بقلم: فريدة الشوباشى
تفصلنا أيام قليلة عن إتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى، ثلاث سنوات، فى حكم مصر، ويتبقى عام واحد من ولايته الأولى.. ولا شك، أن السيسى، وبشهادة الأعداء قبل الأصدقاء، قد كلفته الأغلبية الساحقة من المواطنين، وبانتخابات نزيهة تحت سمع وبصر العالم بأسره، بإخراج مصر من عنق الزجاجة الذى أدخلتنا فيه ما يقرب من نصف قرن، مسارات تختلف اختلافا جذريا عن نهج الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. وأعتقد، من واقع قراءاتى المتعددة، خاصة فى الخارج، أن ما شهدته مصر منذ عصر الانفتاح السداح مداح، ليس وليد الصدفة، بل هو مخطط بإحكام منذ نهاية القرن التاسع عشر، عندما زرعت الإمبراطورية البريطانية الخبيثةً، بذرة تفتيت الوطن العربى، السرطانية، باستهداف مصر فى المقام الأول..
فقد أنشأت بريطانيا دولة طائفية بامتياز، هى إسرائيل، وكان أول أهدافها من ذلك زرع شوكة رهيبة فى ظهر مصر لمنعها، كما أفضى دى روتشيلد اليهودى البريطانى إلى رئيس حكومة لندن، «من التمدد شرقا» فى إشارة إلى عصر محمد على الذى تحالف العالم ضده والحاق الهزيمة به فى معركة نوارين فى القرن الثامن عشر.. فكان وعد بلفور المشؤوم، بإنشاء دولة «يهودية»، وتلاه عام ١٩٢٨ تشكيل جماعة الإخوان المسلمين برئاسة حسن البنا، وكأن فى مصر، مسلمين وكفار قريش!!، وتعجلت بريطانيا جنى ثمار مخططها الشيطانى، بتطبيق شعار «فرق تسد»، الذى أفشله المصريون، مسلمين ومسيحيين، على مر السنين ومن هنا تمخض العقل الاستعمارى البغيض عن شن عدوان السويس وبعده حرب يونيو ١٩٦٧.. وعندما خرجت الملايين مساء التاسع من يونيو وهزمت الهزيمة، كان ما شهدته مصر منذ رحيل عبد الناصر، وأعنى به، إغراقها فى الفقر، بتصفية مصانعها وكل منجزات الستينيات الاجتماعية وأغرقها حكامها، السادات، مبارك ومرسى، فى مستنقع الديون بالتوازى مع تفشى خطاب التكفير والكراهية وتغييب الوعى إضافة إلى الأموال الطائلة التى أُنفقت على تشويه معالم الهوية المصرية وفرض مفاهيم وأزياء غريبة.. باختصار تولى عبد الفتاح السيسى المسؤولية ومصر على شفا الانهيار، وهو ما عمل الأعداء، فى الداخل والخارج، لتحقيق مخطط التفتيت والذى أعلنه، صراحة، منذ عقود وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، هنرى كيسنجر، عندما قال: إن أكبر ضمان لبقاء إسرائيل فى المنطقة العربية، هو تفتيت المنطقة إلى دُويلات عرقية وطائفية.. وحيث أوصلنا حكم جماعة الإخوان إلى محطة تفتيت مصر وهو ما أفشلته ثورة يونيو، وضع السيسى رأسه على كفه، واقتحم وكر أعداء الوطن، بجسارة أسطورية، وتقديم مصر على حياته.. وعندما شاورت القلوب على هذا الرجل الذى اعتبره المصريون، هدية ربانية، ازداد سعير نيران حقد الأعداء، وشنوا ولا يزالون، حربا لا هوادة فيها، استخدموا فيها، كافة الأسلحة وأشدها انحطاطا، لا سيما سلاح الإرهاب والتلاعب بأسعار السلع الأساسية، واستعداء الخارج، ولا ينسى المصريون، موجة الفرح التى اجتاحت اعتصام رابعة الإخوانى، و«تكبيره ؟؟!!» لدى إعلان وصول قطع من الأسطول الأمريكى قرب شواطئ الإسكندرية، وهذا غيض من فيض، يصب فى النهاية فى نظرية، أن السيسى تحمل المسؤولية فى أخطر وأصعب مرحلة فى تاريخ مصر، وفى تصورى تسلم منزلا آيلا للسقوط ومن ثم يصعب أن نسأله بعد يومين، أين القصر يا سيسي.. ؟ لقد سهر السيسى وبتأييد الملايين، لإصلاح ما أفسدته العقود الأربعة الماضية وأيضا شرع بثقة فى تأسيس مصر المستقبل بفتح كافة النوافذ المغلقة، من الاهتمام بالزراعة، انطلاقا من شعار «من لا يملك قوت يومه، لا يملك حرية قراره» إلى إعادة هيكلة الصناعات المصرية الكبرى التى كادت تختفى وتصبح أثرا بعد عين، إلى إنشاء مشروعات صناعية جديدة، إضافة إلى تأسيس شبكات الطرقات والخدمات الحيوية، مثل الصرف الصحي، وإعادة النظر فى مناهج التعليم وتجديد الخطاب الدينى، وغيرها الكثير مما يحتاج التجديد أو على الأقل إعادة الترميم.. ولعل من أهم ما شهدته مصر السيسى هو إخراجها من أغلال دائرة العلاقات الخارجية الخانقة، إلى رحاب العالم بأسره، شرقا وغربا وانطلاقا من عبارته، بالغة الدلالة، «إن الإرادة المصرية لا تعلو عليها إرادة أخرى» .. والغريب والمستغرب أن ترتفع أصوات نشاز الآن، تطالب بأن يترك السيسى قيادة مصر إلى مرشح آخر، وهى المرة الأولى التى لا تخجل فيها أصوات من مطالبة، القبطان الناجح، إلى ترك السفينة فى منتصف الطريق؟؟!!.. ولا يخلو الأمر من منظرين يرسم كل منهم خريطة مصر التى يريدها وهو جالس فى غرفته يحتسى الشاى أو غيره، متحدثا بلسان خبير لم تلده امرأة من قبل.. والمطمئن أن الشعب الذى انتفض دفاعا عن وحدة التراب المصري، يعرف ما يقوم به السيسى من جهد ويثق تماما فى أنه، رغم بعض الأخطاء أو اختلافات وجهات النظر، سيصل بنا إلى بر الأمان وأن أم الدنيا ستكون، بإذن الله، قد الدنيا..