الأربعاء 5 يونيو 2024

السيسى وبناء نظام شبابى جديد

24-5-2017 | 14:47

بقلم: د. يوسف وردانى

شهدت الفترة التالية لثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ عدة مؤشرات دالة على ازدياد دمج الشباب فى الحياة العامة، وعلى اهتمام نظام الرئيس عبد الفتاح السيسى بالشباب ليس بوصفهم فقط أداة لتعزيز شرعية نظام الحكم وحمايته من أية اضطرابات أو هزات سياسية، كما كانت تنظر النظم السابقة بل لكونهم المورد الذى يستطيع نقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة وتحقيق أهداف إستراتيجية التنمية المستدامة ٢٠٣٠، وعلى نحو يشير إلى تبلور ملامح خاصة لـ”نظام شبابى مصرى جديد” فى عهد السيسى.

فى هذا السياق، اتخذ الرئيس عدة سياسات أعادت اهتمام الدولة المفقود بقضية الشباب، ليس فقط على صعيد تعزيز المؤشرات الرقمية الخاصة بتمكين الشباب فى الهياكل التنفيذية والتشريعية للدولة بل فى مجال تغيير ثقافة وروح العمل مع الشباب، بحيث بات يتم النظر إليهم بوصفهم “شريكا فاعلا” وليس فقط “مستمتعا مشاركا” فى تنفيذ السياسات الكبرى للنظام.

ولا يعتد هنا بالرأى القائل بأن هذه السياسات تعتبر استمرارًا لسياسات النظم السابقة فى تمكين الشباب شكليًا وتهميشهم فعليًا على أرض الواقع، فهذه الانتقادات ترتبط بالرؤية الكلية من جانب بعض القوى لشكل نظام الحكم والموقف من النظام السياسى الجديد بعد ٣ يوليو ٢٠١٣، والرغبة المستمرة فى “تثوير” الوضع القائم واستمرار مناخ الأزمة الذى شهدته مصر بعد ٢٥ يناير، ولا يعنى ذلك عدم وجود تحديات ومصاعب ترتبط بالحاجة إلى التعامل الجاد مع شعور بعض الفئات المسيسة من الشباب بالتهميش، واتخاذ إجراءات مبتكرة للتعامل مع الشباب “خارج إطار الدولة”، وإحداث مزيد من التغيير فى الأوضاع المؤسسية والقانونية المنظمة لأوضاع الشباب.

عودة قضايا الشباب إلى الاهتمام الرئاسى:

يعتبر المتغير الأهم بعد ثورة ٣٠ يونيو هو عودة الاهتمام بالشباب إلى أجندة الرئاسة سواء على مستوى الخطاب السياسى أو الممارسة، فعلى مستوى الخطاب، فقد حرص الرئيس السيسى على الإشارة فى خطبه السياسية إلى أهمية دمج الشباب وحل مشاكل الفئات المسيسة منهم، ومن الأمثلة المبكرة لذلك مخاطبته فى أثناء لقائه برؤساء الأحزاب السياسية أثناء فترة حملته الانتخابية الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد “عايزين الشباب فى الصفوف الأولى يا د. سيد”، وقوله فى نوفمبر ٢٠١٤ أثناء المناورة التعبوية بدر ٢٠١٤ “أريد أن أرى الشباب أمامى خلال الانتخابات البرلمانية القادمة”.

وهى المعانى التى تعززت بتخصيصه خطابا كاملا لقضايا الشباب فى ٩ يناير ٢٠١٦، على غير عادة أى من الرؤساء المصريين، وهو الخطاب الذى أعلن فيه عن تخصيص عام ٢٠١٦ ليكون عامًا للشباب المصرى، وإطلاق منتدى للحوار مع الشباب بحيث يكون نواة فاعلة لقناة اتصال حقيقية بين الدولة والشباب. وهو العام الذى شهد فى نهايته – فى أكتوبر - انعقاد المؤتمر الوطنى الأول للشباب بشرم الشيخ بمشاركة أكثر من ٣ آلاف شاب وفتاة يمثلون كافة أطياف العمل الشبابى المصرى من شباب أحزاب ونقابات وطلاب وعمال وفلاحين وغيرهم، وهو المؤتمر الذى أعقبه حتى مايو ٢٠١٧ انعقاد ثلاثة مؤتمرات دورية للشباب.

