السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

حديث النفس.. في امتحان الحياة

  • 14-8-2021 | 12:33
طباعة

ليست العبرة بعدد مرات دخول الامتحان فقد تدخل الامتحان وترسب.. وقد تستنفد مرات الرسوب.. وقد تحقق النجاح من أول مرة أو بعد عدد من المرات.. المهم فى النهاية أن يكون النجاح حليفك.. وقد ينتهى عمرك ولا تحققه، إما لأنك ضللت الطريق ولم تنتبه لتصحيح مسارك أو لأنك وصلت لنقطة اللاعودة.. فليس بمقدور كل واحد منا أن يبدأ من جديد فقد تصبح النتائج بالنسبة له غير ذات قيمة فتكون صفرية!!

البدايات دائما ما تحتاج لقوة إرادة نحتاج معها لإعادة شحن، فهى مهارة لا تتوافر لدى الكثيرين.. فكل تجربة تأخذ من جهدنا الكثير والكثير.. صحيح نكتسب الخبرة لكن على حساب أحاسيسنا، ومشاعرنا وقوة احتمالنا فقد يتجاوز البعض مرارة التجربة ويخرج منها قويا، وقد تهلكه وتقضى عليه أو تصيبه بالضعف الذى يستمر معه حتى آخر العمر.. فلسنا كلنا نتقبل معارك الحياة بنفس التحمل والجلد.. البعض يجزع وقد يتجاوز.. والآخر تهزمه.. وثالث يصاب بالإحباط والرعب، فيبتعد عن المعارك حتى يقضى أجله ويعيش بمنطق «من خاف سلم».

ويظل الشخص المقاتل هو النموذج القليل بيننا فكلما نجح فى معركة تجاوزها منتصرا أو غير عابئ بهزيمته.. لينتقل لأخرى بمزيد من الخبرة التى تجعله يعيش حياته فى سلسلة من القفزات المتتالية.. فيصل به الأمر من الاحتراف حتى انه يبحث عن المعارك لينتصر فيها ليشعر بذاته وتفوقه، لكن هؤلاء من القلة بيننا ما يجعلهم المميزين الناجحين ولسان حالهم «ياما دقت على الرأس طبول».

كلنا نراقب بعضنا فى هذه الحياة أكثر من مراقبتنا لأنفسنا لدرجة أننا نتلصص على بعضنا البعض، فلا يوجد إنسان لا يقارن بين نفسه والآخرين.. بداية من أشد المقربين له وصولا لأناس لا يعرفهم.

هذا أمر إنسانى موجود حتى فى الأسرة الواحدة.. بين الزوجة والزوجة والإخوة والجيران وزملاء الدراسة والعمل.. ويظل الإنسان يعقد المقارنات ويتحسس أخبار من حوله حتى وإن تظاهر بعكس ذلك، فيتراوح الأمر ما بين شخص يسعد بنجاح الآخرين ويشقى لشقائهم وآخر يكره هذا النجاح لغيره ويتمناه لنفسه فقط.

ونعيش فى سلسلة من المقارنات فى مشاهدة تجارب الآخرين حتى إنها لتصل لمرحلة الهواية المفضلة لدى البعض!!

ولا تصدق أن هناك أى شخص لا يهتم بمن حوله مهما بلغ من المثالية، وإلا فمن أين يأتى الرضا أو النقم.. فتجاربنا عبرات لبعضنا البعض، ولكن العاقل وحده من يبدأ من حيث انتهى الآخرون.

فلا يجوز لشخص واع أن يكرر أخطاء الآخرين أو حتى أخطائه فدائما تأتى العبرة من التاريخ الذى يشكل العديد من الخبرات.

ولكن كالعادة لسنا كلنا نفعل ذلك فمنا الغبى الذى يكرر نفس أخطائه أو حتى أخطاء الآخرين!! فهذا النموذج موجود بيننا.. أو قد نفعل ذلك فى بعض التجارب فنكرر فى بعضها نفس الأخطاء ونتعلم من أخرى حسب قدرات الشخص ومهاراته الفعلية وديناميكية تعامله مع الأحداث، لدرجة أنه من شدة نمطية سلوكيات بعض الأشخاص تستطيع أن تتوقع رد فعلها وسلوكها إزاء بعض التصرفات، وهؤلاء لا يمثلون فى العادة خصما قويا فى الحياة.

وهناك من الأشخاص الذين يتعلمون دروس الحياة جيدا فهم التلامذة النابهون، بل يتفوقون على أنفسهم حتى إنهم من الممكن أن يغيروا مجرى الأحداث فكل ما يأتى منهم غير متوقع.. فهذا النوع من الخصوم الشرسة الذين تغلبوا فعلا على مصاعب الحياة.

تتساءل هل نعيش معارك مع بعضنا البعض.. خصوم وأحلاف؟! الحقيقة أن الندرة فى موارد الحياة هى ما خلقت هذه المعارك فدائما ما نتنافس فى الحصول على شىء يتميز بالندرة ونريد جميعا أن نحقق المرتبة الأولى أو على الأقل الأغلب منا، وقد يرضى البعض بالدرجات المتدنية وقد ينتظر ما تبقى من الآخرين حتى وان لم يتبقى له شىء على الإطلاق!!

