صدر حديثا عن دار خطوط وظلال للنشر النسخة العربية لمختارات شعرية بعنوان "الرؤية في ليلة معتمة"، ترجمة دكتور طلعت شاهين. والذي يشير في مقدمته للمختارات إلي: كان الشعر من أوائل الأنواع الأدبية التي أنتجتها أمريكا اللاتينية بعد الغزو الإسباني، لكن البدايات كانت مجرد تقليد للشعر القادم مع المستعمر، تماما كما كانت الفنون الإبداعية الأخرى التي كان المسرح من أهمها، بل بدأت بعض تلك الفنون على أيدي أحفاد الإسبان الغزاة، ومع مرور الوقت تطور الأمر وبدأت الأجيال الجديدة تعرف طريقها إلى إبداع أمريكي لاتيني خالص، على الرغم من وحدة اللغة.
ويضيف "شاهين": ثم كان 1888 عاما فاصلا في تاريخ أدب أمريكا اللاتينية بصدور كتاب "أزرق Azul" للكاتب والشاعر روبين داريو، فقد كان البداية الحقيقية لانفصال الأدب والشعر في أمريكا اللاتينية عن تبعية الشعر في إسبانيا نهائيا، بل إن تأثير هذا الكتاب امتد إلى الأجيال الجديدة التي كانت تكتب الشعر في إسبانيا فتحول التأثير باتجاه معاكس، وتحول الهامش (دول أمريكا اللاتينية) إلى مركز الإبداع والتأثير، فيما تحول المركز القديم (إسبانيا) إلى هامش يتلقى الإبداع القادم عبر المحيط ويتأثر به في جميع مجالات الإبداع وبشكل خاص الرواية والشعر.
وتطور الأبداع الشعري في تلك القارة حتى بلغ العديد من شعرائها القمة، وحصل العديد منهم على جائزة نوبل الآداب بداية من الشاعرة التشيلية "جابرييلا ميسترال" التي حصلت عليها عام 1945 وتبعها تشيلي الآخر "بابلو نيرودا" أو المكسيكي "أوكتافيو باث" الذي حصل عليها عام 1990، وهنا نتحدث عن الشعراء من تلك البلاد لأن عددا آخر من مبدعيهم في مجال النثر فاز بتلك الجائزة العالمية، كما فاز عدد كبير من شعراء تلك القارة بجائزة "ثرفانتيس" التي تمنحها الأكاديمية الإسبانية لأفضل الكتاب الناطقين باللغة الإسبانية، والتي يعتبرونها بمثابة جائزة نوبل للأدب المكتوب بتلك اللغة.
ربما كانت الرقعة الجغرافية الواسعة التي تمتد عليها أمريكا اللاتينية كقارة، وما يعني ذلك من تنوع في نطق اللغة وكتابتها إضافة إلى التأثيرات المحلية الخاصة بكل منطقة أثرها في تعدد مشارب مبدعيها وموضوعاتهم وطريقتهم في تناول تلك الموضوعات حتى أصبح التعامل مع كل إنتاج أمريكا اللاتينية الشعري بشكل جمعي صعبا للغاية. من هنا تأتي أهمية هذه المختارات التي يقدمها هذا الكتاب الذي يحمل عنوانا دالا مأخوذا من عنوان قصيدة للقس الثائر المعروف الشاعر ارنستو كاردينال، وتضم هذه المختارات أشعارا أبدعها شعراء وشاعرات تلك القارة المتسعة منذ القرن السابع عشر وحتى وقتنا الراهن.