الأحد 19 مايو 2024

محمد الحمامصي يكتب: الجهاديون السلفيون تعسفوا حتى في تأويلهم للنصوص القرآنية

فهم التطرف الديني

ثقافة7-8-2021 | 22:09

محمد الحمامصي

التطرّف الديني أحد أنماط التفكير الديني الذي يتّجه إلى التصلّب على قيم ومعايير وممارسات ضد المجتمع والعالَم، وما يسمّى التيار الرئيس.. وبهذا اللحظ، التطرفُ الديني، فردياً أم جماعياً، مدعاةٌ لإنتاج جميع وسائل النفي وفرض رؤى الإقصاء، التي قد تنتهي إلى العنف والإرهاب، بمبررات دينية من أجل إرضاخ الآخر المختلف.

انطلاقا من هذه الرؤية جاءت أعمال الندوة التي أقامتها مؤسسة مؤمنون بلا حدود وضمت أخيرا أبحاثها في كتاب صدر بعنوان "فهم التطرف الديني.. الإيديولوجيا والعوامل الاجتماعية ومحاولات الخروج من التطرف".

وقد تناولت الأبحاث الأسئلة الأساسية لفهم ظاهرة التطرّف الديني: من هو المتطرف الديني؟ وما هي خصائصه الإيديولوجية والسوسيولوجية؟ وهل للتطرّف الديني شروط اجتماعية سياسية، أو شروط فكرية ومفاهيمية دينية؟ أو هما معاً؟ وما هي الشروط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تسهم في إنتاجه؟ وكيف يتحوّل التطرف الديني إلى عنف وإرهاب؟ وهل للتعليم الديني دور في التأسيس لمفاهيم التطرّف الديني؟ ما هي آليات الاستقطاب؟ وغيرها.

 

في بحثه المعنون بـ "في نقد النصوص التأسيسية للفكر الديني المتطرّف" رأى د. أحمد الطريبق أن كل السند المعتمد لدى السلفية الجهادية مبني على أحاديث الآحاد، وجلّها ضعيف وظنّي الثبوت، والمفروض ألا يُبنى عليها. أضف إلى ذلك أن مفاهيم الإجماع وأهل الحلّ والعقد وغيرها مفاهيم ليس لها سند، فتظلّ مبهمة وإشكالية، ومصدر كبير فتح الباب على "أحكام شرعية" لا تتماشى مع روح القرآن. وأغلب الأحاديث، التي استند عليها ابن تيمية أو الشربيني أو سيّد قطب أو قادة السلفيين الجهاديين، أحاديث ضعيفة لا يصحّ البناء عليها. وإذا كان "صحيح البخاري" قد نجح في ضبط بعض الأحاديث، فإنه في أكثرها ترك الباب مفتوحاً لغلاة السلفيين، في اتخاذ طريق متطرّف ومتشدّد في الأحكام بما يناقض النصّ القرآني. وهؤلاء هم المؤسسون للإسلام السياسي المتطرّف، وقد أوردنا هنا آراءهم وأحكامهم وانعكاساتها في السياسة.

 

وأضاف "حتى في النصوص القرآنية، اعتمد هؤلاء الجهاديون السلفيون على نزع السياق التاريخي عن الآيات في جلّ الحالات، وتعسّفوا في تأويلها في حالات أخرى. ولذلك، كلُّ أحكامهم في قضايا المرأة والجهاد والأغيار أحكام غير ملزمة؛ بل مضرّة للناس كما للدين. لهذا السبب، رأينا أن مصدر التطرّف الديني يكمن في صنف من الفقهاء السياسيين، الذين وجدوا في الأحاديث الضعيفة سنداً لأفكارهم السياسية المتطرّفة.

 

وشدد الطريبق إنّ كل التشدّد والتطرّف لديهم لا يمثّل الدين الإسلامي المتسامح، ونستنتج من كل ما سبق ذكره ما يأتي: أولا موقف الفكر السلفي من الاختلاف في الرأي: لا يستطيع هذا الفكر أن يتحمل الاختلاف، ولا البرهان العقلي. ثانيا النقل والعقل: لا يقبل السلفي إعمال العقل، ولا يرى إلا النقل. فالنقل عندهم هو الأصل، والعقل هو للتصديق فقط. ثالثا غياب مفهوم الزمان: لا يعترف العقل السلفي ببعد الزمان؛ فالنص عندهم صالح لكل زمان ومكان. ولذلك يستخرج من النص، الذي قيل بشأن حادثة في مكان ما ولأسباب ما، الأحكام نفسها في حادثة طرأت في القرن الحادي والعشرين. رابعا الشمولية: هذا النوع من الفكر، الذي لا يؤمن بالآخر والاختلاف، يوقع السلفيين في الشمولية الفكرية، فيذهبون إلى القول: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". فهي شمولية سياسية أساسها الاستبداد والطغيان.

