دائماً ما يطل علينا السيد الرئيس تقريباً بشكل أسبوعي بخلاف ما يقوم به من التزامات وإنجازات على مدار كل أسبوع، ففي الوقت الذي نشتاق فيه نحن لبلوغ نهاية الأسبوع والارتياح بين جنبات بيوتنا أو السفر لأي من المصايف هروباً من حرارة أغسطس، يخرج علينا السيد الرئيس بافتتاحه مزيداً من المشروعات المتعلقة بمشروع القرن "مبادرة حياة كريمة" التي تم إطلاق المرحلة الأولى منها في يناير 2019، وذلك في إطار سعي الدولة لمواصلة الجهود لإتاحة الاستثمارات اللازمة لتحسين جودة الحياة للمواطنين.
ومن هنا تشرق مبادرة "حياة كريمة" لتعيد لمصر كرامتها المعلقة منذ سنين، حيث قامت الأمم المتحدة بإدراجها على منصتها كأكثر المشروعات التي تدعم أهداف التنمية المستدامة للمجتمع (17 هدفاً كاملين تم الاتفاق عليهم أممياً عام 2015 ما بين القضاء على الفقر، والقضاء التام على الجوع، والصحة الجيدة والرفاهية، والتعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين، والطاقة النظيفة، والعمل اللائق ونمو الاقتصاد، إلى آخره) باعتباره مشروعاً قومياً يخدم 55 مليون مواطن مصري، وكما قال سيادته في إحدى اللقاءات أنه كان يحلم منذ فترة شبابه بأن يرزقه الله ما يمكنه من إصلاح حال معيشة المواطن بما يضمن له الكرامة الإنسانية ويعيد لمصر صورتها الحضارية كما كانت على مر التاريخ، فنحن المصريون نرى المعجزة وقد تحققت على يده وبجهود الآلاف من الشباب المصري المتطوع عظيم الإرادة والسعي للمساعدة في خلق مجتمع أفضل لغيرهم.
حيث تم تقسيم القرى الأكثر احتياجاً والمستهدفة وفقاً لبيانات ومسوح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالتنسيق مع الوزارات والهيئات المعنية، وتهدف المبادرة بإتمام مشروعاتها لرفع المستوى المعيشي لأكثر من 4500 قرية مصرية تعدت نسبة الفقر فيهم 50%، وتستهدف الأسر الأكثر احتياجاً في القرى والمراكز المستهدفة، والشباب القادر على العمل، والأيتام والأطفال، وكبار السن، والنساء المُعيلات والمطلقات، والأشخاص ذوي الهمم، والمتطوعين (وفقاً لما جاء بموقع المبادرة على الإنترنت).
وهو الأمر الذي يدعو في نفس الوقت للتأمل والوقوف من قبل الباحثين والدارسين لكل علماء النفس والاجتماع والاتصال ومن قبلهم رجال الدين، ففي الوقت الذي تقوم به الدولة بقوة وتدفق تصارع بهما الزمان للحاق بركب التفوق العالمي، نجد التغول السكاني في نسبة المواليد الذي يعتبر العائق الأول للشعور بعوائد كل تلك المشروعات التي تدخل في نطاق حيز الإعجاز، ومع ذلك تلتهمها تلك الزيادة السكانية المفزعة والمطردة.
فلك أن تتخيل عزيزي المواطن أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي يسجل الساعة السكانية لحظة بلحظة وتظهر على شاشته الضخمة المعلقة أعلى مبناه في شارع صلاح سالم، وكذا على موقعه على الإنترنت، قد قام بتسجيل 22 ألف مولود زيادة خلال الأسبوع التالي لبلوغ التعداد السكاني لرقم الـ100 مليون، وذلك في فبراير 2020.
تلك القضية الشائكة والحساسة التي يفرد لها مساحات ومساحات من المناقشة وتسجيل الواقع البائس لانعدام الوعي لكثير من المواطنين الذين سقطوا فريسة الدعوات الدينية التي مارستها الجماعة المحظورة وأتباعها من منعدمي الدين لسنين طويلة، خلال فترات غياب كاملة للدولة عن التواصل مع تلك الطبقات البسيطة من الجمع الأكبر للمجتمع، فجاءت كل الدعوات تحض على التناسل والتكاثر بدعوى الرزق على الله والتباهي بالنسل (الضعيف الهزيل الفقير)، فالفقر لا يأتي إلا بالفقر، والضعيف لا يخرج من نسله إلا ضعيف مثله، اللهم إلا نوادر الزمان من الذين أراد لهم الخالق النجاة من بين براثن الفقر والهلاك.
