الثلاثاء 14 مايو 2024

ماذا بعد أن غدا المواطن طرفًا في معادلة التنمية؟

مقالات15-8-2021 | 21:07

   في الريف المصري وخاصة أقاصي الصعيد يُنادي أهالينا رئيس الحكومة بـ "معالي الوزير" حين يصادفونه خلال الجولات الميدانية في القرى والنجوع، وهو ذات اللقب الذي يُطلقونه على "المحافظ" رئيس جمهورية الإقليم.

هذا الوصف يعكس قدراً بالغاً من قلة الحيلة إن جاز التعبير، بحيث تظل أقصى أماني المواطن الريفي، أن يرى "المُحافظ" قريباً من واقعه واحتياجاته، دون أن يُصدق بسهولة أن رئيس الحكومة قد يترك مكتبه ويقطع مئات الأميال كي يستمع إلى شكواه بنفسه، فإذا رآه بشحمه ولحمه وسط دروب قريته، وربما أمام باب داره، يصطحب فريقاً من الوزراء، ليسأله عما ينقصه، خاطبه المواطن بعفوية بـ "معالي الوزير".


للمواطن الريفي مبرراته، فقد عاش عقوداً طويلة لا يرى مسؤولاً أبعد من عمدة القرية أو رئيس المدينة، بينما يفصله عن "المحافظ" بون شاسع من صفوف القيادات وأطقم العمل والأبواب المغلقة، وكاد يظل على حاله، لولا موجات الحراك الشعبي التي شكلت نقطة تحول فارقة في وصول صوت الجماهير إلى مسامع أولي الأمر، ليأتي تاريخ 30 يونيو 2013 ويغدو انطلاقة نهج جديد من تحرك المسؤولين الميداني لمتابعة الأوضاع عن كثب، ليرى المواطن لأول مرة بعد هذا التاريخ "رئيس الحكومة" يُعفر حذائه بتراب قرية يزورها، أو يصعد سقالة ليتابع سير مشروع، ويدير حواراً مع مواطنين دون ترتيب مسبق.


فإن جاز لنا أن نعتبر العام 2013 ارتكازا لمرحلة شهدت الاقتراب الحكومي بشكل غير مسبوق من واقع المواطن في الدلتا والصعيد، على النحو الذي جعل الدولة راصدة لكافة احتياجاته، قادرة على تلبيتها والتخطيط من أجل مستقبله، فقد بات بإمكاننا رؤية العام 2021 كنقطة بداية لدور فارق لهذا المواطن، الذي لن يصبح بعد اليوم مغلوباً على أمره، بل سيشارك ضمن التشكيل الأساسي كرأس حربة في صنع الإنجاز على الأرض، في تجربة فريدة من "المشاركة المجتمعية" تتحقق لأول مرة.


ذلك النسق الجديد من مشاركة المواطن في العمل العام، والذي كشفت عنه احتفالية المؤتمر الأول لمشروع " حياة كريمة"، أراه أحد أبرز النقاط المضيئة ضمن سمات هذه المبادرة التي آمن بها الشباب، فأطلقها الرئيس، وصاغتها الحكومة، لتعود الكرة إلى أقدام الشباب، كي يساهمون تطوعاً في تحديد أولوية قائمة المشروعات المنفذة في ضوء احتياجات كل قرية، ثم المتابعة الميدانية لتقدم العمل وسير التنفيذ وتقييمها لضمان الإنجاز، وتوعية المجتمع بضرورة دعم تلك الجهود وتذليل المعوقات التي تعترض التنفيذ، ليصبح المواطن لأول مرة في مسيرة التنمية طرفاً من معادلة التنمية.


تلك الفرصة التاريخية تنتظر من صفوف الشباب حسن استثمارها بما يصب في صالح تحقيق التنمية في الأقاليم التي ينتمون اليها، ويتطلب منهم  ذلك في المقام الأول إعلاء قيمة تلك المهمة الوطنية، وتجنيب أية مصالح ضيقة، مع تحقيق أعلى درجات التعاون فيما بينهم، والتنسيق الفاعل مع القيادات التنفيذية بالمحافظة، كي تكون مهمة تلك العناصر اليافعة التي تتسلح بالحماس داعمة لصفوف القيادات التي تمتلك الخبرة غير متقاطعة معها، ولعل عليهم ادراك أن جهد فرق الشباب في كل محافظة تمثل قطع البازل التي ستتجمع وتتآلف وتنتظم لتصنع في النهاية لوحة واحدة ضخمة نرجو أن تعبر عن مصر التي نرجو لها أن تكون.


وأخيراً.. بينما انتظر البعض إعلان "الجمهورية الجديدة" من العاصمة الإدارية الجديدة، كان للدولة رأي آخر، حيث دشنت مبادرة "حياة كريمة" لتكون أيقونة هذه الجمهورية، فالدولة ستنفق ٧٠٠ مليار جنيه، لتغيير حياة 60 مليون مصري إلى الأفضل، برقم استثمارات حكومية ضخم يقارب مخصصات قطاعي التعليم والصحة مجتمعين في الموازنة الحالية للدولة، كما ترسم المبادرة واقعاً جديداً لعلاقة الدولة بالمواطن، ومع تواصل جولات الدكتور مصطفى مدبولي مؤخراً وبلوغها قلب الريف المصري لإبصار واقعه وتغييره، فربما يأتي يوم يصادف فيه مواطن ريفي رئيس الوزراء في جولة بقلب قريته فيناديه بـ"رئيس الحكومة".

Dr.Radwa
Egypt Air