الجمعة 17 مايو 2024

الشيخ الشعراوى مخاطباً الرئيس..

24-5-2017 | 12:41

بقلم – حمدى رزق

 

«إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل».

طافت بذهنى مأثورة إمام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوى، وأنا أتهيأ للكتابة عن ثلاثة أعوام مرت على ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسى فى حكم مصر، نعم، إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، ونرجو من الله تعالى لك توفيقا وصلاحا وسدادا، كما قلت سابقا وقال آخرون محبون مؤيدون ومعارضون، ليس لدينا رفاهية فشل السيسى، وإلا أصبحنا فى عداد الدول الفاشلة، ربنا لا تحكم علينا بالفشل وأنت أرحم الراحمين.

 

 وما توفيقى إلا بالله، فليوفقك الله إلى ما يحبه ويرضاه لهذا الشعب الذى لم يرتض ذلا ولا هوانا، ولا صمت على ضيم، ولا خانوا أنفسهم فى المضاجع الإخوانية، ولم يقبلوا يد المرشد سمعا وطاعة، واختاروا جيشهم نصيرا ومعينا على حكم جماعة خرجت على الوطن قتلا وتخريبا.

اختارت الجماهير جيشها، ومن بين أبنائه اختاروا وزير الدفاع رئيسًا، وفوضوه، ولا يزال هو يقر بهذا الفضل، ولايعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل، والشعب صاحب الفضل، اختار رئيسه ومعه اختار طريقا، خارطة الطريق، أملا فى غد أفضل، فإن كان اليوم عسرا، فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا، وهذا تأكيد من رب العالمين يبشر الصابرين باليسر، جعلها الله يسرا بعد عسر.

فى خطابه المعلن يستبطن الرئيس فضل هذا الشعب عليه، رضوخا لإرادته، ودوما يذكر بأن الشعب صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وإذا كان له رأى مجافٍ رافض، فلن يقعد فى مكانه ثانية واحدة، وهذا إقرار بالفضل لأهل الفضل.

وعليه فالشعب فى الأخير هو الحكم على الرئيس، لا ولاية على شعب مصر سوى ضمائر أهلها وما استبطنوه، رئيس مصر يختاره شعب مصر، لن يُفرض على المصريين رئيس، ولن يفرض الرئيس نفسه على الشعب، الشعب هو من يختار، ويقرر، والقدر تحدده سلفا السماء، وتقدرون وتقدر الأقدار، لا الأقطار.

 فإذا كنت قدرنا فليوفقك الله فيما تبقى لكم فى حكم مصر، توفيقا يرضى عنه الشعب، ويتبناه، ويقف منه موقفا حكيما، ويقدر العواقب، ويستلهم الصواب، ويقرر المصلحة العامة التى تجب المصالح والمطامع الشخصية التى تلوث الأجواء بسناج صدورهم وما ينفثون من كلام كوسخ الودان، مصنوع فى أقبيتهم المسحورة التى تتوفر عليها استخبارات عاتية، ودول تستبطن تركيع الوطن، وتنفق على مخططات الهدم والتخريب والتشويه والإحباط إنفاق من لايخشى الفقر.

وكَأَنَّ إمام الدعاة فى قبره ترك لنا حكمة تجوز على ما تلاه من زمان، فإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل تبعات حكم شعب فى أمة، شعب يملك تاريخا تليدا ويملك حاضرا مؤلما، ويهفو إلى مستقبل واعد، فالرئيس حمل قدره على كفه يوم قرر إزالة الاحتلال الإخوانى؛ نزولا على رغبة الشعب المصرى المحتشد فى الميادين، وإن أنكروا، الإخوان والتابعون، الحشود وهم يعلمون، فهم كمن ينكر الشمس فى رابعة النهار كذبا مفضوحا.