حرص الرئيس على حضور كامل أيام مؤتمرات الشباب، والاستماع إلى آرائهم بنفسه والنقاش المشترك معهم حول القضايا التى تشغلهم بما فيها أدق قضايا الأمن القومى مثل الموقف من تيران وصنافير وقضية سد النهضة، وهى خبرة غير مسبوقة عالميًا، ولم تشهدها مصر إلا على نطاق ضيق للغاية فى أواخر عهد الرئيس السادات ولشباب الحزب الوطنى فقط. الرئيس لم يكن حاضرًا فى هذه اللقاءات بمفرده بل كان معه كافة قيادات الجهازين التنفيذى والتشريعى ورؤساء المؤسسات الدينية، ولم تكن ناحية شكلية فقط جلوس الشباب بجواره وبجوار المسئولين فى الصفوف الأولى، وفى أن يكون الشباب على المنصة ويكون قادة النظام السياسى جالسين على كراسيهم فى القاعة يستمعون إلى عروضهم ورؤاهم. الإشارة كانت واضحة، الشباب فى المقدمة والقيادات تؤازرهم وتدفعهم من الخلف.

وبرز أثناء هذه المؤتمرات إشارات رئاسية قوية عن اهتمام الرئيس بمختلف قطاعات الشباب وضربه المثال فى كيفية التعامل الهادئ والموضوعى مع أسئلة الشباب. برز ذلك فى حرصه على حضور منى السيد التى اشتهرت إعلاميًا بفتاة عربة البضائع المؤتمر الشهرى الأول للشباب بالقاهرة وجلوسها بجواره، وحواراته مع الشباب المعاق فى المؤتمر الشهرى الثالث بأسوان وتخصيصه عام ٢٠١٨ عامًا لذوى الإعاقة، واتاحته الفرصة للشباب لطرح أسئلتهم دون خطوط حمراء مثلما ظهر فى تجاوب الرئيس مع الشاب الذى سأله فى مؤتمر أسوان عن مصرف مصنع كيما، واصطحبه الرئيس بنفسه إلى هناك برفقة الوزراء المعنيين بعد أن قال له “أنت آمن، قول ما شئت..أنت وكل الناس طالما مش عايزين تؤذونا بالسلاح”، وهو تقليد كان قد نساه المصريون منذ لقاء الرئيس السادات مع طلاب الجامعات فى فبراير ١٩٧٧ واحتداده بالقول على أحد الشباب المنتقدين له. كما برز أيضًا تأكيده على أهمية التعامل مع قضايا الشباب فى إطار كلى غير متجزئ، وبما يعالج جذور المشاكل لا مظاهرها فقط، وهو ما برز بجلاء أكثر من مرة فى التأكيد على أهمية توفير فرص عمل وحياة كريمة للشباب، وأن البطالة هى أم كل المشاكل التى يعانى منها الشباب.

مثّلت هذه المؤتمرات بديلًا موضوعيًا للمؤتمرات العامة والسنوية التى كانت تعقدها الأحزاب الحاكمة سواء الحزب الوطنى قبل يناير ٢٠١١ أو الحرية والعدالة قبل ٢٠١٣ لأعضائها فقط، وإطارًا وطنيًا جامعًا لا يقتصر على تيار سياسى بعينه، ولا يكتفى باستعراض الموقف العام للدولة المصرية خلال فترة انعقاد المؤتمر من رؤية حزبية ضيقة، بل برؤية أوسع وفى إطار ما يمكن تعريفه بأنه “جمعية عمومية شابة” للشعب المصرى.

وبالإضافة إلى هذه المؤتمرات، حرص الرئيس على الالتقاء بفئات ممثلة للشباب مثل لقاءاته مع شباب الإعلاميين، وشباب أكاديمية البحث العلمى، والشباب من خريجى الجامعات الأجنبية T٢٠، وشباب الجاليات المصرية بالخارج مرتين، وشباب المبتكرين فى مجال تكنولوجيا المعلومات، واصطحابه الشباب معه لتفقد المشروعات القومية سواء فى قناة السويس أو فى جبل الجلالة. وأعلن خلال هذه اللقاءات عن رعايته لبعض المبادرات الشبابية مثل مبادرة شباب “اسمعونا فيه أمل”.

