الثلاثاء 25 يونيو 2024

التواطؤ الصهيوني النازي قبل النكبة

22-5-2017 | 13:42

صموئيل لبيب سيحة - كاتب مصرى

دأبت مجلة الهلال كل عام وبالتحديد فى 15 مايو أن تقدم ملفاً خاصاً عن نكبة فلسطين، ولعل.. هذه الذكرى أليمة لكل نفس عربى بوجه عام وللفلسطينى بخاصة، حيث نشبت حرب فلسطين عام 1948 التى جعلت فلسطين فريسة للصهاينة أولئك الوحوش الضارية، وحيث وقعت أيضاً بين مطرقتهم وسندان النازية، بمعنى أن قادة الحركة.. الصهيونية بالتعاون مع النازية بعد صعود “هتلر” إلى الحكم فى ثلاثينيات القرن العشرين ومن هنا كان.. سعى “الصهيونية” تعويض اليهود عما لحق بهم على أيدى.. “النازي” وذلك بإنشاء الدولة الصهيونية عام 1948 وهى السبب الرئيسى والمباشر لنكبة 1948 على جثث الشعب الفلسطيني! كما ورد فى الهلال ديسمبر 1943.

وحول الفكرة ذاتها، كان الصهاينة هم الذين بادروا بالتعاون مع النازية لشعورهم بقوتها، والسعى لكسب تأييد قادتها عام 1933  ورغم ما كانت تتمتع به المنظمة الصهيونية العالمية من إمكانات مادية وسياسية إضافة إلى القوات المسلحة غير الشرعية فى “فلسطين”، فإنها لم تبذل المساعى إلى كشف جرائم النازية علانية أو إلى دعم المقاومة.. اليهودية للنازية هذا من ناحية، ولم تقدم يد العون.. لمساعدة مقاتلى الأحياء اليهودية التى حاصرتها قوات النازية ومحاولة إنقاذهم، فيما عدا التى يمكن إنقاذها وهى قلة منتقاة طبقاً لمتطلبات المشروع الاستيطانى فى فلسطين!! حيث تمت مبادلة النازيين يهوداً صهاينة مع الحركة الصهيونية.. وهم اليهود الأثرياء والفنيون والشبان الأكفاء.. بغية تعزيز الجيش، ومن ثم بادلهم الصهاينة بجموع اليهود.. من هم أقل نفعاً وتركوا بين يدى “هتلر”.. آنذاك وللأسف الشديد، شهد الصهاينة على أنفسهم أنهم المسئولون عن إبادة اليهود إبان.. “حكم النازي”، وفى لقاء تخليد ذكرى ضحايا الإبادة فى 1964 الذى أقامته الدولة الصهيونية، اعترف “جولدمان” رئيس المؤتمر.. اليهودى العالمى آنذاك، أن الزعماء الصهاينة هم المسئولون عن إبادة مئات الألوف من اليهود والملايين بوقوفهم موقف التخاذل والصمت، وفضح أمر الصهاينة فى التواطؤ والشراكة فى إبادة بنى ملتهم وجلدتهم!! من اليهود، ولقد أماط اللثام عن هذه الجرعة فى رسالة بعث بها “إسحق شامير” إلى النازيين إبان زحف “رومل” عام 1942 تجاه الحدود المصرية جاء فيها!

نحن نتطابق معكم فى المفاهيم، لماذا إذن لا.. نتعاون معاً، ومن هنا تحول اضطهاد اليهود إلى تجارة رابحة فى أيدى الصهاينة مما يندرج تحت “الهولوكوست” وهى أكذوبة القرن العشرين ولا دليل على وجودها، وهى الطريق إلى ابتزاز دول الغرب وتجد ذلك فى التعويضات الألمانية لإسرائيل وقيمتها مليار ونصف دولار من ألمانيا الشرقية والغربية!

د. عز الدين فودة “المجتمع المصري” 1966م وهلال أغسطس 1983م.

