السبت 1 يونيو 2024

آسيا والمحيط الهادئ.. مضمار التنافس الجيوستراتيجي الأقوى بين الولايات المتحدة والصين

الصين وواشنطن

عرب وعالم29-8-2021 | 17:46

دار الهلال

تمتلك كل من الولايات المتحدة والصين أسبابها لوضع منطقة آسيا والمحيط الهادئ على قمة أولوياتها للسياسة الخارجية، ففي حين يتمثل دافع الصين الأول في الدفاع عن النفس وما تعتبره الاستعادة المشروعة لمجال نفوذها، تريد الولايات المتحدة الحفاظ على هيمنتها و"النظام الدولي" الذي ساعدت فى بنائه والذي يعمل الآن عكس مصلحتها، فضلا عن أسباب يتشاركها الطرفان يتجلى أبرزها في النزاع على الفضاء البحري والموارد والبيئة والتهديدات لحرية الملاحة، وفق ما يؤكد خبير الشئون الاستراتيجية الآسيوية، البروفيسور مارك فالنسيا، في تحليل بدورية "يوراسيا ريفيو" الأمريكية.

في الثالث من ديسمبر الماضي، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مقالا لمدير المخابرات الوطنية الأمريكية آنذاك، جون راتكليف، وصف فيه الصين صراحةً بأنها "التهديد رقم 1 للأمن القومي" الأمريكي، معتبرا أن "مقاومة محاولة بكين لإعادة تشكيل والسيطرة على العالم هو تحدّي جيلنا".

كان ذلك موقف الإدارة الأمريكية إبان عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب. أعلن ترامب عن ذلك الموقف في مناسبات عدة من دون مواربة، وهو ما لم يتغير بعد وصول جوزيف بايدن للبيت الأبيض، فبعد 45 يوما من تولّي منصبه، أصدر البيت الأبيض وثيقة الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأميركي، والتي اعتبرت الصين التحدي الأكبر للأمن القومي، ما أكدته لاحقا أفريل هاينز، مديرة المخابرات الوطنية الحالية، في تقرير للكونجرس.

في فبراير 2021، كلّف بايدن وزير دفاعه، لويد أوستن، باستعراض وضع القوات الأمريكية حول العالم -والذي من المتوقع أن يُعلَن قريبا- بهدف إعادة توزيع القوات الأمريكية المنتشرة ما وراء البحار من أجل التركيز على الصين، وهو ما سيتضمن حشد قوات إضافية في منطقة آسيا والمحيط الهندي، حيث يزعزع النفوذ الصيني المتصاعد في المنطقة وضع ومصالح الولايات المتحدة فيها وعلاقاتها مع دول الإقليم، والتي تضررت بالفعل جراء سياسات ترامب.
ل

م تنتظر الإدارة الأمريكية صدور استعراض وضع القوات الجديد، فأعلنت، سحب "قوات ومعدات محددة" من الشرق الأوسط، على أن تعود بعض المعدات إلى الولايات المتحدة بغرض صيانتها، فيما يُعاد نشر بقيتها في مناطق أخرى، وفق ما أعلنت المتحدثة باسم البنتاجون، جيسيكا ماكنولتي.

يتّسق ذلك مع تحليل نشره، مطلع مارس الماضي، المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، للخبير الأمني والدفاعي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، البروفيسور يوان جراهام، والذي أشار إلى كون تحويل واشنطن "مركز جاذبيتها" لمنطقة المحيطين الهادئ والهندي يمثل "طموحات تتبناها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة"، مؤكدا ضرورة إصلاح إدارة بايدن لـ"الموقف الاستراتيجي المتدهور" في آسيا، في إشارة لتفوق استراتيجي ملحوظ لبكين في المنطقة خلال الآونة الأخيرة .

يُمثل الاقتصاد والتجارة بالطبع ركيزة أساسية في سياسة كل من واشنطن وبكين في الإقليم. في العام الماضي، وقعت الصين مع كل من كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا، إضافة إلى الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.

