الخميس 16 مايو 2024

«خطوات جادة على مسار صعب»

24-5-2017 | 14:26

بقلم: سفير د. محمد حجازى

بشكل موضوعى ومنصف يمكن وصف سنوات الحكم الأولى للرئيس السيسى ومرحلة ما بعد ثورة ٣٠ يونيو، بأنها من أصعب المراحل التى يمكن أن يمر بها نظام سياسي، والأصعب هو أن تسعى لتحقيق برنامج وطنى سياسى واقتصادى وبناء قدرات تنموية وبنى تحتية ودرع عسكرية واقية واستعادة الأمن والاستقرار الداخلى فى الوقت الذى كان فيه الداخل مهدداً بفعل قوى داخلية وإقليمية تدعم نشاطًا إرهابياً مسلحاً فى الداخل وفى سيناء وتمارس ضغوطاً ودعايات إعلامية هدامة ومغرضة طول الوقت ومحرضة داخلياً وخارجياً على مصر وقيادتها السياسية.

ويتواكب مع هذا المشهد الداخلى المعقد مشهد إقليمى تتصارع فيه فى عدة مناطق نزاع فى سوريا والعراق وليبيا واليمن قوى محلية مدعومة بأطياف وقوى إقليمية تهدد وحدة وسلامة أراضى هذه الدول وتستبيح جماعات الإرهاب وتمكن الميليشيات المسلحة من فرض سطوتها، مما هدد كيان الدولة القومية، وبات الشرق الأوسط مسرحاً لصراعات مسلحة فى معظم مناطقه .

وتشكل المشهد المأساوى الإقليمى الراهن وسط أسوأ مأسأة إنسانية تكشفت أمام أعين العالم فى سوريا، حيث نزح منها ٥ ملايين لاجئ و٦ ملايين نازح وأكثر من نصف مليون شهيد، أى نصف سكان سوريا البالغ عددهم ٢٦ مليون نسمة، ولم يكن انهيار المؤسسات الوطنية والدولة القومية والجيوش العربية من حولنا إلا فرصة إضافية لجماعات وميليشيات التطرف والإرهاب.

لفرض نفوذها على الأراضى وبما هدد أمن مصر القومى وهم على مقربة من حدودنا الغربية فى ليبيا.

لم يكن المشهد الإقليمى إذاً مواتياً لانطلاقة هادئة نحو الاستقرار والتنمية وسط تدفقات اللاجئين، وتوترات فرضتها النزاعات المنتشرة فضغطت على نمط العلاقات العربية العربية الخارجية، وهددت مصالح الأمن القومى العربى، لاسيما وقد توغلت تركيا وإيران فى المنطقة، مما زاد من حدة الاستقطاب والتوتر خاصة بين دول الخليج.

ولم يكن المشهد الدولى مواتياً لمصر ما بعد ٣٠ يونيو على الإطلاق واجتمعت دول أوربية كثيرة على الاندماج فى علاقات طبيعية مع النظام القديم، وأخذت أوربا جهداً دبلوماسياً متصلاً أحدث اختراقاً فى معظم تلك العواصم والتى تلقفت وساندت مصر السيسى القوية المستقرة التى يخدم استقرارها أمن واستقرار أوربا فهى جنوب المتوسط، إلا أن المشهد الأوربى لم يرافقه مشهد إيجابى بالتوازى عبر الأطلنطى فى الولايات المتحدة، حيث أبقت الحكومة الديمقراطية للرئيس أوباما على سياسة ذات طابع سلبى وضاغط ضد مصر حتى نهاية فترته الرئاسية.

تلك هى تحديداً المشاهد المحلية والإقليمية والدولية التى تعايشت فى ظلها مصر وكان لزاما أن تحقق ما حققته عبر السنوات الثلاث التالية لثورة ٣٠ يونيو، كانت الأوضاع من الصعوبة بأن يتم تحقيق إنجازات وصفت بالصعبة والمعجزة، ولكن كانت هناك إرادة سياسية وتوافق شعبى للاستمرار وللاستقرار وللتقدم للأمام، مع مواجهة أخطار المشاهد الثلاثة والتعامل معها.

فكان المشهد المحلى شديد التوتر وعنيفاً واحتاج استعادة زمام المبادرة ضد جماعات التطرف والإرهاب عرقاً ودماً وشهداء أبرار، أتاحوا لنا مشهدا داخليا مستقرا وإرهاباً بات فى وقت الأفول والانزواء والهزيمة.

