الجمعة 24 يناير 2025

السيسى.. عام الحصاد

  • 24-5-2017 | 14:01

طباعة

بقلم: محمد الشافعى

ثلاثة أعوام مرت.. وعام يتبقى.. وقرار منتظر.. وكشف حساب لابد أن ينشر.. فلم يبق إلا عام واحد على نهاية الولاية الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسى.. والمصريون كل المصريين في انتظار قرار الرئيس بخوض انتخابات الولاية الثانية.. وتؤكد كل المؤشرات بأن الرئيس سيعلن قراره في وقت قريب.. إن لم يكن قريباً جداً.

 

وإذا ما استبعدنا الإخوان ومن لف لفهم - لأنهم سيظلون في عداء مع كل المصريين وخاصة عبدالفتاح السيسى - لوجدنا أن شعبية الرئيس قد تراجعت من الإجماع إلى الأغلبية.. حيث بدأ السيسى فترة حكمه بتأييد كاسح من كل قطاعات الشعب.. ذلك التأييد الذي لم يحصل عليه الزعيم جمال عبدالناصر إلا بعد رحلة طويلة من الإنجازات المنحازة للشعب.. ولكن الأزمة الاقتصادية وانفلات الأسعار.. وارتباك الأداء الحكومى.. والذي لم يجد أمامه إلا الغلابة لكى «يعصرهم» كل هذا أدى إلى تحول الإجماع إلى أغلبية.. مما دفع الرئيس إلى الحديث مرات كثيرة عن صبر المصريين وتحملهم وصمتهم المتألم..

وكل هذا يضع على كاهل الرئيس.. مسؤوليات ضخمة وثقيلة.. لابد من إنجازها خلال العام المتبقى من ولايته الأولى.. وعلى كل الراغبين في استمرار السيسى لولاية جديدة أن يساعدوه إما بتقديم أفكار جديدة.. وإما بمضاعفة العمل في كل المجالات.. وفي هذا الإطار يمكننا أن نرصد بعض ملامح ما يجب أن يتحقق في الأشهر القادمة.. حتى يتحول العام المتبقى إلى «عام الحصاد» فيه «يغاث الناس».. بعد أن كاد طوفان الأسعار يغرقهم.. وكلمة السر في كل ما سنطرحه تكمن في «التوازن»

أولاً: على الرئيس أن يصل إلى «نقطة التوازن العبقرى» ما بين إنجاز الحجر.. والإنجاز للبشر.. فمن المؤكد أن الإنجازات التي تحققت في الإنشاءات والطرق شىء عظيم.. سيمتد أثره إلى أجيال كثيرة قادمة.. ولكن الأعظم أن نرى انعكاسات هذه الإنجازات.. على البشر في الوقت الراهن.. فالغالبية العظمى من المصريين لن تذهب إلى العاصمة الإدارية.. حتى ولو للزيارة.. وربما لن تسير على الشبكة العملاقة للطرق.. ولكنها فقط تبحث عن الحد الأدنى من الحياة الكريمة.. والذي يتلخص في سكن بسيط وآمن.. وطعام بسيط يساعد على العمل والاجتهاد.. وخدمات تعليمية وصحية تحفظ الكرامة.. ومواصلات عامة تحفظ الآدمية.. وكل هذه الأشياء من أبجديات حقوق الإنسان.. فهل سيأتى الرئيس بحكومة تمتلك الأفكار والقدرة لتحقيق هذه المطالب البسيطة.. لكى يشعر الشعب كل الشعب.. بالإنجازات التي تحققت في مجالات البنية التحتية.. والمشروعات العملاقة.

ثانياً: على الرئيس السيسى أن يصل إلى «نقطة التوازن العبقرى».. بين «العشم في الغلابة»..و «أخذ حق الدولة» من الأغنياء.. فقد استجاب الغلابة لدعوات الرئيس بترك الفكة.. وتبرع لمصر بجنيه.. وآخرها توفير رغيف من الاستهلاك اليومى.. وتبرع كل موظف بجنيه شهرياً.. بينما لم يستجب الأغنياء لنداءات الرئيس المتكررة.. بدعم صندوق تحيا مصر.. ليصل رصيده إلى مائة مليار دولار.. وبعد مرور ثلاث سنوات مازال الرئيس يتعامل مع هؤلاء الأغنياء باللين والحسنى.