لم يتورع الصهاينة عن الشراكة الفعلية فى إبادة بنى ملتهم من اليهود، كما سبق الإشارة، وزعموا كذبا أنهم يعملون على إنقاذهم، وعلى سبيل المثال حينما قرر الإنجليز إنقاذ بعض اليهود الذين هددوا فى ظل حكم “هتلر” بنقلهم إلى جزيرة “مورشيوس” لم تتورع منظمة “هاجاناه” الصهيونية الإرهابية عن تفجير الباخرة التى كانت تقل أولئك اليهود “وهى ناقلة بضائع فرنسية تسمى “باتريا” حينما رست فى ميناء حيفا فى 25 ديسمبر 1940، وكان قادة تلك المنظمة بزعامة “دافيد بن جوريون” تريد إثارة السخط على الإنجليز آنذاك.. وتمخض عن ذلك الحادث مقتل “252” يهودياً “مائتان واثنان وخمسون” يهودياً بالإضافة إلى طاقم الباخرة من الإنجليز، ومن ثم استخدم الصهاينة ذلك الحادث ذريعة لتعبئة الرأى العام ضد الإنجليز، وتكررت المأساة فى فبراير 1942 حيث شارك الصهاينة بدورهم فى إغراق الباخرة “ستروما” وكانت تحمل على متنها 800 ثمانمائة مهاجر يهودى فى مضيق “البوسفور” وذلك بشراكة الصهاينة للنازيين، وكانت ثمة خطة متكاملة لإفراغ أوروبا من اليهود وإبادة كبار السن منهم والفقراء وتهجير الباقين إلى فلسطين أو إبادتهم، ومن ثم ظهر جلياً مدى تعاون الصهاينة مع النازى والجاستابو “البوليس السري”.. “مجلة سطور” القاهرة سبتمبر 2005م.

ومن هذا المنطلق، ثبت بالدليل القاطع ذلك التعاون الوثيق بين الصهيونية والنازية وأنهما وجهان لعملة واحدة فى يد الشيطان!!، ولعلها من تاريخ ما أهمله التاريخ، ولا يزال ذلك التواطؤ بينهما مسكوتاً عنه لتورط الصهاينة فى إبادة بنى جنسهم من اليهود كما أشرنا وأن “الهولوكوست” ما هى إلا أكذوبة ومجرد أسطورة لا أساس لها على أرض الواقع، وذلك ما اتضح فى كتابات وأبحاث المؤرخين اليهود والأوروبيين وغيرهم، وبراءة الحاج أمين الحسينى من التواطؤ مع هتلر، كما زعم كذبا رئيس وزراء إسرائيل “بنيامين نتنياهو” فى مسألة إبادة اليهود إبان إلقاء خطابه أمام المؤتمر اليهودى العالمى فى 20 أكتوبر عام 2015.

الإنصاف يقتضينا إذن، أن نذكر دوماً نكبة فلسطين 1948 لكونها أهم وأخطر هزيمة، وستظل رغم ما كتب عنها أو ما يكتب حولها كل عام وخاصة مجلة الهلال، لأنها وجدت بها مادة خصبة لإعمال الذهن العربى من حيث التفكير وتقصى أسرار التراجع الدائم أمام التحدى الصهيونى الجاثم على فلسطين الآن، ولكونها علامة فارقة فى مسار التاريخ للتطور السياسى، ونضال شعوب المنطقة العربية وبخاصة الشعب الفلسطينى، كما أنها بالتالى تعد نقطة قياس لحدود استيعابنا الواعى لمفهوم الأمن القومى العربى الذى تعرض مع تلك الحرب لهزات عنيفة، أطاحت بالعديد من المسلمات السياسية والفكرية التى كانت قائمة آنذاك واستبدلت بها أخرى جديدة إبان العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، ثم نكسة 5 يونيو 1967، وأخيراً حرب 6 أكتوبر والعبور من الهزيمة إلى النصر، وحدثت تغيرات جذرية على خريطة المفاهيم السياسية، والقضايا الأخرى الكبرى التى جاءت فى أعقاب ثورات الربيع العربى 2011.

