الجمعة 3 مايو 2024

الطرق المختلفة لإنتاج الهيدروجين في الصناعة

مقالات30-8-2021 | 13:14

تعتبر الطاقة مكونا رئيسيا لجميع الأنشطة الحياتية، وتلعب دورا رئيسيا في التنمية الاقتصادية المستدامة لأي دولة.

 بمرور الوقت، تستمر زيادة الطلب على الطاقة في كل قطاع من قطاعات الحياة، وحتى الآن تأتي الطاقة بشكل أساسي من المصادر الأحفورية، ومن المتوقع أن تستمر نسبة مشاركة الوقود الأحفوري بمقدار 78% من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي حتى عام 2040.

لكن آن الأوان للتحول من أنظمة الطاقة المتاحة حاليا إلى أنظمة طاقة صديقة للبيئة وأكثر استدامة وذات موثوقية عالية وبأسعار معقولة، لذلك اتجهت الأنظار إلى الهيدروجين كمصدر من مصادر الطاقة المتجددة.

الهيدروجين فى الطبيعة غالبا ما يكون على شكل جزيئات، ولا يوجد فى صورة غاز منفرد، فهو ثنائى الذرة أحادى التكافؤ له الصيغة الجزيئية H2. غاز الهيدروجين عديم اللون والرائحة والطعم وسريع الاشتعال وغير سام.

على الرغم من وفرة الهيدروجين على الأرض كعنصر، إلا أنه يوجد دائما كجزء من مركب آخر، مثل الماء (H2O) أو الميثان (CH4)، ويجب فصله إلى غاز هيدروجين نقى H2، لاستخدامه فى تخزين الطاقة الكهربائية أو فى إنتاج الكهرباء أو فى تسيير وسائل النقل والانتقال البرية والبحرية.. والهيدروجين له دور أساسى فى أى مجتمع صناعى، حيث أن الهيدروجين ضرورى للعديد من العمليات الصناعية الكيميائية الأساسية.

فى عام 2020، تم إنتاج ما يقرب من 87 مليون طن من الهيدروجين فى جميع أنحاء العالم لاستخدامات مختلفة، مثل تكرير البترول، وإنتاج الأمونيا NH₃، وإنتاج الميثانول CH3OH، والأسمدة، وأيضا كوقود فى وسائل النقل والانتقال.

تأثير العمليات الصناعية لإنتاج الهيدروجين على البيئة أصبحت تحدد مسميات الهيدروجين. أصبحنا الآن نسمع على مسميات للهيدروجين، على سبيل المثال الهيدروجين الرمادى والهيدروجين الأزرق والهيدروجين الأخضر.

الطرق المختلفة والمتاحة حاليا لإنتاج الهيدروجين تعتمد على مصادر الطاقة المتوفرة. هناك ثلاثة مصادر أولية تستخدم للإنتاج التجارى للهيدروجين، وهى الغاز الطبيعى والبترول والفحم، بالإضافة إلى مصدر الطاقة الكهربائية الذى يستخدم فى عمليات التحليل الكهربائى.. ونلاحظ أن التأثير البيئى وكفاءة الطاقة للهيدروجين تعتمد على كيفية إنتاجه.

يهمنى أن أشرح لكم عملية التحليل الكهربائى، ونقول: هى طريقة لفصل العناصر والمركبات المترابطة أو فصل مادة إلى أجزائها عن طريق تمرير تيار كهربائى من خلال ما يسمى إلكتروليت.. الإلكتروليت، سواء كان حمضيا أو قاعديا، هو مادة تحتوى على أيونات حرة، بحيث تتوفر أيوناتها فى السائل (الماء) وهى حاملة للتيار الكهربائى.. إذا لم تكن الأيونات متحركة، كما هو الحال فى الملح الصلب، فلا يمكن أن يحدث التحليل الكهربائى.

التحليل الكهربائى للماء (H2O) يعمل على فصل عنصرى الماء عن بعض، وهما الهيدروجين H والأكسجين O. الماء المقطر نقى وخال من الأملاح. وبالتالى فهو موصل سيئ للغاية للكهرباء بإضافة ملح الطعام العادى (كلوريد الصوديوم NaCl) إلى الماء المقطر، يصبح محلول إلكتروليت قادرا على توصيل الكهرباء. التحليل الكهربائى لكلوريد الصوديوم المائى ينتج الهيدروجين والكلور، مع بقاء هيدروكسيد الصوديوم المائى (الصودا الكاوية NaOH ) فى المحلول.

