تحدث كثيرون عن الحب ومعناه وتاه فلاسفة كثيرون وأصاب الإعياء المناطقة وهم يحاولون فهم الحب أو تعريفه فتعددت مفاهيمه وتنوعت تصوراته فمنهم من أوقفه على العادة والارتباط بها أو الإعجاب وغيره ومنهم من حلق به إلى أبعد من ذلك وهي مرتبة العشق وهي المرحلة التي تذوب فيها النفس وتتماهى مع محبوبها إلى الحد الذي يصعب التمييز بينهم فيشبه العاشق معشوقه في حركاته وسكناته بل تكفيهما الإشارة كلغة تواصل لا يفهمها إلا من أصاب العشق شغاف قلوبهم فيسمعون مالا تسمعه الآذان ويبصرون بروحهم ما تعجز الأبصار عن تصوره.
إنها حالة العشق التي تجلت في حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقاء الأسرة المصرية أمس حيث توقفت عند إجابته على سؤال لمواطن أراد أن يعرف أي ناد يفضله الرئيس الأهلي أم الزمالك وكانت الإجابة كاشفة لنوع من العشق باحت به نبرات صوت الرئيس في الرد وحركات جسده حيث تجلى العشق الوطني الذي يملأ وجدان الرئيس فيبدو معه وكأنه راهب متعبد لا يألو جهدا في التفكر والتأمل لكي يحقق ما بداخله من أحلام وأمنيات لنصرة قبلته "مصر".
هكذا بدا الرئيس السيسي حين قال إن هواه هو مصر فليس لديه فائضا من الوقت أو المحبة والشغف والهوى ما يحيد به ولو للحظات عن معشوقته مصر التي كان يبيت اليالي والأيام وهو يفكر كيف يخرجها من أزماتها ومشكلاته ليراها كما ارتسمت في قلبه وعقله قوية قادرة تملك أدوات زمانها وتملأ الأرض نورا يستضيئ به أهلها.
حالة من الذوبان حبا في مصر كانت تلازم الرئيس في حياته وكأنها إرهاصات لاستدعاء تاريخي سيأخذ بيدها يوما لنجدتها فكان مشغولا بها لا مساحة في قلبه لغيرها كان سيره في شوارعها تأملا ورصدا لأوجاعها وكانت لياليه سهرا لوضع الحلول وترقب قدر الله كيف سييسر له الطريق لتحقيق ذلك.
لم يشغله يوما أن تبقى ثلاجة بيته لا تضم غير المياه بل ما كان يشغله أن يرى خزائن مصر عاجزة عن تلبية احتياجات أهلها.
ولم يشغله صراع على دوري أو تأهب لكأس بل كان طوال الوقت مهموما بفرحة بلده وابتهاجها وأن يرى الضحكة ترتسم على شفاههها وكيف لا وهو العاشق الذي تربع حبها في فؤاده فسما على حياته فلم تشبه حياة أحد ففي الوقت الذي كان الجميع مشغولا بنفسه وأهله كان هو مشغولا بها تتراجع أولويات حياته أمام طلبها وتتصاغر همومه الشخصية أمام تحدياتها فكان من الطبيعي أن يرد على المتسائل "هل تظن أن شخصا مثلي يمكن أن يفكر كما تقولين أو ينخرط في عشق سواها؟" إجابة لا يستطيع فهمها إلا كل عاشق لهذا البلد، بالطبع سيقول السفهاء منا هل يمكن أن يعيش الإنسان مثل هذا العشق إلى الحد الذي يدفعه إلى أن يتحول محيطه إلى مجرد وسيلة لإثبات عشقه لبلده لكن سير العشاق الذين أفنوا حياتهم تؤكد لنا ذلك فقد طغا عشق مصر وإدراك عظمتها على قلب الرئيس فقرر أن يهب لها حياته وجوارحه حتى تبقى أميرة آمنة مثمرة يشار إليها بالبنان.
حالة عشق وطني عميقة تفوح بها كلمات الرئيس السيسي دائما عن مصر فقليلا ما حدثنا عن حلم شخصي كان الرئيس يطمح إليه وكانت أمنياته وحلمه الحقيقي لمحبوبته مصر التي لم يتردد أن يهب لها حياته وحياة أسرته حين حمل روحه على كفه وواجه العالم بشجاعة لإنفاذ إرادة شعبها في الثالث من يوليو.
هو العاشق الذي طالب المصريين بتحدى المستحيل معه لإنجاز إصلاح اقتصادي قاس كان يدرك أنه سيخصم من رصيده الشعبي لكنه لم يكترث لأنه عاشق عينه وقلبه معلقين بمعشوقته التي تنتظره أن يأتيها بالدواء ولو كان مرا ليراها عفية عزيزة.
هو العاشق الذي طلب من شعبها تفويضا أن يقدم هو وأبطال الجيش والشرطة الروح والجسد فداء لها قبل أن تمتد يد غادر إليها بالأذى.. هو العاشق الذي يدرك أن عناية الله دائما تتحالف مع المصلحين وأن وحده جل وعلا من جاء به إلى رئاسة مصر وهو وحده أيضا من ينزع الملك فلا يريد من أحد جزاء ولا شكورا وغاية أمله أن يلقى ربه وهو راض عنه بعد أن حفظ ما استأمنه واستخلفه عليه لذلك دائما ما يردد "أروح أنا الأول قبل ما يحصل لمصر حاجة".
إنه العشق الوطني الذي لا يجدي معه ثبيط محبط أو تخطيط عابث أو حرص صاحب غنيمة بل هي حالة مزمنة من التعاطي مع عشق مصر والانخراط في الوصول بها إلى الآفاق وهي السعادة الحقيقية التي ينشدها الرئيس السيسي بأن يرى مصر وهي عظيمة أبية فارتقابه لجزاء الله يغنيه عن كل ثناء أو تملق.
إن كلمات الرئيس السيسي للأسرة المصرية حركت القلوب وألهمت النفوس وتدعو وبقوة الجميع إلى إعادة ترتيب الأولويات في حياتهم وأن نعيد رسم خريطة اهتماماتنا لنكتسب طاقة جبارة تمنحنا القوة للتغيير وتجاوز التحديات والقفز إلى ما نرضاه لبلدنا وأهلنا ومن لم تصبه حالة العشق هذه فرجاء ألا ينكر علينا لعله ينضم إلينا يوما ما.