وتجد النوع الأخير من الخمول بأن يرضى بأى شىء حتى انه يحيا حياته وكأنه يقضى أياما كارها لهذه الدنيا ولديه من الطاقة السلبية التى قد تكون معدية ما تؤثر فى البيئة التى يحيا فيها فيجعلها جامدة لا حراك فيها.. فإذا قابلت هذا النوع فعليك الابتعاد عنه لأنه لا يملك الرغبة فى الحياة التى أتصور أنها لابد وأن تكون مليئة بالتنوع والتفرد فى كل شىء.. فى ألوانها وشخوصها حتى فى رائحتها.. وإلا كانت حياة رتيبة مملة فلاشىء ساكن غير الموت الذى لا حراك ولا صوت له.

أما محبو الحياة فهم خلقوا ليحيوها.. تجدهم يملأون الدنيا بهجة وحتى فى شجونهم وحزنهم يتكلمون ويصرخون ويجعلونك تشترك معهم.. فهم خلقوا ليعيشوا فى جماعة يؤثرون فيها بشكل واضح حتى وإن خرجوا منها يتركون فراغا لا ينكره أحد.

فالحياة فرضت علينا قانونا وناموسا.. من أراد العيش فيها عليه أن يخوض امتحانها معاندا مغامرا.

فلا تخشى من المغامرة على اعتبار أنها تحتمل المكسب والخسارة.. ليظل لك فى الحياة رهان فقد يكون خاسرا أو كاسبا.. فليس بالضرورة أن تكون صائبا دائما، لكن من الغباء أن يكون رهانك دائما خاسرا.. فيعنى ذلك انك تراهن على حياتك كلها.. فاجعل رهانك على مجموعات من الضوابط التى تخضع لعمليات حسابية فمن الغباء أن تراهن على شخص أو وضع معين فقد يتغير فى أى وقت. فالتغيير وارد أكثر من الثبات لذلك يجب أن تكون من اليقظة ما يجعلك تصوب حساباتك مع ثباتك على المبادئ القويمة.

 فقد تراهن على شخص تمنحه حياتك ويخذلك ويجنى ثمار تضحيتك.

فهناك من يراهن على شخص ويقدم له من التضحيات ويبذل أغلى وأثمن ما يملك، فيقدم نفسه وقودا لمعركة غيره.

فلا تكن انتحاريا تعيش حياتك من أجل غيرك ولا أقول ألا تعطى للآخرين، لكن ليكن عطاؤك فى صورة بعض التنازلات.. فتقدم بعضا غير مؤثر من وقود حياتك لمن تحب.. ولكن لا تعطى شمعة حياتك لتنير بها لغيرك.

فلكل إنسان معركته التى يحاسب عليها فلا يكون البذل والعطاء على حساب حياتك حتى لا يكون رهانك خاسرا فمن منا لا يتغير فيتحول الأمر إلى ندم وحسرة.

ومنا من يحيا حياته لا يرى إلا نفسه ويجعلها شرطا لكل علاقاته ليخوض امتحان الحياة بجهد الآخرين، فإذا كان صاحب الكلمة العليا فى علاقاته غالبا ما ينجح ويحصل على ما يريد ولكنه حصل عليه بالابتزاز ولكنه فى العادة لا يهمه كيف حصل على ما يريد.

ومنا من يحيا تجربته مثل القرد الذى يحلو له أن يتنطط بين الأشجار ليحصل على ما يريد فتصبح يده طويلة مثله ليأخذ ماله وما لغيره.. ويطور من حالته فيتحول التنطيط إلى رقص على الحبال والسلالم وجثث الموتي، وعلى الرغم أن القرد حيوان يعشق تقليد الإنسان إلا أن الإنسان وجبروته استغله فى التسول.. واستغل الشبه الفسيولوجى بان أصبح ضحية الأطباء فى معاملهم.. وإذا كان القرد يأكل الموز والفول السوداني، فالإنسان يأكل كل هذا وقد يأكل مال اليتيم.. وإذا كان القرد يشعر ويحس ويبكى على فراق وليفه، فالإنسان يؤمن بأن الحى ابقى من الميت.. وإذا كان القرد واضحا لا يكذب فالإنسان يكذب وينصب.. وإذا كان القرد يحب ويتزوج ويغار على وليفه فالإنسان يحب ويكره ويتزوج ويطلق ويهجر ويخون.. وإذا كان القرد يعيش فى الغابة.. فالإنسان يعيش فى حياة حولها لغابة!!

وعلى الرغم من ذكاء القرد فهو حكيم الغابة الذى تغلب على الأسد.. لكن الإنسان كرمه المولى عز وجل وسخر له الكون ليقوم برسالة سامية.. فلا تقلد القرود فتسلك سلوكها فتسقط من على الأشجار، لتكن معركتك فى الحياة على قدر تكريم الله لك.

وإذا كنا مرغمين فى معارك الحياة فامتحانك فى الحياة هو معركتك، وطريقة أدائك له هو امتحانك الحقيقى.. فلا تسلك طرقا مشوهة لتحصل على نتائج جيدة.. فالعبرة بالطريق وليس بالنتيجة فلتخسر معركة ولا تخسر نفسك فلن تستطيع أن تهرب منها إذا ما أسأت إليها.. فالرسوب والنجاح لنفسك أولا، فقد تتفوق على شرورك وتسمو بها.. وقد تهزمها وترسب فى امتحان الحياة.

فلا تنس أن بعد الحياة الدنيا حياة أبدية فلا تخسر الاثنتين معا.

الاكثر قراءة