فى الصناعة وعلى المستوى التجارى العالمى، نجد الغاز الطبيعى والذى يحتوى نسبة عالية من الميثان فى تكوينة، والتى تقدر بأكثر من 70%، هو المسيطر على إنتاج الهيدروجين. فالطريقة الأكثر شيوعا، هى طريقة إعادة تشكيل الميثان بواسطة بخار الماء steam methane reforming (SMR)، عند درجات حرارة عالية تتراوح بين 700-1100 درجة مئوية، فهى الأرخص والأكثر فاعلية، وكفاءتها تتراوح ما بين 65% إلى 75٪.

الناتج من طريقة إعادة تشكيل الميثان بواسطة بخار الماء عبارة عن خليط مكون من الهيدروجين وأول أوكسيد الكربون.  وجود أول أوكسيد الكربون مهم، لأنه مع بخار الماء سوف  يولد هيدروجين إضافى، لكن فى نفس الوقت سوف يتولد ثانى أوكسيد الكربون، وهو عيب هذه الطريقة. ونتيجة تولد ثانى أوكسيد الكربون أثناء إنتاج الهيدروجين، يُطلق على الهيدروجين الناتج أسم الهيدروجين الرمادى.

إذا أمكن عزل والتقاط معظم انبعاثات ثانى أكسيد الكربون الناتج، حتى 90%، أثناء إنتاج الهيدروجين الرمادى وتخزينها، تصبح كميات انبعاثات ثانى أوكسيد الكربون منخفضة جدا، ويُطلق على الهيدروجين الناتج أسم الهيدروجين الأزرق.

هناك طريقة أخرى يستخدم فيها الغاز الطبيعى لإنتاج الهيدروجين، وهى طريقة التحلل الحرارى للميثان Methane pyrolysis. فى هذه الطريقة يتم فصل الهيدروجين فى خطوة واحدة فى وجود معادن منصهرة محفزة. الناتج من هذه الطريقة هيدروجين وكربون صلب قابل للفصل. إنه نهج خال من غازات الاحتباس الحرارى لإنتاج الهيدروجين منخفض التكلفة وكذلك قدرته على التوسع والتشغيل على نطاق واسع. تتم العملية فى درجات حرارة أعلى من 1065 درجة مئوية. يمكن بعد ذلك بيع الكربون الصلب ذو الجودة الصناعية كمادة أولية صناعية، ولا يتم إطلاقه فى الغلاف الجوى ولا يحدث تلوث للمياه الجوفية.

الفحم الحجرى أيضا له دور فى إنتاج الهيدروجين، وذلك عن طريق تحويله إلى الحالة الغازية (تغويز)، وهى الطريقة التى يتم فيها اختزال بخار الماء بالكربون عند درجات حرارة عالية وفى وجود الأكسجين داخل وعاء تغويز مضغوط، وينتج الهيدروجين. تعد هذه الطريقة من الطرق الصناعية لإنتاج غاز الهيدروجين. بنفس الطريقة يمكن تغويز الكتلة الحيوية بدلا من الفحم الحجرى لإنتاج الهيدروجين.

نأتى الآن إلى الهيدروجين الأخضر وهو حديث الساعة ونقول، الاسم يطلق على الهيدروجين الناتج من عمليات صناعية لا ينتج عنها انبعاثات ثانى أوكسيد الكربون، بحيث يكون مصدر الطاقة من مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك تكون طريقة تحضير الهيدروجين لا ينتج منها ثانى أكسيد الكربون، مثل طريقة التحليل الكهربائى للماء.

وهنا نأتى إلى الطريقة المهمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر فى الصناعة وعلى المستوى التجارى العالمى، هى طريقة التحليل الكهربائى للماء Electrolysis of Water، هى عملية تحليل كهربائى لجزيئات الماءH2O ، حيث يتم فصل مكونات الماء، وهى الأكسجينوالهيدروجين H2، وذلك عن طريق تمرير تيار كهربائى فى الوسط المائى. ومع استخدام مصدر طاقة كهربائية لا ينتج عن تشغيله انبعاثات ثانى أوكسيد الكربون، مثل محطات الطاقة الشمسية ومحطات طاقة الرياح، تصبح الدورة الكاملة لإنتاج الهيدروجين خالية من انبعاثات ثانى أوكسيد الكربون.

