بات واضحا لكل ذى عينين أن حملة التحالف الدولى ضد تنظيم داعش لم تسفر عن آية نتائج إيجابية تؤدى إلى اجتثاثه كأداة إرهاب ضد دول المنطقة والعالم. بل على العكس ازداد التنظيم قوة وشرع فى توسيع امتداداته لبسط سيطرته على مساحات واسعة فى كل من سوريا والعراق. أى أن الغارات الجوية التى يضطلع بها التحالف الذى تقوده أمريكا ظهر عديم الجدوى، فما كان من الممكن الرهان على الجو وحده للقضاء على التنظيم ودحره.وإنما كان يتعين بالتوازى مع الغارات الجوية وجود عمليات على الأرض من خلال قوات برية تكون ملمة بتفاصيل المناطق الجغرافية، وتتحرك تبعا لها كى تحرز النتائج المرجوة. ولعل مايدعم هذا ماردده مسئولون أمريكيون وأوروبيون من أن مجابهة داعش قد تستغرق عدة سنوات إن لم يكن عقدا كاملا. وعلى هذا سيستمر تنظيم داعش فى عملياته الإجرامية من أجل ترويع الجميع وسيستمر فى قطع الرؤوس وجز الرقاب وارتكاب انتهاكات دموية بحق الأقليات.
ولاشك بأن هذا التحالف الدولى قد أخطأ عندما استثنى سوريا من التنسيق معها فى حربه ضد داعش. وكان يتعين عليه لو كان جادا فى حملته تلك أن ينسق معها حتى تحقق الغارات الجوية الهدف الذى تتطلع إليه ألا وهو اجتثاث هذا التنظيم الإرهابى الظلامى.والسؤال الذى يعن للمرء هنا هو هل غاب عن أمريكا ومن تحالف معها أن الضربات التى توجهها طائراتها ضد داعش على الأراضى السورية يمثل خرقا لسيادة سوريا وانتهاكا لأجوائها وأراضيها حيث لم يتم مسبقا التنسيق معها، وبالتالى فإن هذه الغارات غير شرعية وغير قانونية؟ ومن ثم كانت كل هذه العمليات حربا بلا جدوى.
ولعل ماتفعله أمريكا التى تقود التحالف يكاد يجزم بأنها غير جادة فى تحركاتها، وهو ماينم عن أنها لاتبغى القضاء على داعش لأنه فى الأساس صناعة أمريكية ظهر فى أعقاب غزو الولايات المتحدة للعراق فى 2003 ، فالغزو هو الذى أوجد التربة الخصبة التى مهدت لبداية تشكيله فى عام 2006. وبالتالى فهو الأداة التى تطوعها إدارة أوباما اليوم لتنفيذ أجندتها الرامية إلى إشاعة الفوضى فى المنطقة توطئة لتفتيت دولها وتجزئتها بما يصب فى صالح أمريكا وحليفتها إسرائيل، ولقد شهد شاهد من أهلها عندما وثقت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة"هيلارى كلينتون" هذه الحقيقة فى كتابها الجديد" خيارات صعبة" وفيه تقول:(إننا نحن الذين شكلنا داعش لتحقيق نوايا أمريكا فى المنطقة).
لو أن أمريكا أنصفت لسارعت بعقد اتصالات مع النظام السورى وعدم الإنصات للأصوات التى طالبت بالإطاحة بالرئيس الأسد الذى قال مؤخرا فى حديث لمجلة "بارى ماتش" الفرنسية:( لايمكن لرئيس أن يأتى عبر الفوضى ولا أن يذهب عبر الفوضى. والدليل على صحة هذا الكلام هو ماوصلت إليه السياسة الفرنسية فى ليبيا عبر الهجوم على " القذافى" وهو ما أثمر الفوضى بعد رحيله وبالتالى لم يكن رحيله هو الحل).وصدق بشار فيما قاله فليبيبا لم تتحسن فيها الأوضاع بعد رحيل القذافى، وإنما تحولت إلى مرتع للفوضى، وباتت مستنقعا للميليشيات المتحاربة. لقد كان الرئيس"بشار" على حق عندما قال:( الدولة كالسفينة عندما تكون هناك عاصفة يجب على الربان ألا يهرب ويترك السفينة. وحتى إذا قرر الركاب الخروج منها يتعين على الربان أن يكون آخر من يخرج).
ولا يفوتنا هنا إلا أن نسلط الضوء على تركيا والدور القذر الذى لعبته بالنسبة لتنظيم داعش فى محاولة خسيسة منها للنيل من الدولة السورية وإسقاطها، فهى التى دعمت داعش لوجستيا ومكنته من الحصول على المزيد من الأسلحة، وسهلت عبور عناصره عبر حدودها إلى سوريا، فلقد راهن" أردوغان" على هذا التنظيم الإرهابى ليكون أداته الفاعلة فى إسقاط النظام السورى. ولهذا رفض أن يشارك فى التحالف الدولى ضد داعش، وشرع فى طرح شروطه ويتصدرها إنشاء منطقة حظر للطيران فى سوريا توطئة لإسقـــاط النظام، لأنــــه وفق رؤيته المريضة هو الذى يشكل خطـــرا أكبر على المنطقة من داعــش. ومن ثم مضى يمارس الضغوط على أمريكا من أجل القبـــول بشروطه وأولها الإطاحة بالنظام السورى.
مايحدث من تحركات على أرض الواقع يثبت عدم جدوى الغارات الجوية التى تقوم بها أمريكا فوق سوريا تحت ذريعة مجابهة داعش، فهى لن تتمخض عن أية نتائج إيجابية فى النهاية.فالعمل العسكرى على الأرض هو الذى يكون معه الحسم. أما هذه الغارات الجوية فهى أقرب ماتكون إلى العبث واللعب على عنصر الوقت ليس إلا. أو بالأحرى ليست سوى جعجعة بلا طحن..…
كتبت : سناء السعيد