فإذا كانت تلك المقولة المثيرة للحنق التي تواترتها الأجيال من جموع المصريين حتى في بعض الأسر المتعلمة متوسطة الحال (العيل بييجي برزقه) قد قامت بأداء نفس دور آلة الحرب العسكرية البشعة التي تشيح بالأرواح فترمل زوجات وتيتم أطفالاً وتجعل المجتمعات فريسة سهلة للفقر المدقع، فإذا كان العيل بييجي برزقه كما يقولون، فلماذا تقومون باستعراض أعداد أبنائكم على شاشات التليفزيون وغيرها على سبيل الابتزاز المجتمعي، وكأنه مزاد تُعرَض فيه الأعداد الأكثر إنجاباً، ويُدفّع فيها كلما زادت أرقامها المعتادة، وزادت معها لغة مخاطبة العاطفة في استعراضها، والجائرة لمن زاد فيها على الآخر.
أين العقل في التنافس على إنجاب أجيالاً لا تقوى على التحصن بالمقومات المعيشية الأساسية التي تحصنها وتؤمن ظهورها، حتى تقوى على مواجهة الحياة الصعبة متسارعة التحديات!! أين الحكمة في إلقاء مسؤولية الأبناء على المجتمع والدولة لتتولى إصلاح ما أفسده الأهل بجهلهم وانعدام تدينهم الحقيقي!! بل أين الدين في الإتيان بأجيال لا تتوارى عن ارتكاب كل الشرور ما بين جريمة وسلوكيات نكرة نتيجة عدم التعليم والتنشئة في مجتمعات تشبعت بكل مقومات العنف ومفاهيم الفهلوة!!
سيدي الرئيس، دولتي المصونة، حكومتنا التي تحترق يومياً من أجل الوصول بالأمة المصرية إلى بر الأمان في ظل تحديات جَمّة لا يقوى على مواجهتها إلا الرجال الحق، نُقَدّر تماماً ما تقومون به على مدار الدقيقة الواحدة منذ توليكم جميعاً المسؤولية الضخمة، ونسعد بكل الإنجازات التي تُنسَب للدولة المصرية ونفخر بها أمام باقي الأمم، ويستفيد بها قطاعات كبيرة من المجتمع، خاصة من تلك التي تعمل على إذابة الفجوات الاجتماعية والتعليمية التي حدثت بفعل الزمن الماضي، ونفرح لفرح كل أهالينا في القرى والكفور والنجوع من الذين أشرقت عليهم أنوار مبادرة "حياة كريمة" وانتشلتهم من بين براثن حياة الموت التي نالت من كرامتهم لسنوات.
ولكننا نأمل الرأفة بالقطاع الآخر من المجتمع، الشعب الآخر الذي تم الاستقطاع من قوته اليومي في هيئة تحريك أسعار أو رفع أسعار الدعم أو خلافه، نحن من المتمسكين بقواعد العقل التي لا تبالغ في نِسَب الإنجاب، نحن الذي ننفق على من دخلنا وأرواحنا وجهدنا وعرقنا على أهالينا من الجاهلين بقواعد الحكمة الإنجابية، نحن المضرورون على طول الطريق.
لكم نتمنى من الدولة تبني مسؤوليتها بالتوجيه الصارم بالحد من الإنجاب بتلك الأرقام المفزعة، التي لطالما تم ابتزازنا بها، بحيث يتم توجيه كل ما تقوم الدولة بتوفيره من مخصصات وتوجيهه في هيئة دعم "لمستحقيه الفعليين" من الأسر التي قوامها لا يزيد على فردين أو ثلاثة على أقصى تقدير.
وخلاف ذلك، فعلى المتضررين، الاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه أبنائهم بالتربية والتعليم والإنفاق المباشر دون طلب العون من المجتمع أو الدولة.