تصرفات تبدو فى ظاهرها بسيطة، إلا أنها تفسد ما تقوم به الدولة من إنجازات كبرى خاصة فى توفير لقاحات كورونا لجميع المواطنين بالمجان، فمازال فيروس الفهلوة وتفتيح المخ، متفشيا فى عقول بعض موظفى المكاتب الصحية، المتعاملين بشكل مباشر مع الجمهور، تحت غطاء "الإكرامية" أو "الحلاوة".
كانت تجربتى الأولى فى 6 يونيو 2021 لتلقى الجرعة الأولى من لقاح كورونا، فى مكتب صحة الفجالة التابع لمحل إقامتى، وجدت استقبالا حافلا من موظفى المكتب، نظرا لضعف الإقبال وعدم وعى المواطنين بالقدر الكافى آنذاك بأهمية اللقاح، وأخذت بالفعل جرعة اللقاح الأولى بلطف بالغ من قبل الممرضة دون أن أشعر بوخز الحقنة، وفى زمن لا يتعدى العشر دقائق انتظار.
وبعد مرور ثلاثة أشهر، موعد الجرعة الثانية من اللقاح، ذهبت حسب الموعد المحدد لى لتلقى الجرعة الثانية، ووصلت أنا وزميلتى التى ترافقنى فى نفس موعد اللقاح، واستقبلنا موظف يبدو أن مهمته تحديد الدور بأسبقية الدخول لمن "يشخلل"، قائلا لنا: "هاتوا بطاقتكم وخليكم فى مكانكم، وأنا هاسجل بياناتكم على الكمبيوتر وهادخلكم على التطعيم على طول، بس ما تنسونيش فى الحلاوة".
تفحصت بعينى المنتظرين لأدوارهم، وجدتهم كبار سن وأشخاصاً يبدو عليهم علامات التعب والمرض والإرهاق الشديد، ولا يستطيعون القدرة على البقاء داخل المكان كثيراً، إلا أن الكلمة العليا لمن يدخل ومن لا يدخل كانت للموظف صاحب توزيع الأدوار، الذي يمرر لمن يدفع له، تاركا هؤلاء بالساعات يرهقهم الانتظار.
فكرت أنا وزميلتى لماذا ننتظره ونحن متعلمتان بالقدر الكافى لإنجاز أمورنا بأيدينا، وفق القواعد السليمة والمنظمة للمكان، وصدمنا حينما علمنا أن هذا الشخص ترك كبار سن أصحاب أرقام أدوار 45 و46 مثلا، وقرر إدخال رقم 92 لتناول اللقاح لمجرد أن صاحب هذا الرقم "فتّح مخه".
أعلنا احتجاجنا على الرجل وعلى إهماله كبار السن ومنطقه السيئ فى دخول من يدفع، وأخبرناه أننا نعمل فى الصحافة وسنبلغ الوزارة بما حدث فى شكوى رسمية، فرد علينا بمنتهى الثبات قائلا: "ماحدش يقدر يعمل حاجة معانا"، ثم خرج إلينا أحد الأطباء الموجودين، مطالبا إيانا بتقديم مذكرة لمدير المكتب فى هذا الرجل.
وبعد وقت طويل من العناد من الرجل، كوننا لم ندفع وأصررنا اتخاذ على الإجراءات السليمة دون تخطى أحد، دخلنا إلى حجرة تناول اللقاح، وقابلتنا الممرضة التى يبدو أن زميلها الموظف أخبرها بما دار فى الخارج، فطالبتنى باعطائها ذراعى ثم غرست سن الحقنة فيه فورا، وحين صرخت من الألم، قالت لى: "انتى بتدلعى انتى فاكرها ايه دى حقنة، وانتو جايين لنا آخر اليوم واحنا تعبانين الصراحة".
من قوة غرس الحقنة نزف ذراعى الدماء، وتورم بشكل أكبر من المعتاد حال تلقي اللقاح، ويبدو أن هذا كان عقاباً من الموظف وزميلته لأننا رفضنا "الشخللة"، كما كان عقاب كبار السن الذين رفضوا أيضا الدفع الانتظار بالساعات، وإدخال الشباب ممن "فتّح مخه" مع الباشا موظف المكتب.