ومن الأهمية بمكان، أن نعيد النظر وفى قراءة متأنية فاحصة ما أعقب “نكبة 1948” وإعادة ربطها من دروس ونتائج بالواقع العربى الذى نعايشه الآن فى المنطقة وبعد مرور تسعة وستين عاماً على تلك النكبة، ولما تشهده الساحة من صراعات رهيبة وانقسامات وإرهاب، ولكى يعى العرب جيداً الموقف استراتيجياً وسياسياً، والتعامل مع الأحداث الراهنة بمنطق جديد يواكب العصر واستخدام الحلول غير التقليدية لإشكالياتنا المعاصرة، لأن من الثابت تاريخياً أن النكبة كانت نتيجة عدم وجود خطة عسكرية موحدة بين الجيوش العربية وتردى الأوضاع السياسية فى المنطقة، ناهيك عن أطماع الحكام العرب وتآمرهم، وصعود الضغوط الأمريكية ودول الغرب من خلال الصهيونية لاستثمار الوضع الدولى لصالحها وبوجه خاص داخل الأمم المتحدة، وهو على شاكلة موقف “فلسطين” الآن بشأن إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية فى إطار “حل الدولتين”!

ما أشبه الليلة بالبارحة، ولا نزال بصدد نكبة فلسطين، يتعين علينا أن نكون أشد يقظة ورقابة لما يدونه المؤرخون الجدد الآن فى إسرائيل، حيث أخذوا يطرحون أفكاراً تتعارض والأفكار السائدة فى الوسط الإسرائيلى رسمياً وشعبياً وأكاديمياً تجاه العديد من القضايا الرئيسية “شبه المقدسة” سواء أكانت قبل تأسيس دولة إسرائيل أو بعدها، وأما عن النكبة التى نحن بصدد ذكراها، أدلى أولئك المؤرخون بأنها تتمثل أساساً فى الجدل بشأن احتواء “الفكرة الصهيونية” على مبدأ تهجير الفلسطينيين لكونه أساساً من مكوناتها، خاصة فى فكر مؤسس الدولة “بن جوريون” إبان عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، وتركزت أبحاثهم التاريخية على أن المنظمات العسكرية الصهيونية كانت بمثابة نواة للجيش الإسرائيلى عشية الحرب، انخرطت أساساً فى إطار برنامج تهجير واع للفلسطينيين يستهدف طردهم من فلسطين بما يواكب الفكرة الصهيونية الأساسية، وهى ضرورة إخلاء الأراضى الفلسطينية لأولئك المهاجرين اليهود القادمين من أوروبا والتى تمخضت بدورها عن تضامن الصهيونية مع النازية كما أشرنا، والتركيز على أنه ليس بالإمكان تواجد شعبية فى فلسطين ذاتها، لكن أكد المؤرخون الجدد على صدق الرواية الفلسطينية لأحداث نكبة 1948 والمجازر التى ارتكبها الصهاينة فى حق الشعب الفلسطينى وذلك فى إطار إخراج الأرشيف الإسرائيلى عن تلك الوثائق المهمة بشأن قضية فلسطين.

الحقيقة التى لا يجانبها الصواب، أن نكبة فلسطين كان الموقف المصرى منها ثابت تجاه القضية برمتها على أنه التزام عروبى وتضحيات جمة، ومن هنا رأيت لزاماً على أن أدلو بدلوى من ثنايا دراساتى الأكاديمية بشأن تلك القضية التى أتمنى أن يتم الحل العادل والشامل لها، وذلك حفزنى بشدة ما طرحه المؤرخون الجدد فى إسرائيل والذى سبق الإشارة إليه أن أعرض لوثيقة سرية عثرت عليها إبان إعدادى لرسالة الدكتوراه “السياسية المصرية تجاه المشكلة الفلسطينية 1948 - 1956 ومن هذا المنطلق أعرض الآن تلك الوثيقة المهمة لأنها تواكب أحداث النكبة 1948 وقبل إعلان هدنة رودس بين العرب وإسرائيل عام 1949 وإليكم نص الوثيقة:

كتاب مفتوح إلى جلالة الملك فاروق المعظم من رئيس المؤتمر الفلسطينى الثانى بتاريخ 13/12/1948 وثيقة سرية غير منشورة.