ونحن بالطبع لا نطالب بمعاملتهم بالقسوة والعنف.. ولكن نطالب بمعاملتهم بالقانون.. فالدستور ينص على وجوب الضريبة التصاعدية.. تلك الضريبة المطبقة في النظامين الرأسمالى والاشتراكى.. بل تصل في بعض الدول الرأسمالية إلى أكثر من ٦٥٪.. والغريب أن كل أغنياء مصر إن لم يكن كلهم.. قد حققوا ثرواتهم من خلال السيطرة على أراضي الدولة «بتراب الفلوس».. ثم الحصول على أموال الغلابة المودعة في البنوك.. لإنشاء مشروعاتهم العملاقة.. أي أنهم قد أخذوا أرض الشعب وأمواله.. وحققوا المليارات.. ثم يرفضون الاستجابة لنداءات الرئيس.. فهل يستطيع الرئيس خلال العام المتبقى من ولايته الأولى.. أن يسترد بالقانون والدستور حقوق الدولة من هؤلاء الأثرياء؟

ثالثاً: على الأثرياء أن يصل إلى «نقطة التوازن العبقرى» بين مستوى أسعار السلع والخدمات.. ومستوى أجور الغالبية العظمى من المواطنين.. فلا يوجد في مصر من يرفض أن ترتفع أسعار السلع والخدمات إلى المستوى العالمى.. على أن يكون ذلك مشروطاً بأن تكون الأجور هي الأخرى في المستوى العالمى.. مع الأخذ في الاعتبار أن تلك المشروعات يتم إنشاؤها من عرق وجهد العمال والفلاحين والموظفين.. في كل هيئات ومؤسسات الدولة.. وأيضا من حصيلة الضرائب التي تستقطع من هؤلاء الغلابة.. بما يعنى أنهم أصحاب ملكية حقيقية في تلك المشروعات.. فالمواطن يعمل بالقدر الذي يتيحه نظام العمل.. ويدفع ضرائبه.. ويتبقى على الحكومة أن تعمل على تعظيم المنتج النهائى.. لكل العاملين في الدولة.. وأن تحسن استثمار ما يملكه الوطن من خامات.. لتحقيق أقصى عائد ممكن.. ليستفيد المواطن الغلبان والوطن بكامله.. فالحكومات المحترمة لاتقف مهمتها عند حدود «الجباية».. خاصة أننا تعلمنا في قرانا أن «التشافيط ما بتملاش قرب».. ولكن مهمة الحكومات خلق فرص العمل وتعظيم العائد منها.

رابعاً: على الرئيس أن يصل إلى نقطة «التوازن العبقرى» بين اقتصاد الريع واقتصاد الإنتاج.. فاقتصاد الريع مثل السياحة.. وعوائد قناة السويس.. يتأثر سريعاً وكثيراً بأى حادث أو عارض مثلما حدث مع السياحة، بعد حادث الطائرة الروسية.. ومقتل الباحث الإيطالى ريجينى.. بينما اقتصاد الإنتاج.. يؤسس لقواعد صلبة يقوم عليها.. بما يجعله يصمد أمام الحوادث والطوارئ.. وعلينا أن نستلهم التجربة المصرية خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى.. حيث استطعنا تحقيق الاكتفاء الذاتى في كثير من احتياجاتنا.. بل واستطعنا أيضا تصدير الكثير من منتجاتنا إلى دول العالم المختلفة.. ومن المؤكد أن اقتصاد الإنتاج سيعمل على «فرملة» سياسة الاقتراض التي تمددت بأكثر مما يجب.. مما سيؤثر حتما على مستقبل الأجيال القادمة.. والتي ستجنى «الثمار المرة» لما نزرعه الآن.. واقتصاد الإنتاج يحتاج إلى وضع إستراتيجية واضحة المعالم.. تعمل على استثمار ما لدينا من قدرات ومقدرات.. وهي كثيرة جداً.

فهل نشهد ميلاد هذه الاستراتيجية خلال العام القادم؟

خامساً: على الرئيس أن يصل إلى «نقطة التوازن العبقرى» بين التنمية «الصناعية والزراعية».. والتنمية العقارية.. وذلك لأن التوسع في الإنشاءات العقارية.. غير مأمون العواقب.. ولعل ما حدث خلال عامى ٢٠٠٨، ٢٠٠٩ واشتهر باسم «الفقاعة العقارية» وأدى إلى أزمة طاحنة في الاقتصاد العالمى.. يعطينا درساً شديد البلاغة.. خشية أن نتعرض - لا قدر الله - إلى ذات المأزق..

