الجمعة 26 ابريل 2024

الوقاد مؤسس «تمرد» كما عرفته

مقالات17-8-2021 | 12:26

اقتربت منه قبل نحو أربع سنوات ولم يكن في حالة كالتي انتهى إليها عند وفاته قبل أيام، كان نشاطه وصموده في قضيته ومجتمعه أكبر مما أتصور، وكانت ساعات ما بعد جمعة خرابات الرؤية بمثابة استراحة "محارب" أداعبه بهذا اللقب بعدها.

إنه الدكتور محمد الوقاد أستاذ إدارة الأعمال بإحدى الجامعات الفرنسية وأحد أعضاء المجلس التصديري المصري ومؤسس حملة تمرد ضد قانون الأسرة، الذى افتقدناه الأسبوع الماضي بعد أيام من إصابته بالفيروس اللعين.

لست هنا أمام حلقة ذكر لحسنات موتى أعزاء على أنفسنا نلحق بهم قريبا، لكنني أمام ظاهرة مجتمعية نشأت على يد أب شاب لحق به من الأذى ما يكفي من قانون الأحوال الشخصية، ليطلق حملة قبل أكثر من 11 سنة لم تشهدها مصر كلها من قبل، التفت حولها مئات الآلاف من المصريين لأسباب ضرر طالت الملايين.

الوقاد كان أستاذا حقيقيا وعالما فى تخصصه وأجاد أربع لغات حية وسافر إلى العديد من بلدان العالم محاضرا ومطلعا على تجارب الشعوب والحكومات، "دكتور حقيقي" قاد حملته فى مواجهة حملة الدكتوراه "الفشخرية" بعضهم/ بعضهن ممن تحصلوا على تعليم متوسط بالكاد يطلقون على شهاداتهم العلمية المتوسطة "دبلون"، بحرف النون والله، ومن عاونهم من بعض محامين وناشطات وأرباب منظمات هنا ومجالس هناك ودعاة دخول المصريين للمحاكم.

لم أره صاحب حظ فى استقرار أو صحة وكلما قام من عثرة واجه أسوأ منها بحادث أو مرض، خالفته رؤية بعض جوانب دفاعه، لكنني اتفقت معه على عدالة قضية مجتمع بأكمله، وقد ضمت حملته من النساء والرجال، زوجات وأزواج وجدات وعمات، ممن يؤمنون بضرورة استعادة استقرار الأسرة، على النقيض من دعاة وداعيات قطع الأرحام التى لا قطع غيار لها مع جيل جديد من أبناء الشقاق، أتوقع أنه سيعيد تربيتنا جميعا لاحقا.

كلما ارتقت كلمات وإشارات الوقاد ورفاقه محذرة من تداعيات الشقاق وسوءات التشريع، علت نغمة المكتسبات لشريحة نسوية ملخصة إياها فى التطليق مخالعة ورفع سن الحضانة، مع اعتبار بقية المكاسب المادية من مرحلة الزواج وقرارات التطليق نتيجة طبيعية لخوض مشروع متصدع مسبقا بحكم القانون والأعراف والتقاليد.

عاصرت كثيرا أوجاعه أبا، وشاهدته مثابرا في سبيل القضية مستغرقا فى تفاصيل تجيد نسوة اختلاقها وشغل الرأي العام بها عبر إعلام يهتم بفرقعات، واختلفت معه حول مدلول الرعاية المشتركة بديلا للاستضافة والرؤية والاصطحاب، ودائما ما اعتبرت فى مناقشاتي معه الرؤية ابتلاء يبتعد عنه المتعافون من التعامل مع قانون جائر تختلق فيه الحضانة المزعومة الأزمات لمجتمعنا.

أعد الوقاد ورفاقه مقترحا بمشروع قانون جديد للأحوال الشخصية ربما لم يقدمونه للبرلمان السابق بالطريقة التى تضمن مناقشته على نطاق واسع، فمرة تغلبهم عناوين الصحف وتحبطهم مانشيتاتها حول مشروع القانون، ومرة يتجدد الأمل لديهم مع مقترح محدود لنائب هنا أو هناك يسعى لحصار ظاهرة الطلاق أو الصراع المجتمعي على الأطفال بعده بسبب سن الحضانة.

فند الوقاد ورفاقه العديد من مزاعم نسويات حول إحصائيات دعاوى الرؤية مقابل النفقات، وفضح ناشطات ضلل المجتمع ظهورهن على غير حقيقتهن وتخصصاتهن، وجدد الثقة فى قدرة أفراد على المشاركة فى معركة الوعي التى تعيشها الملايين منذ يناير وقبلها، ولم تكن عبارته تفارق ذهني "ستحاسبنا الأجيال القادمة عن صمتنا.. ولنكن أكثر قدرة على الفعل ممن سبقونا ومضوا مهملين كوارث تشريعية منذ قرن مضى".

"تمرد ضد قانون الأسرة" لم تكن حملة مجتمعية تطورت فى فضاء مواقع التواصل إلا بسبب الواقع الاجتماعي الذي يعيشه المتضامنون فى الأذى والابتلاء، وأظن أن سر بقائها فترة أطول هو كم الضغوطات الناتجة عن الحرب النفسية ضد استقرار الأسرة، ويتزايد ظني فى قدرتها خلال سنوات مضت على تعطيل تشريعات ربما يتوقع كثيرون أن تكون الأسوأ فلا تحتسب بين موادها سوى مكتسبات إضافية لشريحة نسوية محدودة معلومة للكافة، وتلقى بالأبوة والطفولة إلى أرشيف التاريخ الأسري.

مات الوقاد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وغفر له، ولم تمت الفكرة والقضية، وبقيت الأزمة، متمثلة فى حرب نفسية مجتمعية يضمن بقاءها تشريع قاصر فى حماية الأسرة، عنوانها الحضانة المنفردة والتطليق لنساء من طرف ثالث لا وجود له بعقد الزواج، ونفقات تضبط قيمتها فى الأحكام القضائية إجراءات تحتاج مراجعات متعقلة فى القانون، وبقيت قوة جماعات الضغط والمصالح متصدرة المشهد أيضا متباهية بشقاق وصراع وخراب لم تعرفه مصر من قبل.

Dr.Randa
Dr.Radwa