الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

السيسى.. الزعيم والحاكم

  • 24-5-2017 | 14:37

طباعة

بقلم: د. لميس جابر

ثلاث سنوات مرت على تولية الشعب المصرى للرئيس السيسى رئيسا للجمهورية فى انتخابات صحيحة مائة بالمائة لم يتم التلاعب فيها ولا حتى بصوت واحد، بل على العكس كانت اللجان - فى هذه الأيام منذ ثلاث سنوات لمن يريد أن يتذكر- تشهد حالة من الحماس والفرحة التى وصلت إلى مرحلة الغناء والرقص والتباهى بأصابع اليد التى صبغتها الألوان حتى انتشرت صور أصابع المصريين على الفيس بوك رجالاً ونساء وفتيات وشباناً، حتى الأطفال الذين ذهبوا مع الأمهات صبغوا أصابعهم من باب المشاركة بعد أن وجدوا أن الأمهات تتباهى بصور الأصابع الملونة دليل أداء الواجب الانتخابى.. وربما كانت تلك الانتخابات هى الأولى فى تاريخ مصر الحديث التى تحولت إلى حالة من الفرحة الشعبية والحب الجارف.. وانطلقت الأغانى الحماسية ومشاعر انتصار الشعب فى نجاحه فى انتخاب من يريد ومن أحب ومن وضع فى شخصه كل الثقة...

كانت هذه الحالة هى فرحة الشعب بالزعيم الذى تحول إلى حاكم ولم تكن فى الحقيقة زعامته نتاجاً لشىء بسيط أو لكاريزما أو وعود براقة بمستقبل باهر حالم.. بل على العكس لا توجد كلمة واحدة للسيسى المرشح الرئاسي، تؤكد أو حتى توحى بالرخاء والتبات والنبات بل على العكس كل ما قاله إن الظروف صعبة والتحديات كثيرة ومرهقة بل وبعضها مستحيل.. وكانت الثقة فى شخصه جارفة لا يشوبها أى لحظات شك.. وتناسى الناس المشاكل المرعبة التى تعانى منها مصر..

وربما يقول البعض هذه الأيام وبثقة شديدة إن شعبية السيسى قد تراجعت عن أيام البدايات بل وبلغ التفكير بالبعض بأنه لن ينجح فى الانتخابات القادمة لما يعانيه الناس من ارتفاع الأسعار بعد الإجراءات الاقتصادية الأخيرة.

ولن أعدد ما قام به الرئيس فى الثلاث سنوات من مشاريع ضخمة وعملاقة يراها إرثا مهماً للأبناء والأحفاد ويراها البعض أقل فى الأهمية من الفراخ واللحمة.. ولن أذكر القارئ بالحالة التى استلم فيها هذا الرئيس المغامر مصر.. ومن باب التذكرة وليس الحصر- نسينا جميعا حالة الفوضى وإرهاب رابعة العدوية وحرق البلاد وأكوام القمامة والكهرباء المقطوعة والسياحة المتوقفة والحصار العالمى والابتزاز الأمريكى والأوربى وتحويل الإرهاب الذى قبع يفرخ فى جبل الحلال وقتل الضباط والجنود من الشرطة والجيش، وأيضا من باب التذكرة وليس الحصر نسينا أن هذا الرجل وضع رأسه على كفه عندما تقدم الصفوف وهو وزير للدفاع ليطهر مصر من عصابة دولية سيطرت على الأرض والماء والهواء والإنسان وكادت تودى بنا جميعا للضياع.

وربما لن يكتب التاريخ كل المشاريع العملاقة وكل العلاقات الدولية والعربية التى عادت ومصر مرفوعة الرأس وسوف يكتب فقط أنه أنقذ البلاد من هوة سحيقة كادت تودى بها إلى أسفل السافلين ولكن.. النقطة الفارقة هى فى أن يتحول الزعيم إلى حاكم.. وهنا مربط الفرس.. فالزعيم نجم لامع يرتفع عاليا فى السماء تحوطه الهالات والهتافات وتلتهب الأكف من التصفيق له فى كل مناسبة يذكر فيها اسمه.. بل ويحمل الناس صوره فى كل المناسبات ويهتفون مع هذه الصورة «تحيا مصر» أما الحاكم فهو شىء آخر.. بالذات عندنا نحن هنا فى مصر فالحاكم هو المسئول عن كل ما يحدث.. إذا ازدحمت المواصلات وإذا اختفى الدواء وإذا صغر حجم رغيف العيش وإذا شحت الأسماك وارتفعت أسعار اللحوم وربما إذا اكفهر الطقس وجاء بالعواصف والأتربة.. الحاكم هو دائما يحمل كل المسئولية حتى مسئولية الشباب الصغير الذى يجلس على المقاهى غير عابئ بالعمل أو بالبحث عنه.. الحاكم هو المطلوب دائما إذا رأت أى فئة من فئات الشعب أن لها حقوقاً سواء عن حق أو لا.. والوقفات الاحتجاجية والإضرابات والصرخات الإعلامية والتشنجات الحنجورية كلها تصب فوق رأس الحاكم.. أصبح يحمل كل المشاكل وكل أوجه التقصير وكل أخطاء الأداء الحكومى بل وحتى الأداء الفردى لأى مسئول.

وتأخذ فى هذه الحالة الأمور شكلا آخر وكل منا يتنصل من أى مسئولية حتى مسئولية التزويغ من العمل ويعود ليرى أن السيسى هو المسئول وهذه ليست أول سابقة فى تاريخ مصر بل سبقتها تجربة سعد زغلول الزعيم الشعبى الذى حمله الشعب المصرى فى القلب أربع سنوات حتى جلس على كرسى الحكم وهنا تحول الأمر وواجه «سعد» نقدا يكاد يكون خارجا على الآداب العامة فى الصحف فى هذا الوقت وهاجمته الأحزاب الصغيرة التى كانت تصارعه على كرسى الحكم وخفتت الأصوات التى كانت تدمى الحناجر بالهتاف «لسعد».. وتعالت كل الأصوات الناقدة والمسيئة لسعد.. ويبدو أن هذا هو حال الشعوب ترتفع بالزعيم إلى عنان السماء وتهوى بالحاكم إلى سابع أرض.. ورغم ذلك فأنا أتوقع أن تعود أغلب هذه الحناجر للصياح وأغلب هذه الأفئدة للحب عندما يقرر السيسى الترشح للفترة الرئاسية المقبلة فى العام القادم.. ساعتها سوف يجد الشعب أنه عاد مرة إلى مفترق طرق وسيعود الخوف والقلق على البلاد والمستقبل وسيعود الناس للذاكرة المفقودة وسوف يتحدثون عما كان فى عام ٢٠١٤ من أحوال البلاد.. وسوف يتولى الرئيس الأربع سنوات القادمة لأنه هكذا الشعوب وهكذا نحن وهكذا الفرق بين الزعيم والحاكم.

    الاكثر قراءة