إذا كنا بصدد الحديث فى هذا العدد عن ثلاث سنوات مضت من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، فليس من الممكن أن نمر مرور الكرام على المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء.. الرجل الذى عليه عبء إدارة دولاب الدولة اليومى، ذلك الدولاب الذى بدا شديد التعقيد فى السنوات الماضية، فاستحق شريف إسماعيل بحسن إدارته لجهاز الدولة هذا.. تلك الإشادة التى أشادها به الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى ساند شريف إسماعيل وحكومته طوال الوقت وتمسك بإسماعيل رئيسًا للوزراء برغم إجراء تغييرات سابقة لحكومته.
وسأعود بالذاكرة إلى الوراء.. تعرفت إلى المهندس شريف إسماعيل منذ كان وكيلًا لوزارة البترول، وتدرج فى عمله رئيسًا للشركة القابضة للغاز، ثم رئيسًا لشركة جنوب الوادى للبترول.. ثم وزيرًا للبترول، تعرفت إليه كمحرر مختص بالبترول فى «المصور» ولمست فيه قدرة خاصة على الإدارة، وقدرة خاصة على التخطيط، وعرفت فيه هدوءه وصمته ثم قدرته - من خلال هذا الهدوء والصمت - على التفكير السريع المنضبط وصولًا إلى اتخاذ القرار المناسب فى موضعه المناسب فى وقته المناسب.
ترك المهندس شريف إسماعيل بصمات متعددة فى قطاع البترول خلال الفترة التى شهدت توليه منصب وزير البترول.. ولا سيما فى صناعة الغاز، وتوج فترته كوزير للبترول بكشف (ظهر) الذى قلب الموازين حين أعلن عنه نظرًا لضخامته.. وهو الكشف الذى يراهن عليه القطاع حتى الآن فى اكتفاء مصر ذاتيًا من الغاز.
ومن نجاحه وزيرًا للبترول إلى توليه منصب رئيس الوزراء.. كان هذا المنصب فى الماضى البعيد - أيام الحضارة العربية الإسلامية - يسمى (صاحب الدولة)، وهو لقب معبر عن حقيقة الحال.. فرئيس الوزراء هو الذى يدبر كل شيء فى دولاب الدولة، وهو المسئول أمام رئيس الدولة عن كل نجاح وعن كل إخفاق.. شريف إسماعيل هو المسئول أمام الرئيس السيسى، وهو المسئول أمام الشعب المصرى، وهو المسئول أمام البرلمان بالطبع.
حمل ثقيل، ارتضى المهندس الهادئ الصبور الصامت الذكى (شريف إسماعيل) تحمله فى هذا التوقيت الصعب.. تزداد صعوبة قبوله للمنصب إذا وضعنا فى الاعتبار أنه أتى خلفًا للمهندس إبراهيم محلب النشيط المتحرك صاحب الشعبية وصاحب الإنجازات أيضًا.. لكن المهندس شريف إسماعيل حسم أمره قبل عامين وقبل هذا المنصب بما له وما عليه.. وكلاهما لا يستهان به!.
أدرك المهندس شريف إسماعيل منذ اللحظة الأولى أنه يعمل مع رئيس اسمه عبدالفتاح السيسى، وهذا معناه أنه يعمل مع رجل شديد الانضباط شديد الحرص على تحقيق الإنجاز، شديد الدقة فى توقيتاته وقراراته ليس من السهل العمل مع رجل مثل عبدالفتاح السيسى, العمل إلى جواره يتطلب إخلاصا واجتهادا غير عاديين, ويتطلب (فدائية) فى بعض الأحيان, وشجاعة فى كل الأحيان.. فالسيسى قرر منذ بداية حكمه أن يواجه المشاكل الأساسية لمصر فى شكل جذرى, فتصدى السيسى لقضية (سعر صرف الجنيه) وإصلاح الاقتصاد المصرى بما يترتب على هذا من أعباء اقتصادية لم يكن المصريون يتوقعونها, ووجه المصريون انتقاداتهم مباشرة إلى شريف إسماعيل.. لكن الرجل الهادئ الصبور واجه كل ذلك فى هدوئه وصبره المعتادين, مؤمنا بأن مصر دولة ديمقراطية يحق للمواطن فيها قول ما يشاء.. على العكس, كثف شريف إسماعيل عمله وأصبح (محترفًا) إذا جاز التعبير لواجبات المنصب مع زيادة الانتقادات لأداء حكومته.. ولمس فيه الرئيس السيسى هذا الإصرار, فتمسك به رئيسا للوزراء, وجدد عناصر فى حكومته مع استمراره على رأس هذه الحكومة.
لقد وقع تجانس بين الرئيس السيسى وبين المهندس شريف إسماعيل.. وهو التجانس الذى ظهر واضحا فى أداء الدولة المصرية خلال الفترة الماضية.. وهناك لغة مشتركة أراها واضحة بين الرئيس وبين شريف إسماعيل رئيس حكومة الرئيس.
والتجربة أثبتت أن شريف إسماعيل رجل على قدر المسئولية، يعمل فى إخلاص، اجتهاد، يفضل الصمت، ويبتعد عن الشو الإعلامى ويعمل فى ظروف بالغة الصعوبة سواء اقتصاديًا أو سياسيًا.. فالبلد فى حال حرب مستمرة على الإرهاب، والأسعار فى ارتفاع مستمر، والحالة الاقتصادية تحتاج إلى فيض من الاستثمارات، والاستثمارات تحتاج إلى تأهيل وبنية أساسية، والبنية الأساسية تحتاج إلى تمويل.. ولو كان شريف إسماعيل يؤثر السلامة لما قرر قبول هذه المسئولية شديدة التعقيد، لكنه أثبت جدارة فائقة فى تحمل العبء على مدار فترة حكومته الحالية.
وبقى القول أن على هذه الحكومة مواجهة موجة الغلاء الفاحش التى تضرب الأسواق، والانتصار للغلابة وللطبقة الوسطى، وضرب الاحتكارات فى مقتل، ومواصلة الحرب على الفساد، والنهوض بدولاب العمل فى الدولة المصرية، لكى تضع قدميها على الطريق نحو التقدم الحاسم.
أرجو أن يوفق المهندس شريف إسماعيل فى هذه المهام الصعبة، ومن داخلى أتمنى له كل التوفيق والقدرة على المزيد من الصبر والتحمل من أجل مصر..!