الأحد 28 ابريل 2024

الخطأ التونسى والحل المصرى فى التعامل مع الإخوان

مقالات6-8-2021 | 12:57

تؤرخ أحداث ما يسمى بالربيع العربية لمرحلة مفصلية فى تاريخ جماعة الإخوان، التى اعتبرت أن ما يترتب عليها ما هو إلا فرصة لتحقيق حلمها بالخلافة، الذى ظل يداعب خيالاتها لما يقرب من 90 عامًا، أو أن هذه الأحداث سوف تمهد عمليا لتحقيق الحلم الخلافة والوصول إلى أستاذية العالم، وبالفعل تمكنت الجماعة من تحقيق الكثير من المكاسب، ووصلت إلى سدة الحكم وهيمنت على اثنين من أهم البرلمانات العربية فى مصر وتونس؛ بل وصل مرشحها لحكم مصر، لكن الجماعة التى ظلت تتغنى بما تمتلكه من قدرة على الحكم، من خلال انتقاد الأنظمة السابقة التى عاصرتها منذ إنشائها، وجدت نفسها لأول مرة فى تاريخها وجها لوجه أمام الواقع، فما لبثت أن اصطدمت بمعضلة كبيرة، وهى أنها ظلت تخطط طيلة الـ 90 عامًا للوصول للحكم ونسيت شيئا مهمًا للغاية، وهو ماذا بعد الوصول للحكم؟, وهو نفسه ما اصدمت به فى تونس، فماذا فعلت الجماعة أمام هذه المعضلة؟

 

(1)

بعد الإعلان الرسمى عن فوز مرشح الجماعة محمد مرسى برئاسة الجمهورية، عقد المراقب العام للجماعة فى مصر خير الشاطر لقاء صحفيًا، نظمته له إحدى الجمعيات بمكتبه فى شارع مصطفى النحاس، فى أغسطس 2012م، وانطلق الشاطر فى الحديث، مسترسلا، دون توقف، وفاجأ الحضور بقوله: "إن الإعلام فهم مشروع النهضة (الذى كانت تروج له الجماعة لتحقيق التنمية فى مصر) خطأ"، فالجماعة ليس لديها مشروع محدد، كل ما هنالك أنها ستستقبل مقترحات المواطنين والمتخصصين من النخبة ثم تختار الأفضل من بينها.

أثارت هذه التصريحات- التى كنت شاهدًا عليها- والتى ظهرت لأول مرة على لسان المراقب العام أو الرجل الأول للجماعة فى مصر، موجة عاتية من الانتقادات للجماعة وفى صباح اليوم التالى خرجت مانشيتات الصحف تصف مشروع النهضة الإخواني- الذى كان يمنى أعضاء الجماعة قبل غيرهم بالعيش فى الجنة الموعودة- بـ (الفنكوش)، وهو تعبير شهير مستوحى من أحد الأفلام السينمائية يطلق على اللاشيء، حينما تكون الوعود وهمية أو إن شئت قلت (عملية نصب).

 

(2)

لم تقدم الجماعة شيئا يذكر فى مصر، ودخلت فى مناوشات مع جميع القوى السياسية فى البلاد، وانشغلت وشغلت الجميع، بأمور بعيدة كل البعد عما يفيد المواطن، فلم تقدم خطة أو مشروعًا تنمويًا، ودخلت البلاد فى أزمات كبيرة، نتيجة توقف عجلة الإنتاج وانشغال النظام الجديد فى تصفية الحسابات مع خصومه السياسيين من جهة، ومعاداة مؤسسات الدولة من جهة أخرى، ظلت الأزمات تتفاقم، رغم الوعود الكبيرة التى قطعتها الجماعة وقطعها مرشحها للرئاسة على نفسه بأنه فى خلال 100 يوم من الوصول للحكم ستكون كل مشاكل البلاد محلولة.

مرت الشهور، ولم يتحقق شيء من هذه الوعود؛ بل لم تظهر بوادر على خطة واضحة لوعد واحد، إلى أن ثار الشعب على نظام الإخوان الذى فشل فى إقناع الشعب باستمراره.

 

(3)

وجاءت 30 يونيه التى أطاحت بحكم الإخوان، بالنظام الجديد، الذى فطن منذ اليوم الأول، لمنهج الجماعة فى إرباك الدولة، من خلال صنع الأزمات، سواء بدعم العمليات الإرهابية، أو إشغال النظام الجديد فى المهاترات والمناوشات السياسية، وبدأ النظام الجديد فى التعامل مع هذا المنهج من خلال خطين متوازيين:

الأول: ملاحقة فلول الجماعة، وتشديد القبضة الأمنية، على الجماعات والحركات المسلحة والمتطرفة المنبثقة من الجماعة، ومن بينها حركة حسم ولواء الثورة وغيرهما، إضافة إلى انطلاق العملية الشاملة فى سيناء للقضاء على الجماعات الإرهابية المؤيدة للجماعة والمتعاطفة معها.

الثاني: عدم الالتفات إلى المناوشات السياسية التى تفتعلها الجماعة، والتى تتمثل فى نشر الأكاذيب والشائعات، والتشكيك فى مؤسسات الدولة السياسية، والأمنية، وهو الفخ الذى نجحت مصر فى الإفلات من الوقوع فيه كما وقعت فيه دولة شقيقة كتونس.

التفتت الدولة إلى البناء والتنمية فى كل مكان، وظهرت مشروعات ضخمة منها خطة 20/30، لإعادة بناء الدولة، وقد بدأت بإعادة بناء المؤسسات الرئيسية من خلال الدستور الجديد، والبرلمان بغرفتيه، ثم مشروعات التنمية التى ليس من البمالغة إطلاق اسم الجمهورية الجديدة عليها.

 وهكذا أصبحت مصر بهذا الحل دولة جديدة، ولو كانت التفت إلى فخ الجماعة وانشغلت بمهاتراتها السياسية لما وصلت لما هى عليه اليوم.

 

(4)

أما دولة تونس الشقيقة، فقد فطن النظام الحالي، بقيادة الرئيس قيس سعيد، إلى أن الدولة وقعت فى شرك الجماعة طيلة عشرة أعوام، سيطرت فيها على البرلمان وعلى الحكومة، وأربكت الدولة فى الصراعات الحزبية والمناوشات السياسية، وقد وقعت الأحزاب التونسية وأعضاء البرلمان فى هذا الفخ، حتى أنه لم يقدم أحدهم مشروعًا واحدا تحت قبة البرلمان، لحل الأزمات المتصاعدة التى تعانى منها البلاد، ما أدى إلى تدخل مؤسسة الرئاسة لإنقاذ الدولة ومؤسساتها من الانهيار، وقد فطنت الرئاسة التونسية إلى أهمية الحل المصرى فى التعامل مع جماعة الإخوان، كى تتمكن من الخروج من شراك الجماعة وحبالها التى أحكمتها على الجسد التونسي، وبدأت أول الطريق.

Dr.Randa
Dr.Radwa