وخلص الطريبق إلى أولا ليست سلطة الحاكمية عقداً اجتماعياً يشارك فيه البشر بإرادتهم الحرة وبملكة العقل لديهم؛ إنها تقوم على شرعية القوة، يختلط فيها الديني والسياسي. ثانيا إن المفاهيم المستعملة من طرف الحركة السلفية الجهادية، مثل شرع الله، وأهل الحلّ والعقد، وأهل الجماعة والسنّة والجهاد والحدود، مفاهيم لا إجماع عليها، ولا سند لها. ثالثا القول بوجود تعميم للإسلام كوني، عبر الغزو وجلب الغنيمة والفيء، هو قول ليس فيه سند. رابعا باستثناء النص القرآني، وما صرّح به الرسول من حديث موثوق، إن أيّ نصٍّ بشري قابل للنقد والردّ عليه. وليس هناك نقل أو عقل فوق النقد. خامسا يفترض التعايش مع باقي الشعوب والدول، والاعتراف بحقها في الوجود.

 

وجاءت دراسة د.إسماعيل النقاز الأستاذ المحاضر في أصول الفقه والفلسفة السياسية، جامعة وهران 2 "جدلية التطرّف الديني والسياسة شرعيةٌ وتمكينٌ حفريات في الخطاب الوهابي" لتتناول جنيالوجيا الخطاب الوهابي، وكتابات التأريخ في شروط اللحظة الميلادية لتأسيس هذا المذهب، وتحالفه الاستراتيجي مع مملكة ابن سعود؛ حيث شكّل هذا التحالف اجتماع الشرعية الدينية بالقوة السلطانية لتمكين السياسة والمذهب. وتقف على علاقة التوافق الديني والسياسي في إنتاج خطاب التطرف، الذي حاد عن كلّ مبرّرات ومسوّغات الاعتدال التي يقتضيها النصّ الديني في مطلقه المقاصدي؛ حيث جنح الخطاب الوهابي عن كلّ دواعي التعددية والتسامح وحقن الدماء التي تؤكّد عليها المقاصد القرآنية الحاكمة؛ لذلك نجد أن التحالف الديني والسياسي قدم صورة من الدعم المزدوج، بين إضفاء الشرعية على السلوك السياسي، وبين إضفاء التمكين والقوة للخطاب الشرعي المؤول في مدوّنة الوهابية".

 

وقال النقاز أن الخطاب الوهابي يتوسّل العملية التأويلية على منحى مزدوج في التعامل مع النصوص؛ فهو، من جهة، يلتزم بحرفية النص وظاهريته، متجاهلاً في ذلك السياق الدلالي، والمعاني العليا التي تحمل مقاصد النص؛ ومن جهة أخرى، يقوم بعمليات تأويلية إسقاطية للنصوص التي يختلف مقام وحال تشريعها بين البيئة المكانية والزمانية، فيتم استلاب النص المتعيّن في فضائه التشريعي، والقيام بتعميمه الدلالي على فضاءات أخرى.

 

ورأى الباحث المغربي د.محمد أوالطاهر في بحثه المعنون بـ " الالتزام الديني والتطرّف السلوكي لدى الشباب السلفي مسار الانتقال من الهوية الهشّة إلى الهوية الصلبة" أن التطرّف السلوكي والبعد الفردي للتدين السلفي وجهان لعملة واحدة، وسؤال الهوية الفردية مرتبط أيّما ارتباط بالالتزام الشخصي للفرد . سؤال الهوية هذا مرتبط ببحث عن المعنى، وغالباً ما ينجلي هذا البحث في لحظات اللايقين التي تتولّد لدى الفرد خلال مراحل معينة في حياته .

وأكد إن التزام الفرد السلفي هو التزام مرتبط بالتأثير الذي قد يُحدثه في حياته من خلال خلق فرصة للحديث عن تجربته الشخصية، والتعبير عن استقلاليّته وفرديته على المستوى العمومي، وذلك في إطارٍ مشروعٍ دينياً بعدما كان في الماضي يندرج ضمن إطار غير مرغوب فيه اجتماعياً .