ومن المهم، وحتى لا يتم الوقوع فى الاتهام بفخ المبالغة، النظر إلى اهتمام الرئيس بالشباب فى ضوء خبرة سابقيه. فعلى سبيل المثال، فقد اتسمت فترة حكم الرئيسين السادات ومبارك بالاقتصار فقط على لقاء طلاب الجامعات وشباب الحزب الحاكم، وبصورة غير دورية. فلم يشارك الرئيس مبارك فى لقاء شباب الجامعات من ٢٠٠٢ وحتى نهاية فترة حكمه، فضلًا عن عدم حضوره أى جلسة من جلسات المؤتمرات القومية الأربع للشباب التى تم تنظيمها خلال الفترة ٢٠٠٧ -٢٠١٠ بالرغم من إقامتها تحت رعايته الشخصية مقارنة بحضوره مؤتمرات قومية مماثلة أهمها المؤتمر القومى لتطوير التعليم الثانوى والمؤتمر القومى للسكان. وكان اللقاء الوحيد الذى حضره هو لقاؤه مع خريجى المشروع القومى لتأهيل الشباب التابع لوزارة الإنتاج الحربى ‏فى ٢٥ أكتوبر ٢٠٠٥. أضف إلى ذلك عدم زيادة عدد مرات ذكر كلمة “الشباب” بمشتقاتها فى أى من خطب مبارك أمام الجلسات المشتركة لمجلسى الشعب والشورى خلال الفترة من ٢٠٠٥ – ٢٠١٠ عن مرتين، فضلًا أن هذه الإشارات قد ركزت على قضايا تقليدية مثل تدريب الشباب وإعادة تأهيلهم لسوق العمل فى خطاب عام ٢٠٠٧، وإسكان الشباب فى عام ٢٠٠٨، وتوفير فرص العمل فى ٢٠٠٩، وتشجيع روح المبادرة الفردية والمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر فى عام ٢٠١٠.

كما يبرز ذلك الاهتمام بالمفارقة مع الخطاب السياسى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ولرئيس الجمهورية السابق د. محمد مرسى، حيث تعامل كلاهما مع الشباب من منطلق “وضعية الأزمة”، وأهمية استيعاب الشباب فى ضوء ظروف مرحلة الانتقال السياسى التى تمر بها مصر. ومن مؤشرات ذلك مثلًا لقاء قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع الشباب فى مسرح الجلاء فى الأول من يونيو ٢٠١١، والذى شارك فيه ما يقرب من ألف من أعضاء ١٥٣ اتحادا وائتلافا شبابيا ممثلا للثورة وحضره عدد من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك بهدف التعرف على آرائهم ومحاولة إشراكهم فى المشهد السياسى الجديد، وهو الاجتماع الذى انفض بدون تحقيق نتائج ملموسة.

الشباب ممثل فى المؤسسات التنفيذية والتشريعية:

فى ضوء هذا الاهتمام، غيّر السيسى فلسفة التعامل مع الشباب من منطق “التوجيه السياسى” التى كانت سائدة فى ظل جميع النظم الحاكمة فى مصر بعد ثورة ١٩٥٢ إلى فلسفة “التمثيل السياسى” فى مؤسسات نظام الحكم. فالشباب لم يعد فى حاجة إلى من يشكل توجهاته وحركته فى المجتمع باعتباره “قطعة صلصال لينة” يسهل بلورتها حسب أهواء النظام ومصالحه، ولم يعد يكتف بدور “المشارك بالرأى” فى صنع السياسات العامة كما ظهر فى السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق مبارك، بل أصبح “ممثلا” فى هياكل الدولة التنفيذية والتشريعية.

البداية كانت مع نص خارطة المستقبل فى ٣ يوليو على “اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكون شريكًا فى القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع صنع السلطة التنفيذية المختلفة”. وكان من ثمار هذا النص، تخصيص الرئيس عبد الفتاح السياسى ٥٠٪ من عضوية المجالس التخصصية للرئاسة للشباب تحت سن ٤٠ سنة، وقرار رئيس مجلس الوزراء فى ٤ سبتمبر ٢٠١٤بتعيين معاونين للوزراء فى الشريحة العمرية ٣٠-٤٠ سنة، وهو ما تم فى ١٣ وزارة بإجمالى ٤١ معاونًا ومعاونة منهم ١٧ فتاة، وقيام وزارة الشباب والرياضة بتعيين ٢ شباب معاونين لمدير مديرية الشباب والرياضة فى ١٧ محافظة حتى مارس ٢٠١٦، وتعيين معاونين شباب لرؤساء المدن العمرانية الجديدة.

أضف إلى ذلك إطلاق البرنامج الرئاسى لتدريب الشباب على القيادة، والذى بدأت دورته الأولى فى ديسمبر ٢٠١٥ لعدد ٥٠٠ شاب فى الشريحة العمرية ٢٠-٣٠ سنة، والذى حدد الموقع الالكترونى له أهدافه في”إنشاء قاعدة شبابية من الكفاءات القادرة على تولى المسئولية السياسية والمجتمعية والإدارية”، و”الترقى إلى مناصب قيادية فى زمن قياسى”، ونص على توفير “وظائف قيادية على مسار تصاعدى سريع مع كبار المسئولين مع دراسات أعلى فى مؤسسات أكاديمية عالمية” للمواهب المميزة للبرنامج، وتوفير “وظائف تنفيذية فى قطاعات الوزارات والمحافظات بالإضافة إلى فرص العمل الأولى مع الشركات الراعية” للمواهب الواعدة به، وبالفعل تم ضخ عدد من كوادر هذا البرنامج فى الجهاز الإدارى للدولة، وتم تعيين عدد منهم كمعاونين للسادة الوزراء كما يبرز فى حالة وزارة الزراعة.

وعلى المستوى التشريعى، بلغ عدد النواب الشباب تحت سن ٣٥ سنة فى مجلس النواب ٥٩ نائبًا أى ما يربو على ثلاثة أضعاف العدد الذى خصصه قانون انتخابات مجلس النواب للشباب تطبيقًا لنص الدستور على “تمثيل الشباب تمثيلًا ملائمًا فى أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار الدستور”، وهو ١٦ مقعدًا فى القوائم الانتخابية، وهو رقم يمثل نحو ١٠٪ من إجمالى أعضاء المجلس، ويتوافق مع المعايير العالمية لتمثيل الشباب فى البرلمان ويجعل مصر تتصدر الدول العربية – مقارنة بالمغرب وتونس على سبيل المثال- فى عدد الشباب الممثلين فى المجالس التشريعية. وهذا الرقم يرتفع بصورة مطردة إذا وسعنا من سن الشباب إلى ٤٥ سنة حيث يبلغ عدد النواب فى هذه المرحلة ١٧٦ نائبًا.

وكان من اللافت للنظر حرص الرئيس السيسى على تعيين أربعة شباب تحت سن أربعين سنة فى مجلس النواب، هم: كارولين ماهر ٢٩ سنة، ورانيا علوانى ٣٨ سنة، وماريان أمير معاون وزير الاتصالات للمبادرات الاستراتيجية ٣٨، والشيخ أسامة الأزهرى ٣٩ سنة.

أضف إلى ذلك تخصيص الدستور الذى شارك فى جمعيته التأسيسية – لجنة الخمسين- أربعة شباب تحت سن أربعين سنة ربع عدد مقاعد المجالس الشعبية المحلية للشباب، أى ما يزيد على ١٣ ألف مقعد وفق آخر انتخابات فى ٢٠٠٨، وهى نسبة غير مسبوقة ولا يوجد ما يضاهيها فى العالم، حسبما هو موضح فى تقارير الاتحاد البرلمانى الدولى عن نسب تمثيل الشباب فى المجالس التشريعية فى العالم لعام ٢٠١٦.

وهذه الإجراءات من الطبيعى أن تقود فى المستقبل إلى تحقيق حلم الشباب فى الانتقال من مرحلة “تمثيل الشباب” فى المؤسسات التنفيذية والتشريعية إلى “قيادة الشباب” لهذه المؤسسات خاصة فى مناصب الوزراء والمحافظين. فلم يعد من المقبول أن يبلع عدد الوزراء الذين تولوا مناصبهم فى مصر تحت سن الأربعين سنة منذ العهد الملكى سوى ثلاثة وزراء، هم: فؤاد سراج الدين مؤسس حزب الوفد الجديد (١٩١٠-٢٠٠٠) والذى شغل منصب وزير الزراعة عام ١٩٤٢ وعمره ٣٢ سنة ليكون بذلك أصغر وزراء الحكومات المصرية سنًا، يليه يحيى حامد وزير الاستثمار فى وزارة د. هشام قنديل والذى بلغ عمره وقت التحاقه بالوزارة ٣٥ سنة، ود. محمود محيى الدين وزير الاستثمار فى حكومة د. أحمد نظيف والذى بلغت سنه وقت التحاقه بالوزارة ٣٩ سنة.

فالشباب أصبح ينظر بقوة إلى الاستثناءات فى العالم، ويريد أن يرى مصر تنهج حذوها، فالعالم يوجد به خمسة رؤساء دول تحت سن أربعين سنة، هم فانيسا دى أمبروسيورئيسة سان مارينو والتى وصلت إلى الحكم فى سن ٢٩ سنة، وجورى راتاس رئيس إستونيا والذى بلغ سنه ٣٨ سنة حين تولى الحكم فى ٢٠١٦، وفولوديمير غروسمان الذى شغل منصب رئيس وزراء أوكرانيا العام الماضى فى نفس السن، وحتى كيم جونغ رئيس كوريا الشمالية خلفًا لوالده فى سن ٣٤ سنة، وأخيرًا إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا فى سن ٣٩ سنة. ومصر ليست استثناء على ذلك، فقد تولى جمال عبدالناصر رئاسة مصر عام ١٩٥٦ وهو فى عمر الـ٣٨ سنة (كان سنه ٣٤ سنة فى ١٩٥٢)، ولم يزد سن أى من أعضاء مجلس قيادة الثورة عن ٤٠ عامًا وقت قيام الثورة. كما يوجد عدد من الوزراء الشباب، منهم فى منطقتنا على سبيل المثال شما المزروعى وزيرة الدولة لشئون الشباب فى دولة الإمارات فى عمر ٢٢ سنة.

هذه التمنيات مشروعة ومثارة فى الشارع ووسائل الإعلام، ومن المتوقع أن تؤدى سياسات السيسى إليها فى المستقبل خاصة بعد أن يكون قد تم تزويد أكبر عدد من الشباب من داخل الجهاز الإدارى وخارجه بخبرة العمل الاحترافى فى “دولاب” العمل التنفيذي، وإكسابهم مهارات التعامل والتصرف فى “معمعة” العمل السياسى المحلى بين المواطنين فى الشارع، فذلك هو المسار الذى سلكته الدول المتقدمة التى نرى فيها الشباب فى المناصب القيادية حاليًا.

ضبط بوصلة السياسة لدى الشباب

المتغير الثالث يرتبط بإعادة السياسة إلى مسارها الصحيح الذى ترتضيه غالبية فئات الشباب، والذى تتم فيها ممارسته فى إطار الأحزاب السياسية بوصفها الإطار المنظم الشرعى الوحيد. وهذه العودة لها مؤشرات عدة أهمها دعوة الرئيس الشباب المنتمى لتيارات الإسلام السياسى إلى المشاركة السياسية طالما لم تتلوث الأيادى بالدماء، ومشاركة أمناء شباب الأحزاب السياسية من جميع التيارات فى منتدى الحوار مع الشباب فى ٢٠١٦ وفى غالبية المؤتمرات الوطنية للشباب، وفى ثلاثة لقاءات عقدتها مؤسسة الرئاسة معهم لمناقشة تكليف الرئيس لهم فى مؤتمر شرم الشيخ بتفعيل العمل التطوعى مع التركيز على قضية الأمية.

لكن المؤشر الأهم كان قيام الرئيس بالاستجابة الفورية للمطالب التى طرحها عدد من السياسيين والشباب فى مؤتمر شرم الشيخ بالإفراج عن الشباب المحبوسين بإعلانه عن تشكيل لجنة وطنية من الشباب وبإشراف مباشر من الرئاسة تقوم بفحص شامل ومراجعة لموقف الشباب المحبوسين على ذمة قضايا ولم تصدر بحقهم أى أحكام قضائية؛ تمهيدًا للإفراج عنهم فى حدود الصلاحيات المخولة دستوريًا وقانونيًا لرئيس الجمهورية، وهو المطلب الذى طالما نادى به كثير من الخبراء والمحللين باعتباره أحد أهم جهود الانفراجة فى مجال استعادة الثقة بين الدولة والشباب.

وقد قدمت هذه اللجنة الذى ترأسها د. أسامة الغزالى حرب قائمة بأسماء الشباب المرشح للإفراج عنه للرئيس، وبالفعل صدر القرار الجمهورى رقم ٥١٥ فى ١٧ نوفمبر ٢٠١٦ بشأن العفو عن العقوبة الأصلية أو ما تبقى منها وعن العقوبة التبعية المحكوم بها على عدد ٨٢ شابًا وفتاة (٨١ شابًا وفتاة واحدة)، وصدر القرار الجمهورى الثانى رقم ١١٩ فى ١٥ مارس ٢٠١٧ بالإفراج عن ٢٠٣ شباب وفتاة من بينهم ٤٠ طالبًا وحدثان.

ومثّلت هذه الخطوة تطورًا مهمًا فى اتجاه بث رسالة إيجابية مفادها حرص الدولة على بث رسالة أمل لدى الشباب المسيس، وتصحيح أوضاع الشباب المقبوض عليهم، خاصة أن بعضهم قد تم سجنه ظلمًا وفقًا لما أكده الرئيس فى كلمته التى وجهها للشعب فى فبراير ٢٠١٥. ونكتشف من تحليل البيانات المتوفرة عن القرار الجمهورى الأول، والذى أفرد كافة البيانات لعدد ٨١ شابًا – باستثناء إسلام البحيرى الذى حكم عليه سنة بتهمة ازدراء الدين الإسلامى - حالة الغبن التى تعرض لها هؤلاء الشباب نتيجة حبسهم ظلمًا أو عدم تناسب العقوبة مع الجريمة التى ارتكبوها.

فوفقًا للقرار فقد توزعت تهم هؤلاء الشباب بين التجمهر (٣٨ شابًا)، والتظاهر (٣٢ شابًا)، والانضمام لجماعة متطرفة (١٠ شباب)، ومقاومة السلطات والتجمهر (شاب). وتراوحت عقوبات هؤلاء الشباب ما بين السنة والسجن المؤبد، فبلغت مدة العقوبة أقل من ٣ سنوات لعدد ٧ شباب، وسجن من ٣ – ١٥ سنة لـ٥٩ شابًا منهم ٤٠ شابًا ثلاث سنوات وأكثر، و١٦ شابًا ٥ سنوات فأكثر، و٣ شباب ١٠ أعوام فأكثر، وزادت العقوبة عن ١٥ عامًا لعدد ١٠ شباب. وحكم بالسجن المؤبد على ٥ شباب. وتوزع (٦٥) من هؤلاء الشباب على سجن شديد الحراسة (٢) بطرة، و(٥) على سجن برج العرب، و(٢) لكل من سجن دمنهور العمومى وسجن شديد الحراسة بجمصة وملحق وادى النطرون، و(١) لكل من ليمان طرة ووادى النطرون وأسيوط العمومى ودمنهور نساء، ولا توجد بيانات عن مكان سجن أحد المفرج عنهم.

