الطلاق هو ظاهرة عامة مُنتشرة في كثير من الدول، ورغم أن الدين الإسلامي قد حلله إلا إنه جعله أبغض الحلال أي أسوءه، لأن قرار الطلاق هذا قرار ليس بِسهل كما أيضَا أن قرار الزواج ليس سهل، لأن قرار الطلاق يُفكك أسرة بأكملها، وليس أن أثنين قد اِنفصلوا عن بعضهم البعض فقط، ويزداد تأثير الطلاق السيء بوجود أطفال بين الزوجين، فإذ كان هُناك أطفال بينهما، يصبح قرار الطلاق قرار شديد الصعوبة.
التهور والتسرع سبب رئيسي للطلاق.
قال الدكتور حسن الخولي، أستاذ علم الاِجتماع والأنثربولوجيا، إن الطلاق له أسباب عدة، لكن هناك سبب رئيسي، هو تفاقم ظروف الحياة السيئة، بالإضافة إلى حالة التهور التي أصبح يعيشها الشباب، لافتا أن قرار الزواج لا يتم اِتخاذه بسهولة، وأنه قرار يحتاج تفكير بتدبر، وأنه يكون على قدر كافي من المسئولية، التي تجعله قادر على اِتخاذ هذا القرار، وإذا كان الشخص غير مسؤول، فالأفضل له ألا يأخذ هذا القرار، حتى لا تتفكك الأسرة فيما بعد، مضيفا أن اِنخفاض مستوى المعيشة، و عدم اِرتفاع الأجور، من الأسباب الشائعة لزيادة نسب الطلاق، وأن التقليد الأعمى للغير، والنظر لِما يمتلكه الآخرين، هو سبب لزيادة الطلاق في ظل الظروف المُتدهورة للمعيشة.
وأكد الخولي في تصريح خاص لـ«دار الهلال»، أن هناك أسباب أخرى للطلاق، وترجع هذه الأسباب لعدة عوامل، منها العامل النفسي و الضغوطات، ومرور الزوج أو الزوجة بمرحلة نفسية سيئة، نتيجة الضغوطات الكثيرة، ويرجع أيضًا لعامل اِنتهاك الخصوصية، وتدخل الأقارب، والأصدقاء في مشاكلهم، وفي الغالب هذا التدخل يؤثر بالسلب وليس بالإيجاب، وهذا طبعًا في نهاية المطاف يؤدي إلى الطلاق، ويرجع أيضًا لعامل العلاقات العاطفية السابقة، سواء للزوجة أو للزوج، وأن هذه العلاقات لم تنتهي بعد الزواج، مما يؤدي للطلاق، أو أن الزوج أو الزوجة مُجبرين على هذا الزواج، وبالتالي يحدث طلاق، وعدم اِستمرار هذا الزواج المبني على الكراهية والإجبار.
المرحلة العُمرية
وشدد على ضرورة وجود تكافؤ بين الزوجين، في العمر فيجب أن يكونوا مُقاربين في المرحلة العُمرية، لأن عدم تقارب في العُمر يؤدي إلى الطلاق، بسبب عدم التكافؤ في التفكير والمسئولية وأن فارق العمر المُناسب بين الزوجين بحد أقصى، يكون سبع أو ثمن سنوات، وأن الفارق في الوضع الطبقي والاِجتماعي، سبب مهم لاِزدياد حالات الطلاق، ولابد من وجود تكافؤ طبقي وأن الفارق التعليمي أيضًا في الأغلب بيؤثِر على تفكك الأسرة، إلا في حالات قليلة يكون الزوجين راشدين وذو عقول راقية، وبينهم علاقة حب قوية، ولكن في الأغلب يجب وجود التكافؤ التعليمي.
وأضاف أن حالات الطلاق اِزدادت كثيرًا، بعد وجود فيروس كورونا، حيث أن كثير من الشركات والمصانع، اِستغنت عن العديد من الموظفين والعمال، و أثر ذلك على مستوى المعيشة، و بالتالي زيادة المشكلات على الدخل الإقتصادي، ووصولها للطلاق، مؤكدًا أن الأشخاص حديثي الزواج هم أكثر فِئة مُعرضة للطلاق، لأنهم يكونوا مُتسرعين في اِتخاذ هذا القرار، أما المتزوجون من فترة طويلة نسب الطلاق بينهم تكون قليلة، بل تكادُ تكون مُعدمة، بسبب أنهم أصبح بينهم تفاهم، وتعود على طِباع بعض.