بينما التنمية الزراعية والصناعية.. أكثر أمنا.. وأكثر قدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتى في كثير من متطلبات الحياة اليومية،، ورغم أحاديث الرئيس الكثيرة.. وسعيه الدائم لإحداث هذه النوعية من التنمية.. إلا أننا وبعد مرور ثلاث سنوات.. لم نصل إلى الإنجاز الذي يرضينا أو يرضى الرئيس.. مما دفعه إلى الإشارة إلى تعطيل مشروع المليون ونصف المليون فدان.. بسبب النزاعات بين وزارتى الرى والزراعة.. وبعيداً عن هذا المشروع المهم هناك ٦٢٠ ألف فدان جاهزة للزراعة على ترعة السلام بسيناء.. وللأسف الشديد توقف المشروع نتيجة الضغوط الصهيو أمريكية على الرئيس الأسبق حسنى مبارك.. فهل يستطيع الرئيس خلال العام المتبقى من ولايته الأولى أن يدفع الحكومة لرسم خريطة واضحة المعالم تحقق قفزة عملاقة في مجال التنمية الصناعية والزراعية؟

سادساً: على الرئيس أن يصل إلى «نقطة التوازن العبقرى» بين متطلبات الأمن العام.. وحرية الرأى والتعبير.. فكثير من الدوائر داخل مجلس النواب والحكومة.. أصبحت تضيق بأى رأى مخالف.. رغم أننا جميعا يجب أن نشجع ونحتفي بكل مخالف أو معارض.. طالما ينطلق في آرائه من أرضية وطنية.. لا تبتغى إلا وجه الله والوطن.. ومنذ أيام قليلة استقبل الشيخ محمد بن زايد نائب رئيس دولة الإمارات اللجنة العلمية لجائزة الشيخ زايد والفائزين بها.. وكرر عليهم أكثر من مرة «انتقدونا لنتطور».. وهو قول مأخوذ مما قاله الفاروق عمر بن الخطاب «رحم الله امرءا أهدى إلى عيوبى».. فبعض تلك الدوائر التي تضيق بالرأى المخالف وتتعامل على طريقة «حب الدببة».. وترفض قبول بعض الاختلافات حول بعض السياسات بينما المختلفون أنفسهم يرون أن تأييد الرئيس.. في أهدافه الوطنية أمر واجب وحتمى.. مثل محاربة الإرهاب.. ومواجهة مؤامرات الخارج ضد مصر.. إلخ.. والغريب أن الرئيس نفسه يقبل بالنقد.. ويرد على التساؤلات والاستفسارات في كل لقاءاته.. ولذلك لابد أن تصل رسالة مباشرة من الرئيس.. إلى الذين يريدون التضييق على حرية الرأى والتعبير.. يخبرهم فيها أن تجاوزات الحرية المسؤولة مقدور عليها.. بينما مخاطر الكبت والتضييق غير مأمونة العواقب.

سابعاً: على الرئيس أن يقف عند نقطة التوازن.. داخل «المثلث العبقرى».. والذي تتكون أضلاعه من «شرعية الإنجاز».. و«العدالة الاجتماعية»..و»الثقافة المستنيرة».. ومن المؤكد أن الرئيس السيسى يمتلك «شرعية الإنجاز».. والتي ينقصها فقط أن تنحاز للغالبية العظمى من البسطاء والغلابة.. وهذا الانحياز هو الذي سيحقق الضلع الثانى من المثلث العبقرى.. أي «العدالة الاجتماعية».. تلك العدالة التي مثلت العمود الفقرى.. لمشروع الزعيم جمال عبدالناصر.. وحافظت على قوام المجتمع المصري.. ذلك القوام الذي تهشم بعد الانفتاح والخصخصة.. والسياسات الاقتصادية المرتبكة والمربكة.. والتي أدت إلى انفجار بركان الأسعار الذي أحرق غالبية المصريين.. ويتبقى الضلع الثالث وربما يكون الأهم.. حيث نحتاج إلى إستراتيجية واضحة المعالم للثقافة المصرية.. تعمل على إعادة الدور المحورى والحيوى.. للقوى الناعمة على كافة الأصعدة.. محلياً وعربياً وإقليميا ودولياً.. وفى النهاية ومن موقف المؤيد والمحب وأتمنى على الرئيس السيسى أن يستكمل «الروشتة الإلهية» الموجودة في سورة قريش.. والتي تقول «الذي أطمعهم من جوع وآمنهم من خوف».. فالجيش المصري العظيم.. يقوم بجهد خارق لتحقيق أقصى درجات الأمن والأمان للوطن والمواطن.. ويتبقى الجزء الأول من الروشتة.. والذي لن يتحقق إلا بسياسات اقتصادية.. تهدف إلى الحفاظ على إنسانية المصريين وكرامتهم.. وتجعل من العام القادم «عام الحصاد» للرئيس السيسى ولكل المصريين.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة