الأربعاء 15 مايو 2024

مر وحلو في حياة «شحات الغرام».. محمد فوزي سابق عصره

محمد فوزي

فن15-8-2021 | 09:29

محمد أبو زيد

سابق عصره، وأحد أهم المجددين في الموسيقى، وصاحب الصوت العذب،  صنع المجد والشهرة وتربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية ودخل قلوب محبيه بلا استئذان، هو الشاب الريفي الذي غير مجرى الموسيقى بعبقريته وتفرده بين أبناء جيله، فنان شامل نجح في الغناء والتلحين والتمثيل، خفيف الظل الذي وقف أمامه أبرز نجمات السينما، هو الذي غنى لـ فاتن حمامة "اللي يهواك أهواه" بينما هو "شحات الغرام" الذي يستعطف ليلي مراد أن تلقي له نظرة أو ابتسامة هو المبهج العبقري الفنان محمد فوزي. 

مال القمر ماله ماجيناش على باله مال القمر ماله ..هو اللي متربي ع العز ياربي يعمل كده فيا

واشوفه اندهله واسوق على اهله بِِالألف والميه 

ولد محمد فوزي عبد العال في 15 أغسطس 1918 بقرية كفر الجندي في طنطا، لأب فلاحا، حرص علي تعليم أبناءه تعليمًا دينيًا، وحفظ القرآن الكريم، كان "فـوزي أكبر أشقائه الخمسة من بينهما هند علام وهدى سلطان، درس بالمرحلة الابتدائية في مدرسة طنطا،ولم يك يواصل تعليمه، بعد أن خطفتها نداهة الفن والغناء وبات يتردد علي موالد طنطا، ومن بوابة "فرقة طنطا الموسيقية" تعلم أصول الموسيقى العربية وتتلمذ على يد عضو يدعى محمد الخربتلي، الذي كان يعمل في نفس الوقت جندي بالمطافئ، يذهب معه من الأفراح إلي مولد السيد البدوي أشهر موالد طنطا، حتى أتخذ قراره بالنزوح إلي القاهرة بحثًا عن الشهرة، وهو ما قابله غضب شديد ومعارضة من والده الفلاح البسيط الذ يرفض أن يمتهن أحد أبناءه الفن. 

حزم فـوزي حقائبه وسافر إلى القاهرة في 1938، ليلتحق بفرقة بديعة مصابني، تعرف في طريقه على محمد عبد المطلب وفريد الأطرش، ومحمود الشريف الذي شجعه على دخول امتحان الإذاعة  لكنه نجح  كملحن ورسب كمطرب، لم يتسلل اليأس إلي نفسه وبات حلم الغناء يراوده أينما ذهب، تعاقد مع الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى ليقوم بالتمثيل والغناء في مسرحية "شهرزاد" لسيد درويش، وليعيد إحياء أعماله ولكن لم يصادفه النجاح في العرض الأول.

ليَ عشم وياك يا جميل..إن بحت بالسر تصونه
مكتوب عليَ احب واميل..وحبيبي واحشاني عيونه

انطلق للعمل بفرقة فاطمة رشدي لفترة وكان لها الفضل وزوجها المخرج الكبير عزيز عيد، في اكتشاف موهبته كملحن، كان يعمل في الفرق بالتزامن مع دراسته بمعهد الموسيقى العربية، حتى جاءته الفرصة التي كانت نقطة تحول في حياته عندما إختاره الفنان يوسف وهبي في دور صغير في فيلم "سيف الجلاد"، واختار له أسم محمد فوزي،  وبعده في أول بطولة مطلقة في  فيلم "أصحاب السعادة" للمخرج محمد كريم ونجح الفيلم نجاحا كبيرا وبهده فيلم "قبلة في لبنان" للمخرج احمد بدر خان ليقترب من حلمه. 

تعب الهوى قلبي والحلو مش داري.. ولأمتى هنخبي على بعض ونداري
حبينا ودارينا وليلنا بيطول.. ياريت ما خبينا على بعض م الأول

فتحت له السينما ذراعيها وقدم العديد من الأفلام الغنائية والاستعراضية وكان أكثر المطربين مشاركة في السينما، إذ بلغ رصيده 36 فيلما أبرزها "بنات حواء، فاطمة وماريكا وراشيل، ورد الغرام، دايما معاك، ليلى بنت الشاطئ، حب وجنون، العقل في أجازة، كل دقة في قلبي، ثورة المدينة"، كان "فـوزي" في أفلامه يخرج، ويلحن ويغني ويؤدي جميع الأدوار الرومانسية والتراجيدية والكوميدية معتمدا علي خفة ظله، ووقفت أمامه أجمل نجمات السينما "شادية، فاتن حمامة، صباح، سامية جمال، فايزة أحمد، ليلى مراد".

بالتزامن مع نجاحه في السينما أسس شركة إنتاج سينمائية تحمل اسمه في 1947، هو أول فنان ينتج أفلام ملونة من خلال فيلمي "الحب في خطر" مع صباح، و"نهاية قصة" مع مديحة يسري في 1951، وخسر ماديا خسارة كبيرة، وقام بالاشتراك مع السيناريست علي الزرقاني في تأليف فيلم "من أين لك هذا" 1952، بعد شهرة فوزي اعترفت به الإذاعة كملحن ومطرب واعتمدته بعد أن غنى نفس الأغنية التي رفضتها وهي "كلمني .. طمني". 

طير بينا يا قلبي ولا تقوليش السكة منين
ده حبيبي معايا ما تسألنيش رايحين على فين

نهاية الخمسينيات، أسس "فــوزي" بكل ما يملك شركة لإنتاج الأسطوانات الفنية وهي "مصر فون"، كأول شركة للأسطوانات فى الشرق الأوسط، إذ كانت صناعة وإنتاج أسطوانات الموسيقى حكر على الأجانب،  وافتتح الشركة الدكتور عزيز صدقي وزير الصناعة في 30 يوليو 1958، وكانت الشركة توفر العملة الصعبة،إذ  كانت الأسطوانة تستورد بجنيه وتستوعب أغنية واحدة بينما في شركة "مصر فون" كانت تنتج بتكلفة أقل وتستوعب أغنيتين، أنتجت الشركة أغاني أم كلثوم ونجاة. 

كان فـوزي سابق عصره في الألحان وأختياره للأغاني التي مازالت تعيش حتى الآن "ماله القمر ماله، حبيبي وعنيا، اللي يهواك أهواه، يا جميل ياللي هنا، يا جارحة القلب بعيونك، ليا عشم وياك يا جميل، تعب الهوى قلبي، شحات الغرام، طير بينا يا قلبي"، لم ينس الأطفال وغنى لهما أغاني خلدت ذكراه  حتى بعد رحيله وهي "ماما زمانها جاية"، الأغنية الأشهر التي كتبها حسين السيد، وغناها فوزي ضمن أحداث فيلم "معجزة من السماء" 1965، وأغنية "ذهب الليل" التي نالت نفس الشهرة، وتعد من أول الأغانى المصورة في التلفزيون المصري وكتب كلماتها أيضا حسين السيد.


حيرني الشوق الشوق سهرني الشوق الشوق

 ليه بس ياقلبي تبص لفوق 

 بلغ رصيد "فوزي" 400 أغنية،  وهو صاحب لحن النشيد الوطني للجزائر "قسمًا" كما لحن للعديد من مطربي الزمن الجميل أبرزهم محمد عبد المطلب وليلى مراد، نجاح سلام، وشقيقته هدى سلطان.

 تزوج محمد فوزي 3 مرات، الأولى في 1942 من جارته السيدة هداية يوسف،  وأنجب "محمد، سمير، منير" وانفصل عنها بعد 6 سنوات، ثم تزوج من الفنانة مديحة يسري وقدمت معه 7 أفلام، وأنجب منها "وفاء" وتوفيت وهي طفلة و"عمرو" وكان بطل مصر في الكاراتيه، وتوفي في حادث سيارة ، والزيجة الثالثة من الممثلة كريمة  ولم ينجب منها.

أصيب محمد فوزي بمرض نادرًا، وقرر السفر إلى لندن للعلاج، وبعدها بشهرين سافر إلى ألمانيا هناك لم تتوصل المستشفى الألماني  إلى معرفة مرضه الحقيقي وكيفية علاجه، كان "فـوزي" يتألم من شدة المرض حتى وصل وزنه إلى 36 كيلو فقط، وصدر قرار بعلاجه على نفقة الدولة، ولكن كان الموت أقرب له من النجاة من المرض الذي لم يعرف حتى أسمه لدرجة دفعت البعض ان يطلق عليه "مرض فوزي" ورحل عن عالمنا في 20 أكوبر 1966 وشيعت جنازته في مشهد مهيب من مسجد عمر مكرم بالتحرير حتى مسجد الحسين، وحضر جنازته كبار الكتاب والفنانين ومحبيه من كل بقاع المحروسة جاؤا لوادع واحد من أهم المجددين في الموسيقى والذي قاد ثورة على الموسيقى القديمة وأزاح عنها تراب الأيام، رحل "فـوزي" وبقيت ألحانه طويلة العمر والأبد وأغانيه التي تعيش بداخلنا وحب كبير له في قلوبنا لا ينفذ.