يجب التفكير في موقف الأطفال
وأوضح أن الأطفال في هذه الحالة هم ضحايا لمُشكلات ليس لهم أي ذنب فيها، وإن موقفهم سيء للغاية، ويجب على الزوجين التفكير في موقف الأطفال، قبل اِتخاذ قرار الطلاق، لأنهم بذلك يظلمون الأطفال معهم، وهذا يجعل الأطفال لديها مشكلات نفسية، وتكون شخصياتهم غير سوية لأنهم يحتاجون العيش في جو أسري مُستقر، بعيد عن المشاكل، وفي نفس الوقت يحتاجون أن يعشوا في وسط أسرة مُتماسكة.
وقدم مجموعة نصائح للأشخاص المُقبلة على الزواج، من خلال أننا نُحدد الأول الأسباب المؤدية للطلاق ثم نتجنبها، ومنها أنه يجب على المقبلين على الزواج أن يخضعوا للفحص الطبي قبل حدوث الزواج، حتى يطمئنوا على أنفسهم، وأن زواجهم هذا لا يكون له أعراض، ومُشكلات صحية فيما بعد، ويجب أن يكونوا مؤهلين للزواج نفسيًا، وعقلانيًا، وعلى وعي ودراية كاملة بمسئوليات الزواج حتى لا تحدث مُشكلات فيما بعد، كما نصح بضرورة أن يكون الوضع الاقتصادي للزوج مُناسب، يجعله مسئول عن فتح بيت وأن يكون مسئول عن مصاريف أسرة، حتى لا تحدث مُشكلات مالية فيما بعد، وأن يكون الزوجين موافقين تمامًا على إتمام الزيجة، وليس أحد الأطراف مُجبر عليها، حتى يستمر الزواج فيما بعد، وأن يكونا قد أتما سن الرشد، والنضج ولا يكون زواج قاصرات.
وحول خطورة ارتفاع نسب الطلاق، قال أستاذ الطب النفسي الدكتور عادل مدني قوله، إن خطورة ارتفاع معدلات الطلاق وانتشاره بصورة تجعله أمرا عاديا وليس نادرا كما كان في أجيال سابقة، يجعل الأجيال الحالية والقادمة أقل تقديسا لمؤسسة الزواج وأكثر استهانة بالطلاق وتبعاته.
غياب المبادئ والذوق العام
قالت الدكتورة سامية خضر صالح أستاذة علم الاِجتماع بجامعة عين شمس، أن أسباب اِزدياد نسب الطلاق في مصر، تتلخص في سبب رئيسي ومهم للغاية، وهو غياب المبادئ والأخلاقيات، وأيضًا غياب الذوق العام، وأصبح الشخص يرى أن الأشخاص الآخرين الذين يتعامل معهم، لا يستحقون الشكر أو الثناء على ما يفعلونه من أجله، وأن ذلك من واجبه في الأساس أن يفعل ذلك، وبالتالي غياب مُصطلحات الشُكر، ومُصطلحات التهنئة، وأصبح الإنسان المصري ليس لديه ذوقيات في التعامل مع الآخرين، وهذا ينطبق على الرجل والمرأة معًا.
وأضافت دكتور سامية في تصريحات خاصة لـ«دار الهلال»، أن المصريين أصبحوا يقلدون الغرب في عاداتهم وتقاليدهم، التي لا تنطبق مع تقاليد مُجتمعنا الشرقي، وبالتالي يصبح هناك كمشاكل تؤدي إلى الطلاق، مشددة على أن الفن المصري سواء كان سينما، أو راديو، أو حتى روايات، له دور سلبي في زيادة حالات الطلاق في مصر، وأن العنف الذي تتناوله الأفلام، والمُسلسلات بين الزوجين، سواء من ناحية ضرب الزوج لزوجته، أو قتل الزوجة لزوجها، أو خيانة أحدى الطرفين للأخر، سواء ذكرت هذه القضايا في السينما، أو الروايات التي أصبح يقرأها أغلبية فئات المُجتمع، أصبح له عامل سلبي، على زيادة حالات الطلاق.