 قدره أن يكون فى هذا الموقف العصيب، وكما قال حافظ إبراهيم وتغنت كوكب الشرق أم كلثوم: « نحن نجتاز موقفًا تعثر الآراء فــيه وعثرة الــــرأى تردى، فقفوا فيه وقفة الحزم وارسوا جانبيه بعزمة المســــتعد »، قدر الرئيس أن يقود مصر فى معركة البقاء والمصير.

تكالبت الأكلة على مصر تكالبها على قصعتها، مصر تقف واجفة من خراب يعتور المنطقة، صور محزنة لأطلال دول، فى سورية والعراق واليمن وليبيا، وأشلاء جيوش متناحرة، وجماعات مسعورة أطلقتها استخبارات عالمية لنهش جثة الوطن العربى المريض، ومخططات أجنبية تتولاها وكالات محلية لتفكيك ماتبقى من منعة وطنية، وحروب مذهبية وطائفية، ومجاعات وأوبئة وأمراض تصك صراخاتها الأذان من جوبا جنوبا إلى عدن إلى درعا فى الشمال.

وكان لازما عليه وواجبا مقدسا، أن يحمى حدود مصر بجيش مكتمل العتاد، مزود بأحدث الآليات، بجاهزية قتالية تحتمها احتمالات مخيفة باتت تهدد الوجود المصرى فى عمقه وأمنه القومى، جنوبا من حيث ينبع النهر بإذن الله، وشرقا حيث تتمركز داعش، وغربا فى ليبيا حيث الحدود المفتوحة على مختلف الاحتمالات، وشمالا حيث يغص المتوسط بالأساطيل الغربية التى تتلمظ بالسواحل إن غفل حراس الحدود عن الحدود، بارك الله فى حراس الحدود، إخوة عبد الودود اللى رابض على الحدود.

السيسى ولسنوات ثلاث طوال، مرت وكأنها دهر من السنين يقود سفينة قديمة، ماكيناتها عتيقة، قبعت طويلا فى ميناء السلامة، فإذ فجأة صارت فى قلب اليم الهائج، وتضرب جوانبها الأمواج العالية، فركز جل اهتمامه ألا تضيع السفينة فى الطوفان، يستنقذها جيش واعر فى ساحات الوغى هادر، مستبطن الأمانة التى حملها إياه شعب يرسم جنوده فى العيون سمر الوجوه شجعانا.

ورث اقتصادا مريضا، وخدمات متردية، وموازنة متعبة، وقدرات نهوض مهيضة، وإحباطات خلفتها انكسارات تغلفها تثبيطات من ذوى القلوب المريضة، وفوضى ما بعد الثورات، عينه وعبادته لملمة جراح الوطن، وجمع ما افترق بين الناس، وشحذ ما أحبط من همم، وكما قال عمنا طيب الذكر سيد حجاب: « من انكسار الروح فى دوح الوطن، يجى احتضار الشوق فى سجن البدن».

نعم ومن اختمار الحلم يجى النهار، وجانا نهار، حلم بنهار، حلم بمصر قد الدنيا، وصرح بحلمه وعمل عليه، ولا يزال يطارد حلمه، ويحشد المصريين عليه، والعبرة كما يقولون بالخواتيم، والرئيس يعد بكشف حساب فى نهاية الولاية الرئاسية، كشف حساب ما أنجز وما هو قيد الإنجاز، ما نجح فيه وما أخفق فيه، وما يذهب إليه مدفوعا بالتفاف الشعب، فإذا ارتأى الشعب بديلا، الحكم للشعب مشفوعا بتوفيق الله سبحانه وتعالى.

إمام الدعاة حكم القدر فى الأمر، وكان حكيما، وقدر مصر أن يحكمها السيسى فى هذه الولاية التى تذهب إلى نهايتها بعد عام من الآن، وقدر السيسى أن يكون رئيسًا لمصر فى مرحلة هى الأصعب تاريخيا، ولا نملك سوى ترديد الدعاء وراء إمام الدعاة: « إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل».. فليوفقه الله إلى ما يحبه سبحانه ويرضاه لنا شعب الطيبين الصابرين.