من المفترض أن تستحوذ الاتفاقية على 30% من حجم الاقتصاد العالمي بناتج محلي إجمالي يقترب من 26 تريليون دولار، ما يشكل ثلث الناتج العالمي، وثلث التجارة الدولية. وبعد نحو 4 سنوات على انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ، فإن إبرام تلك الاتفاقية يُعَد نصرا استراتيجيا واقتصاديا للصين، وهو ما تسعى واشنطن لتداركه من خلال الحوار الأمني الرباعي، الذي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، وسط حديث عن إمكانية عودة الولايات المتحدة لإبرام اتفاق تجاري مع عدد من الدول عبر المحيط الهادئ.

في خضم ذلك، يبدو تركيز صانع القرار في واشنطن منصبا بالأساس على التنافس الاستراتيجي مع الصين في منطقة نفوذها الأولى، ربما لأن ذلك يضمن لها طمأنة حلفائها في الإقليم بشأن عدم بسط الصين سيطرتها بالكامل، وبالتالي تضمن الولايات المتحدة شراكات استراتيجية واقتصادية مع دول باتت تتأرجح بينها وبين بكين.

في ورقة بحثية نشرها، قبل شهرين، المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، يؤكد بيتس جيل -رئيس قسم الدراسات الأمنية بجامعة ماكواري في أستراليا- أن التنافس الأمريكي الصيني قد وصل حد "سباق تسلح" بينهما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لاسيما بعد انهيار معاهدة القوى النووية متوسطة المدى بين الولايات المتحدة وروسيا، وعزوف الصين عن الانخراط مع الطرفين في محادثات جديدة للحد من التسلح، متعللة بكون ترساناتها من الصواريخ أقل كثيرا من نظيرتيها في الولايات المتحدة وروسيا، وأنها تسعى لتأمين نفسها بصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى - لاسيما مع تلويح واشنطن بملفي تايوان والتوتر في بحر الصين الجنوبي.

ويقول مصدر دبلوماسي سابق في بكين – طلب عدم الكشف عن هويته - إن خوض الولايات المتحدة سباقا للتسلح في آسيا والمحيط الهندي مع الصين يعود بالأساس إلى تخوف واشنطن من هيمنة متوقعة لبكين على النظام الدولي خلال عقود، حين تتصاعد القوة الاقتصادية للصين بشكل يضمن لها تفوقا عسكريا وتكنولوجيا تحسمه واشنطن حاليا بفارق كبير.

ويؤكد المصدر، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن هدف واشنطن الحالي هو ضمان إبطاء النمو الصيني وتعطيلها بخلافات حدودية مع دول الجوار في بحر الصين الجنوبي والشرقي، فيما تتخوف الصين من الوجود الأمريكي في المنطقة كون الشرق الصيني يضم كبرى المناطق الصناعية الصينية، واستهدافها من جانب جيرانها في الشرق حال وقوع مواجهة عسكرية كفيلة بـ"إعادتها لـ20 عاما مضت"، وهو ما يجعل تايوان الواقعة في الشرق بمثابة "فزاعة" بالنسبة لبكين، تلوح بها واشنطن من آن لآخر.

وتوقّع المصدر الدبلوماسي استمرار سباق التسلح في آسيا والمحيط الهادئ لسنوات طويلة، وهو ما يشاركه فيه البروفيسور بيتس جيل، والذي يتوقع، في ظل التوتر الحالي بين واشنطن وبكين، ألا تبدأ أي محادثات جادة للحد من التسلح، مؤكدا أن أفضل سيناريو يمكن الوصول له هو "سباق تسلح محكوم".

وعلى المدى البعيد، يعتبر المصدر أنه رغم الفروق الحالية بين الطرفين لصالح واشنطن، لكن الصعود الصيني المتواصل على كافة الأصعدة والحتمية التاريخية تنبئ بـ"أفول" نجم الغرب لصالح الصين، مرجحا أن يُحسم ذلك الصراع خلال فترة بين 20 إلى 50 عاما.