الأغاني لها عامل على زيادة الطلاق
وأشارت إلى أن الأغاني لها عامل أيضًا على زيادة الطلاق، رغم أن الغناء قديمًا كان له هدف سامي وراقي، إلا أن الآن غابت هذه الأغاني الراقية، وأن الأغاني الآن أصبحت مليئة بالعنف، وشددت على أن غياب القيم، والمبادئ سواء في الفن، أو في المجتمع ككل، هو سبب أساسي لاِنتشار الطلاق إلى هذا الحد.
وأوضحت أن الجانب المادي له أيضًا تأثير على زيادة الطلاق، وأن الأشخاص أصبحت مادية بطريقة لا تُحتمل، فالماديات ليست هى كل شيء، وهناك أشياء أخرى، يجب أن نهتم بها غير المستوى المادي، مضيفة أن في حالة أن الزوجة تعمل، ومعها أطفال، فإذ كان هذا العمل سوف يؤثر على أطفالها، ووجباتها نحوهم، ونحو الزوج، ونحو بيتها ككل، فعليها أن توازن بين عملها وبين بيتها، وأسرتها، لأن اِهتمامها الزائد للشغل، يجعلها مُقصِرة في حق أسرتها، وبيتها، وبالتالي نشوب المشاكل الأسرية، التي تؤدي للطلاق، وهذا هو حال أسر كثيرة الآن.
وشددت على أن سفر الزوج للعمل في الخارج سنوات كثيرة، وأن الزوجة تقوم بدور الأم والأب معًا، هذا ظُلم للزوجة، وغالبًا لا تتحمل هذه المسئولية الكبيرة عليها وتطلب الطلاق، لذا طالبت أن الرجل العامل في الخارج، يجب ألا يُقيم في الخارج أكثر من خمس أو ست سنوات.
وأشارت أن المُنافسة بين الرجل والمرأة، في كل شيء، كارثة كبيرة، لأن الرجل له حقوق وواجبات، والمرأة أيضًا لها حقوق، وواجبات مُختلفة، والمُنافسة بينهم تُسمى تكبُر، وتعالي كل مِنهما على الأخر، وبالتالي الحياة بينهم ستصبح مُستحيلة.
ضرورة وجودة المبادئ
وأكدت أن ضرورة وجودة المبادئ، والأخلاق، والذوق العام، من أساس نجاح الأسرة حتى إذ كانت هُناك فروق ثقافية، واِقتصادية، واِجتماعية، فوجود الإخلاص، والوفاء بين الزوجين يجعلهم يتخطون كل الأزمات، مهما كان حجم هذه الأزمة، موضحة أن هذه الإشكاليات تُسمى إشكاليات اِجتماعية نتيجة عدم الاِهتمام بالقيم والعلاقات الإنسانية والمبادئ التي كانت مصر تحرص عليها سواء داخل الإعلام داخل المدرسة داخل الجامعة.
وأضافت مجموعة من النصائح للأشخاص المُقبلين على الزواج، كي لا تصل بهم المشاكل إلى الطلاق ومن هذه النصائح:الاِختيار المُناسِب للزوجين، وليس الاِختيار يكون بُناءًا على الشكل فقط، بل على الشخصية والأخلاق والمبادئ العامة، ويجب وجود تقارب فكري، وثقافي، وتعليمي بين الزوجين، كي تنجح هذه الزيجة، وألا يكون الاِختيار للزوجين فقط، بل أيضًا للأهالي، فيجب أن تكون العائلات هادئة، ولا توجد بها مشاكل، وأن يكون الزوجين على قدر كافي من المسئولية وناضجين بقدر كافي، كي يكونوا قادرين على إدارة المعيشة، ويجب أن يكونوا مُتفقين في البداية على كل التفاصيل، حتى لا يختلفوا عليها بعد الزواج، مِنها قضية إنجاب الأطفال، فقد تكون موضع مُشكلات فيما بعد، ولذلك يجب الاتفاق على هذه الفكرة في البداية.