ولم تكن مواجهة تحديات المشهد المحلى أمنية وعسكرية واصطفاف ضد الإرهاب وجماعاته ومناصريه، ولكن كان تحدى التنمية والبناء الاقتصادى حلم وهدف المرحلة، وبدأ الحلم كبيراً باتساع وحجم أكبر مشروع بنية تحتية تشهده المنطقة والعالم، وهو مشروع حفر قناة السويس الجديدة بخبرات مصرية ودولية وبتمويل مصرى خالص، ليضاف شريان حياة جديدة للتجارة الدولية، ويترافق معه بدء العمل فى منطقة قناة السويس الاقتصادية الخاصة ليتحول مشروع القناة لأكبر استثمار فى الجغرافيا والاقتصاد وبمساحة أرض هى ١٠ أضعاف جبل علي فى دبي، وثلثا حجم سنغافورة، وتبع المشروع تأهيل للموانئ وتأسيس وبناء لبعضها مع شبكة من أحدث الطرق والسكك الحديدية، وامتدت طموحات البناء لتشمل إنشاء ٧ آلاف كيلومترات طرق، أنجزنا نحو ٥٧٠٠ كيلومتر حتى تاريخه أو يزيد، والمثل الصينى يقول «ابنى طريق تزداد ثراء»، فما بالك بهذا الحجم من الطرق والكبارى والمسارات التى ستغير من جغرافية الوطن والتواصل الجغرافى بما أضافته من شرايين حياة هى عماد أى تنمية.

وتوالت مشروعات البنى التحتية لتشمل بنية تحتية كبرى فى مجال الطاقة، حيث تم التعاقد مع شركة سيمنس الألمانية خلال زيارة السيد الرئيس لبرلين فى يونيو ٢٠١٥، على ٢٤ محطة توليد كهرباء بقيمة ٨ مليارات يورو وتم تنفيذها وجار تشغيلها بعد اتمام التوريد لتضيف مجتمعة بعد اكتمال عمر المشروع ١٤ ألف ميجاوات أى نصف الطاقة الكهربائية المنتجة حالياً تضاف للشبكة القومية الموحدة فتحل مشكلة انقطاع التيار وتتيح فرصة للمستثمر وتلبى احتياجاته من الطاقة.

كان التحرك الأهم والأصعب هو تبنى برنامج إصلاح اقتصادى شامل مع صندوق النقد الدولى بقيمة ١٢ مليار دولار يقدمها الصندوق على مراحل، وتدبر مصر من جانبها نحو ٦ مليارات دولار بمعرفتها لسد الفجوة التمويلية المطلوبة، وصاحب البرنامج الصعب تخفيض سعر العملة الوطنية أمام الدولار وارتفاع أسعار الوقود بعد رفع جزئى للدعم، وهى إجراءات ما كان يتقبلها الشارع إلا فى ظل ثقته لأهميتها لاستعادة عافية الاقتصاد ومعالجة اختلالاته الهيكلية، ولكن الأهم ثقته فى قيادته ومساعيها لإخراج الاقتصاد الوطنى إلى النور ولكى يصبح جاذبا للاستثمارات ومتوافقا مع المعايير الدولية، وأقرت العديد من مؤسسات التصنيف بالمستقبل المستقر للاقتصاد المصرى بحسب ستاندرز أند بور، ومودييز وغيرهما، وفى تقرير نشر لبلومبرج الاقتصادية أشارت إلى أن الاقتصاد المصرى سيظل من الآن وحتى عام ٢٠٥٠ ضمن أهم ٣٥ اقتصاداً على مستوى العالم.

وتوافق مع جهود الإصلاح إطلاق قانون الاستثمار الجديد الذى وصف بأنه إيجابى وشجاع ونظر إليه الجميع بإيجابية، ولعب مجلس النواب أيضاً دوراً هاماً فى إصدار تشريعات أخرى أسهمت فى استقرار البيئة التشريعية، بينما سارت بالتوازى مشروعات تنموية كبرى وبنى تحتية أهمها ما يتم فى إطار مشروع الريف الجديد وبحجم مليون ونصف المليون فدان، وحفر الأنفاق أسفل قناة السويس، وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة.

ومع السير فى التنمية الداخلية كانت عملية بناء القدرات العسكرية تسير بنفس الهمة فامتلكت مصر أحدث أنواع الطائرات الفرنسية الرافال والغواصات الألمانية المتقدمة وحاملتى الطائرات ميسترال وغيرها من الأنظمة الدفاعية، فلم يكن ممكنا أن تكون صاحب برنامج اقتصادى وتنموى وطنى طموح ولا توفر له البيئة الأمنية والعسكرية الكفيلة بتحقيق الاستقرار الجاذب للاستثمار.

وتلازماً مع حالة الاستقرار بدأت بوادر استعادة قطاع السياحة لعافيته تسير على نحو مرض وبات الحديث عن عودة وشيكة للسياحة البريطانية والروسية أقرب من أى وقت مضى، وربما يحتاج الأمر مزيدا من الضغط والتواصل السياسى، فبعد كل ما قدمته مصر من تسهيلات واتخذته من إجراءات لتأمين مطاراتها فالطريق أصبح ممهداً لعودة السياحة من هذين المقصدين لأهميتهما على نحو خاص.