 

وقال أوالطاهر "ليس التطرّف السلوكي نتيجةً للتديّن السلفي قطعاً؛ بل يتولّد عن البعد الفردي والاستقلالي للفرد، الذي يبحث إمّا عن التعبير عنه، وإمّا عن اكتسابه دينياً. ونقف هاهنا على نمطين من الفردنة: نمط الفردنة المتاحة والمراد ترجمتها، ونمط الفردنة المرغوب في اكتسابها. النمط الأوّل يتعلّق بتأكيد الذات لدى الفرد، وإضفاء طابع الشرعية الدينية على البعد الفردي والاستقلالي الذي كان يتمتّع به في الماضي. ويكون التـغيـيـر السلوكي جذرياً بالمقارنـة مع النمـط الثـاني. على الرغم من أن الجميع يحترمني ويقدرني، إلا أن نظرتهم إليَّ تنمّ عن حكم قيمة يَعدّ ما أقوم به هامشياً، وغير معترف به اجتماعياً، وقد كان هذا يؤثّر فيّ كثيراً» (ي. «ذكر»، 30سنة، متزوّج). أمّا بخصوص النمط الثاني، فهو يتعلق بالرغبة في تحقيق الذات، وليس تأكيدها من خلال نزع الاعتراف والاحترام من الآخر. ويكون التطرّف السلوكي لدى هذه الفئة تطرّفاً أقلّ حدة وتشدّداً من الفئة التي تترجم هوية الماضي في الحاضر، ولا تعمل على القطع معها من هذا المنظور الذي نتحدث عنه، وهو البعد الفردي والاستقلالي لتجربة الماضي. "لقد أصبح الناس يحترمونني ويقدرونني بعد التزامي؛ بل أصبحت أسرتي تأخذ رأيي في الاعتبار وتستشيرني في عدّة أمور، وهذا خلق عندي ثقة بنفسي". "ر. "ذكر"، 26 سنة، متزوّج".

وخلص إلى إنّ الهوية الشاملة، التي تميّز التدين السلفي، والتي ترنو إلى تنظيم جميع مناحي الحياة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأسرية والثقافية، تركّز أساساً على ما هو ظاهري ومرئي: الجسد واللباس؛ حيث يتمّ من خلالهما التعبير عن هوية الأفراد، سواء الهوية المتاحة، أم الهوية المرغوب فيها.

 

وفي بحثه "تحوّل عن التحوّلات... دراسة مفاهيمية لتجربة الجماعة الإسلامية مصر" رأى الباحث ماهر فرغلي أنّ هناك بعداً استراتيجياً منهجياً كان يخطّط له القيادات المؤسّسون للجماعة الإسلامية في مصر، وهو تحويل الجماعة إلى خطٍّ عامّ دعوي فحسب. وفهم ذلك مجموعة أخرى، على رأسهم عصام الدين دربالة، فقفزوا على قمّة هرم التنظيم، ونجحوا في إبعاد الجميع، ليحدث الانقلاب على تلك المراجعات المحدودة التكتيكية غير المنهجية الشاملة.

وأشار إلى إنّ صقور الجماعة القطبيين هم الرافضون للنهج الإصلاحي التكاملي، وقد اختلفا معاً على خيار المفاصلة مع الدولة والمؤسسات، وأصرّوا على مسار أحاديّ استعلائي، وأقصوا الإصلاحيين، مستغلّين وقت الثورة، وعلى الرغم من إبعاد قادة النهج الإصلاحي، مازال صراع الأجنحة داخل الجماعة، على خلفية التطوّرات والمستجدات على الأرض، قائماً، وهذا كشف عن تباين حادٍّ بين قيم تريد العمل من خلال الدولة، وأخرى تريد التغيير الفوقي للسلطة.

 

وخلص فرغلي إلى أن الجماعة فقدت أغلب عناصر قوتها، وهي: التمويل، والقدرة على حشد الجماهير؛ لذا عادت لتبحث عن الفكرة المميزة القديمة لها، فوقع الخلل؛ إذ إنها تصرّ على أنها لا تزال مستمرة على نهج مبادرة وقف العنف، في الوقت الذي تطرح فيه على الأرض إيديولوجيا أخرى، فالصورة مختلفة، إلا أنّ الأرضية القديمة كما هي. وإن تحولات مبادرة وقف العنف لم تكن كافية، وكانت تكتيكية إلى حدٍّ كبير؛ لأنها غفلت عن مسائل مهمّة، وهي وضع تصحيح لمفهوم تكفير الحاكم والخروج عليه، وأحكام الديار... إلخ، ما أدّى إلى تراجعها فور الدخول في اختبار الثورة، وتفسّخ النظام الذي كان يشرف عليها في السجون. وحتى في طرح عاصم عبد الماجد الجديد لا تغيير كثيراً، والدليل أنه لم يراجع موقف الجماعة من الدولة، وموقع الدولة من الأمّة، ولا مراجعات أيضاً حقيقية، ولا تحوّلات فارقة؛ بل هي فحسب محاولة للظهور، ومراجعاته ليست تطوراً في الحسابات التقليدية لفكر قيادي تاريخي في التنظيم، ودليلاً على نضجه، لكنّها تعكس الفشل الحالي بعد الثورة في كلّ هذه التنظيمات، في الجاهزية والعمل والهيكلة والاستراتيجيات العامة.