يطلق المؤرخون وعلماء الآثار، على منطقة الفسطاط، "عاصمة مصر الإسلامية"، نسبة للسبب الذي أنشأت له، فقد أنشأها عمرو بن العاص، بعد أن فتح مصر، لأجل أن تكون عاصمة مصر، وعند سماع حديث المؤرخين، تعرف عظمة المدينة لما تحويه من تاريخ، وحضارات أقيمت عليها، أو بجوارها، فهي مجمع الأديان، ومنبع الثقافة، وبوابة اللغة العربية إلى أفريقيا.
ويجاور مدينة الحضارة، أقدم حضارة عرفتها مصر، وهي حضارة منف، التي امتدت لمصر القديمة، حسبما وصف الدكتور جمال عبد الرحيم، أستاذ الآثار الإسلامية، والقبطية بجامعة القاهرة.
أنشأها عمرو بن العاص
يقول الدكتور جمال عبدالرحيم، أستاذ الآثار الإسلامية، والقبطية بجامعة القاهرة، إن مدينة الفسطاط أنشأها عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، بعد أن فتح مصر في عام 642 ميلادي، موضحًا أن الكل يذكر التاريخ خطأ حيث أنهم يذكرون أنه أنشأها بعد بعد أن فتح مصر في 641 ميلادية، إلا أن ذلك خطأ تاريخي.
ويوضح أستاذ الآثار الإسلامية لـ«دار الهلال»، أن التاريخ السابق هو تاريخ فتح عمرو بن العاص للإسكندرية، وهي العاصمة في ذلك الوقت، أما حينما أراد أن يبني عاصمة ويبني جامع – جامع عمرو بن العاص- أنشأ الفسطاط كعاصمة إسلامية في 642 ميلادية، الموافق 21 هجرية، وبعد أن قام ببناء العاصمة، قام ببناء الجامع في نفس العام.
ويتابع الدكتور جمال، أن جامع عمرو بن العاص هو أقدم جامع في أفريقيا، وكان الغرض منه نشر الإسلام وتعاليمه، موضحًا أن مدينة الفسطاط هي التي شاهدت انتشار اللغة العربية في مصر.
هجرة القبائل العربية الكبرى وبداية ظهور التعريب
وبعد أن أنشأ عمرو بن العاص المدينة وأصبح الجند القادمون معه من شبه الجزيرة العربية، جزء من مصر حيث أنها أصبحت ولاية إسلامية، أرسلوا لأهاليهم، للسكن معهم في مصر، وهو ما يسمى في التاريخ الإسلامي "هجرة القبائل العربية المبكرة إلى مصر"، حسبما يشير الدكتور جمال.
ويفيد أن كثيرًا من القبائل العربية جاءت من الجزيرة العربية واستقرت في الفسطاط، حول جامع عمرو بن العاص، الأمر الذي أدى إلى ظهور التعريب، فقد كان أهل مصر يتحدثون اللغة القبطية، بعد دخول أهالي الجزيرة العربية إلى مصر، واختلاطهم بالأقباط، بدأت تظهر بينهم حياة اجتماعيه، من خلال التجارة والمعيشة التي تمت ما بين المصريين الأقباط، والعرب المسلمين، والزواج حيث كان يسمح بزواج المسلم من القبطية وليس العكس، وذلك نتج عن انتشار الأسواق في الفسطاط، وبانتشار التجارة بها وأصبحت مركزًا تجاريًا كبير ومن ذلك بدأت حركة التعريب.
نشر اللغة العربية من الفسطاط إلى أفريقيا
ويشير الدكتور جمال عبدالرحيم، إلى أنه بدأت تنتشر اللغة العربية في كل شمال أفريقيا، من مدينة الفسفاط بمصر، وذلك لأنه بعد استقرار الدولة وهدوءها، بدأت الجيوش الإسلامية الخروج من الفسطاط متوجهة إلى المغرب العربي، إلى بلاد تونس، ورويدًا رويدًا، كل تلك المنطقة أصبحت تابعة للخلافة الإسلامية التي كان مقرها في المدينة المنورة.
الفسطاط بجوار حضارة «منف»
وأقيمت الفسطاط بجوار أقدم الحضارات في مصر وهي حضارة «منف»، حسبما يوضح أستاذ الأثار، ويفيد أن تلك الحضارة وصل امتدادها لمصر القديمة، وكذا كانت «المنف» الحضارة اليونانية ومن ثم الرومانية، كما يوجد في مصر القديمة أقدم حصن وهو حصن بابليون، وبذلك تكون مدينة الفسطاط قد أقيمت بشمال شرق حصن بابليون وهو الحصن الروماني.
ويوضح أنه عندما انتشر الإسلام أطلقت حرية الأديان، فقد كان في مصر الثلاث أديان، الأولى هي الديانة الإسلامية، أما الثانية فهم الإخوة الأقباط المصريين، وكذا المصري اليهودي، ولهذا فقد انتشر في مصر القديمة وبجوار مدينة الفسطاط بصفة خاصة، أماكن العبادة الثلاثة، وهم مسجد سيدنا عمرو بن العاص، مجمع الكنائس، والمعبد اليهودي "بن عزرا"، ولهذا فإن أهمية الفسطاط في أنها ملتقى الأديان الثلاثة.
متحف الحضارة وتطوير العشوائيات
وتكلل كل ما سبق بالنجاح الباهر الذي شاهده العالم بأثره، وافتتاح المتحف المصري للحضارة، الذي يعطى للمنطقة بانوراما فنية ومعمارية رائعة، ولهذا كان لابد من تطوير وتطهير، حي مصر القديمة وخاصة الفسطاط من العشوائيات، سواء كانت عزب من الصفيح، وبيوت مبنيه من الطوب بطريقة عشوائية، وسرقة تيار كهربائي، ومياه، حسب قول الدكتور جمال.
ويفيد أن الرئيس السيسي طهر كل ذلك وبدأت تلك العشوائيات تزال تمامًا، من خلال نقلهم إلى مناطق مطورة ذات مستوى معيشي مرتفع، في المدن الجديدة التي بناها خصيصًا لهم.
إبراز الوجه الحضاري للفسطاط
ويشير إلى أن التطوير الذي يحدث هو إبراز الوجه الحضاري لمدينة الفسطاط لما كانت عليه أيام القرون الأولى من الإسلام، حيث أنها كانت مركز حضاري وتجاري، من خلال انتشار اللغة، وخروج الجيوش منها لشمال أفريقيا، مما يجعل الاهتمام بها أولية الدولة، وتطويرها سواء من البنية التحتية، أو الفوقية، وعمل المنشآت الخدمية التي تخدم وبنفس الوقت تجذب العرب والمصريين والأجانب، للاتجاه إلى مدينة الفسطاط.
ويؤكد أن كل جنسيات العالم تحب أن تزور مدينة الفسطاط، سواء عرب، أوروبيين، أو أمريكانيين، وغيرهم، لأن تلك المنطقة تهم الجميع، حيث أن فيها المجمع الديني الضخم الذي لا تجده في أي مكان بالعالم.
ويضيف أن التطوير سيكون على الطراز المعماري الإسلامي، من العقود والأعمدة والأسقف العالية، وذلك لأن من يعملون عليه مهندسين متخصصين في العمارة والفنون الإسلامية، مما سيجعل السياح يدخلون المنطقة من أجل التنزه والثقافة كذلك، وليس التنزه فقط.