ولم تنشغل مصر عن محيطها الجغرافى إدراكاً لأهمية تحقيق الاستقرار الإقليمى لوضع المنطقة على خريطة الاستثمار والسياحة، وكذلك دفاعاً عن منظومة الأمن القومى العربى، خاصة مع جوارنا المباشر فى وطننا العزيز فى ليبيا، حيث تضافرت جهود مصر ودول الجوار فى صياغة جهد مشترك باتت ثمرته قريبة بعد الاجتماع الذى استضافته دولة الإمارات الشقيقة بين المشير خليفة حفتر والسيد فايز السراج، ومازالت مصر تواصل الجهود للحفاظ على الدولة القومية القاسم المشترك لجهودها فى سوريا والعراق وليبيا، بينما تظل الجهود المستمرة للدفاع وعرض أبعاد استمرار تأثير القضية الفلسطينية على عدم الاستقرار فى المنطقة وهو ما حمله الرئيس السيسى فى زيارته لواشنطن، حيث تتبنى مصر الدفاع عن حل الدولتين وإقناع الإدارة الأمريكية للرئيس ترامب للانخراط فى جهود لإحياء المفاوضات بين الطرفين للتوصل إلى حل للنزاع الذى طال أمده.

وعلى صعيد علاقات مصر الخارجية، فقد استعادت مصر زمام المبادرة فى علاقاتها الأوربية فى مجملها وخلقت معها شراكات اقتصادية واستثمارية هامة، علاوة على التعاون المتصل فى ملف الهجرة غير الشرعية والتعاون فى ملف اللاجئين وحملت نتائج الانتخابات الأمريكية صديقاً جديداً للبيت الأبيض هو الرئيس ترامب الذى استقبل الرئيس السيسى أحسن استقبال، ومن المنتظر أن يلتقيا مجدداً فى القمة القادمة المقرر عقدها فى الرياض بين الرئيس الأمريكى وقادة من دول العالم الإسلامى لتدبر أوضاع المنطقة، قبل أن ينتقل ترامب لإسرائيل فى محطته الثانية وبعدها الفاتيكان وهى المحطة الثالثة فى زيارته لأتباع الديانات السماوية الثلاث من أتباع إبراهيم.

وما نأمله للمنطقة خلال هذه الزيارة هو أن توضح مصر بجلاء وقوفها مع أشقائها فى الخليج ضد أى توغل إقليمى، ولكن التأكيد كذلك على أن التلاقى ليس تحالفاً ضد أحد ولكنه رادع لكل من تسول له نفسه الاعتداء على سيادة أى دولة عربية، خاصة فى الخليج الواقع تحت ضغط إيرانى متصل يهدد وحدة وسلامة الأقطار العربية.

وربما يكون مطلوباً أن تضع مصر كذلك مع أجندة مباحثات القمة المرتقبة مع ترامب أن المنطقة عانت ما يكفيها من حروب وصراعات ونزاعات وأنه آن وقت تسوية تلك النزاعات والانخراط فى مشروع تنموى عربى يعيد للمنطقة بعض ما فقدته من خسائر لا تعوض فى الممتلكات والأرواح، وإننا نتوقع من الولايات المتحدة أن تقود جهداً دولياً متصلاً للدعوة لعقد مؤتمر دولى لإعادة الإعمار فى المنطقة بما يسهم فى خلق مسار تنموى جاذب، دون الانخراط فى تحالفات إقليمية تقود لمواجهة مذهبية سنية شيعية ستكون مدمرة بينما تقف أمام هذه المواجهات إسرائيل وحلفاؤها على الحياد، فالصراع بيد عربية وسلاح وأموال عربية وإيرانية، وأن ما يدمر سيكون بعضهما لبعض فتتفتت الجيوش وتتبدد الثروات، علينا أن نطمئن الأشقاء فى الخليج بكل السبل ولكن علينا أن نسير بحذر فى مساعى بعث الفتنة والفرقة بين القوى الإقليمية وأن تترك لمصر. وللدبلوماسية الإقليمية والجامعة العربية فرصهم لمزيد من التواصل مع إيران تحديداً لوقف تدخلاتها وربما إطلاق فكرة لتوقيع إعلان مبادئ إقليمى تلتزم فيه كل الأطراف بما فيها العرب وإيران بأسس التعايش وعدم التدخل فى الشئون الداخلية واحترام الوحدة الترابية والسلامة الإقليمية وسيادة الدول.

وهذا من أجل مستقبلنا ومن أجل أن يعم السلام والازدهار فى منطقتنا.