروس المتوسط فقد كانت المدينة الأم عند هؤلاء الكتاب ساحة للحدث أو مشهدية خلفية للأحداث لكن فى كتابات الخراط الإسكندرية هى نفسها الفعل الروائى، هى القوة الفاعلة وليست مادة العمل ولا مكان الأحداث فقط ؛ حيث وجدناه على الغلاف الداخلى لرواية (إسكندريتى) قد طالعنا بعنوان فرعى حيث كتب "إسكندريتى: مدينتى القدسية الحوشية".

 

"إدوارد الخراط" الذى عرف عمله الأدبى بأنه كولاج قصصى يقارب التقنية التى يعرفها الفن التشكيلى ونصوص تضم صورًا من خامات ومصادر متنوعة فتعطى لوحة "إسكندريتى" شكل الفن التشكيلى الابداعى فيظهر شكل كتابة جديد بإمضاء الخراط كقبلة حياة لحالة الغيبوبة التى أصابت الأدب والتى أقرها الغرب خلال العقود الثلاثة الماضية فجاء الخراط بالكولاج النصى والثقافى وفعلّه كشكل جديد من أشكال الإبداع.

 

"إدوارد الخراط"الذى أصدر "ترابها زعفران" عام 1986 حيث رصد فيها طفولته فى سكندريته الحبيبة واصفًا المجتمع حينئذ بكل أطيافه دون التوغل فى شخصنة الأحداث مما حير النقاد فى حتمية تصنيفها رواية سيرة ذاتية؛ بينما جاءت روايته "حريق الأخيلة" لتأخذ شكل السيرة الذاتية مما سهل فك شفرة شخوصها خاصة بعين المقربين من ذلك الأديب العبقرى،فمن خلال بطل الرواية صديق العمر الذى باع العشرة والصداقة وأصبح أوروبيا معارضا سودويا لا يرى فى الوطن سوى الديكتاتورية والقمامة والفساد لصديقه الذى يرى أن مصر بأهلها هى الأكثر أصالة وحب بل وعامرة بالمبدعين والمثقفين ؛ مما يعكس حبه للوطن فلم يكن يوماً معارضًا للمعارضة أو فظًا فى نقده بل كان يرسم رواياته ويبدع فى تحويل الكلمات إلى لوحات وألوان وموسيقى مُمْجدًا فى سكندريته بعشق طال سماء التصوف.

 

"إدوارد الخراط" المبدع الفنان صاحب "رامة والتنين" والتى صُنفَت من أفضل مائة رواية عربية حيث جسدْ قصة الحب بين الرجل والمرأة على شكل حوار تختلط فيه عناصر أسطورية ورمزية فرعونية ويونانية وإسلامية مع غَوص فى التجربة الإنسانية مع أبعاد فلسفية مُدمْجة لشرح فترة الستينيات والسبعينيات مما جعلها بعد ستة عشر عاماً من صدورها وقد أصبحت ثلاثية تدرس.

 

"إدوارد الخراط" الذى لم يكتف بقدراته كروائى بل حلْق مترجمًا وناقدًا ؛ ترجم 14 كتابًا إلى اللغة العربية أهمها "الحرب والسلام" لتولستوى إضافة للعديد من المسرحيات والدراسات.

هذا القبطى الصعيدى الذى غادرنا عن تسعين عامًا والذى أرسى لونه الخاص والمُمَيز وسط عظماء الأدب فى تلك الحقبة الثقافية الثرية فى مصر، هو من جدد فى فن السرد ولم تغادره الإسكندرية، اليس أولى عند تكريمه إطلاق إسمه على مسرح أو قاعة مؤتمرات أو ميدان أو يُدشَن له نصب فى أوبرا سيد درويش أو فى مكتبة الإسكندرية بدلًا من شاطىء مجانى ًمُداس من أهل الإسكندرية البُسطاء أو من مُصطافيها زوار اليوم الواحد، ولا يعنى زائر الشاطىء اللافته التى تحمل إسم المكان، فلن يسأل أحد من العامة من هو إدوارد الخراط بل سيعجز البعض عن نطق الإسم ، وستجتمع الغالبية على عدم أهميةالأمر.أبعد هذا التاريخ الابداعى والثقافى والأدبى العريق الايليق بخراط أن يطلق إسمه على مكان يليق به بعيدًا عن رحلات اليوم الواحد وأغانى المهرجانات التى تنبعث بطول الشاطىء!؟

الاكثر قراءة