علاوة على ذلك، يعد التحليل الكهربائى عالى الحرارة high-temperature Electrolysis (HTE) عبر خلايا التحليل الكهربائى للأكسيد الصلب Solid Oxide Electrolysis Cells (SOEC) خيارا واعدا لإنتاج الهيدروجين من الموارد المتجددة.

هناك ثلاث تكنولوجيات رئيسية تستخدم فى التحليل الكهربائى للماء، وهى غشاء الألكتروليت البوليمر الحمضى، والتحليل الكهربائى القلوى، وخلية التحليل الكهربائى للأكسيد الصلب.

الهيدروجين الأخضر يمكن أن يقدم مساهمة مهمة فى تقليل انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، من خلال استخدامه على نطاق واسع فى الصناعة والنقل الثقيل برا وبحرا. فالصناعة مسؤولة عن حوالى 30٪ من هذه الانبعاثات، وقطاع النقل مسؤول عن ما يقرب من 20٪.

هناك كثير من الطرق التى تستخدم لإنتاج الهيدروجين، فيمكن استخدام السوائل المتجددة مثل الإيثانول EtOH لإنتاج الهيدروجين. يعتبر الإيثانول موردا متجددا، حيث يمكن إنتاجه من الكتلة الحيوية دون المساهمة فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى. الإيثانول، مادة أولية جذابة لإنتاج الهيدروجين، وذلك نظرا لمحتواه العالى نسبيا من الهيدروجين، وتوفره، وعدم سميته، وسهولة تخزينه، والأمان فى التعامل معه.. ينتج الهيدروجين من إعادة تشكيل الإيثانول مع بخار الماء عند درجات حرارة عالية.

اليوم أصبحت عملية تخمير المواد العضوية إحدى الطرق لإنتاج الهيدروجين الأخضر، فهناك نظم لإنتاج الهيدروجين قائمة على عملية تخمير المواد العضوية، حيث تقوم الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا بتفكيك المواد العضوية لإنتاج الهيدروجين. يمكن أن تكون المادة العضوية عبارة عن سكريات مكررة، أو من مصادر الكتلة الحيوية الخام مثل مخلفات الذرة، وحتى مياه الصرف الصحى. نظرا لعدم الحاجة إلى ضوء، فإن هذه الطريقة تسمى أحيانا بطريقة "التخمير الداكن".

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، أصبحنا نجد أن الميكروبات لها دور فعال فى إنتاج الهيدروجين الأخضر، فهناك تكنولوجيات حديثة للغاية فى مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر عن طريق الميكروبات، ويعمل الباحثون على تحسينها، من خلال العثور على مواد منخفضة التكلفة، والعثور على أكثر أنواع الميكروبات فاعلية لاستخدامها. هناك خلايا حديثة تسمى خلايا التحليل الكهربائى الميكروبية، هى أجهزة تسخر الطاقة والبروتونات التى تنتجها الميكروبات لتحطيم المواد العضوية، جنبا إلى جنب مع تيار كهربائى صغير إضافى، لإنتاج الهيدروجين.

مرة أخرى نقول، أن غالبية إنتاج الهيدروجين فى الصناعة (95٪) يعتمد على الوقود الأحفورى.  ومن الإحصائيات المنشورة، نجد أن الغاز الطبيعى ومن خلال عملية إعادة التشكيل البخارى للميثان، يلبى حوالى 48٪ من الطلب على الهيدروجين ، ويليه البترول حيث يشارك بنسبة 30٪، ثم الفحم من خلال عملية تغويز الفحم وتشارك بنسبة  18٪، أما طريقة  التحليل الكهربائى للماء فتشارك بنسبة 3.9٪، وهناك طرق أخرى تشارك بنسبة 0.1٪. لا يزال الباحثون والعلماء يبحثون عن مصادر متجددة لإنتاج الهيدروجين على نطاق واسع.

Dr.Randa
Dr.Radwa