مولاي: صاحب الجلالة:

يتحدث إلى جلالتكم فلسطينى ذاق أشد العذاب، وتجرع الكأس حتى الثمالة، وأرجو أن تتقبلوه بقبول حسن، لأنه يعبر بحق عما يكنه 90% من عرب فلسطين النازحين والمقيمين.

مولاي:

مضى على حرب فلسطين نحو ربع قرن، وهم فى صراع دائم مع الصهيونيين والإنجليز، وقد استطاع الفلسطينيون الإبقاء على الأكثرية من أراضيهم، رغم الإغراء وبذل الأموال، وحين اجتمع شمل العرب، وتألفت الجامعة العربية امتلأنا أملاً بالنصر على الأعداء، وإن الصهيونيين سيصبحون أثراً بعد عين عندما يتم الجلاء البريطانى.

وكان الشعب الفلسطينى ينتظر بلهفة مرور 15 آيار “مايو” 1948 العظيم الذى سيجلو فيه الإنجليز ليروا كيف يقضى على الصهيونيين، ويشاهدوا الرايات العربية تخفق على المستعمرات الصهيونية، وقد حل ذلك اليوم، وزحفت الجيوش العربية لإنقاذ فلسطين من أعدائها، واستقبلها الشعب الفلسطينى يحدوه الأمل والاستبشار بقرب ساعة هلاك عدوهم، باعتبار أن تحرير وطنهم أصبح قاب قوسين أو أدنى لقد قررتم فى مؤتمركم العتيد فى أنشاص أنكم ستسلمون فلسطين إلى أهلها، ونحن نتساءل هل المقصود كان تسليمها إلى عرب فلسطين أم إلى الجيوش اليهودية، كما سلم إليها “النقب” وهو يكون 45% من مجموع أراضيها ثم أخذتم تستنجدون الوسطاء لاسترداد “النقب” من العدو والذى يعلن أنه لن يجلو عن شبر واحد من النقب والجليل.. وغيرهما، وأفسحوا جلالتكم لنا مجالاً على صفحات جرائدكم لنشر ما لو اطلعت عليه الشعوب العربية لحدث ما لا تحمد عقباه.. ولثارت ثائرتها.

يا صاحب الجلالة:

إن كارثة فلسطين لأشد بكثير مما يتصور الناس البعيدون الذين لم يصطلوا بنارها، وإن معظم أراضى فلسطين ترفرف عليها “الراية اليهودية” وإن أعراضا أبيحت، وحرمات انتهكت، ومعابد إسلامية مقدسة كجامع الأثرى العظيم.

إن كارثة “الأندلس” أصبحت لا تعد شيئاً بجانب “كارثة فلسطين”، ومع ذلك لا يزال مندوبو الدول العربية يطلبون تأجيل حل القضية، ويعدون ذلك نصراً حتى بات الفلسطينيون يعتقدون أنهم يتآمرون مع اليهود لتصبح “فلسطين” بكاملها “يهودية”، ومما يحز فى النفس أن يعلن علماء “الأزهر” استنكار البيعة الشرعية إلى صاحب الجلالة الملك “عبدالله” سليل الدوحة كخطوة للإبقاء على فلسطين، وإن اليهود قد احتلوا 14 أربع عشرة مدينة عربية كبيرة، و400 أربعمائة قرية عربية، وذلك بعد أن أخلوا سكانها واستولوا على كل ما يملكه الأهالى الذين شردوا.

توقيع

محمد على الجعبري

رئيس المؤتمر العربى الثاني

هذه الوثيقة توخيت فيها الأمانة العلمية والبحث العلمى التاريخى دون إضافة أو حذف.