كما يتضح من تحليل القرار أن غالبية المفرج عنهم يقعون فى الشريحة العمرية ١٨-٣٠ سنة بإجمالى ٧٦ شابًا وفتاة (٣٦ فى الشريحة العمرية ١٨-٢٢ سنة، و٤٠ فى الشريحة ٢٣-٣٠ سنة) بنسبة ٩٣٪ من إجمالى المفرج عنهم، وأربعة منهم فى الشريحة العمرية ٣١-٣٥ سنة، وزاد عن الخمسة والثلاثين شخصا واحد عمره ٤٢ سنة، وأن الطلاب احتلوا الترتيب الأول فى مهن الشباب المفرج عنهم بإجمالى عدد ٣٥ طالبًا، تلاهم فئة العمال (١٦ شابًا)، فالمهن الحرة (١١)، والمهن الحرفية (٦)، فالذين بدون عمل (٣)، والمزارعون (٢)، والموظفون (٢)، وأكمل ٦ شباب تعليمهم المتوسط والعالي.

ولم يقتصر الأمر على الإفراج عن هؤلاء الشباب، فقد تعاملت الحكومة معهم برؤية شاملة تقوم على إعادة دمجهم مرة أخرى فى مسار المجتمع، فصدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٣٢٣٦ فى ١٧ ديسمبر ٢٠١٦ بتشكيل لجنة لتسوية أوضاع الشباب المفرح عنه برئاسة وزير الشباب والرياضة، وعضوية وزراء التضامن الاجتماعى والتعليم العالى والتربية والتعليم والقوى العاملة وعدد من الخبراء. وحدد القرار هدف عمل اللجنة في: فحص العناصر المفرج عنها وتسوية أوضاع الطلبة والموظفين والعمال الذين تضرروا نتيجة الأحكام التى صدرت ضدهم وتوفير سبل المعيشة الكريمة لمن ليس لهم مصدر رزق من خلال وزارة التضامن والصندوق الاجتماعى والتنمية، واستمرار التواصل واستئناف الحوار مع تلك العناصر.

وقد عقدت لجنة تسوية أوضاع الشباب المفرج عنه حتى مايو ٢٠١٧ اجتماعين أسفرا عن عدد من النتائج الإيجابية فيما يتعلق بتنفيذ الأهداف التى نص عليها قرار رئيس مجلس الوزراء.

وتوازى مع ذلك تنفيذ التوصية الثانية المتعلقة بقيام الحكومة بتشكيل لجنة لدراسة المقترحات المتعلقة بتعديل قانون التظاهر رقم ١٠٧ لسنة ٢٠١٣، وهو القانون الذى كان قد دار حوله جدل كبير فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو بسبب إصرار النشطاء الشباب على تصوير العمل السياسى على أنه “مظاهرات واعتصامات وحركة شارع فقط”، وليس عمل هدفه توفيق الأولويات المتباينة لصالح إعادة البناء والتنمية لاسيما فى ضوء ازدياد حجم الضغوط الاقتصادية والأمنية التى تتعرض لها الدولة. وبالفعل، وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع القانون المقدم من الحكومة بتنظيم الحق فى التظاهر السلمى والاجتماعات العامة والمواكب والاجتماعات السلمية فى ١٠ أبريل ٢٠١٧، وأصدر الرئيس القرار رقم ١٤ لسنة ٢٠١٧ بتعديل القانون بما يجعل سلطة قرار منع أو إرجاء التظاهر أو تعديل المسار فى يد القضاء فقط، واكتفاء السلطة التنفيذية بالإخطار.

من أجل استكمال الطريق

من مزايا السياسات العامة أنها كائن حى يتطور باستمرار وفق ظروف المجتمع والتحديات التى تواجهه، وقد نجحت السنوات الثلاث الأولى من عهد الرئيس السيسى فى تغيير الصورة الكلية لبيئة العمل الشبابى سواء من حيث عودة الاهتمام الرئاسى مرة أخرى بقضية الشباب، أو تمثيل الشباب فى المناصب التنفيذية والتشريعية، أو ضبط بوصلة العملية السياسية، بحيث يمارسها الشباب فى أُطرها الشرعية مع “جبر خاطر” الفئات المتضررة خاصة من المحبوسين على ذمة قضايا تظاهر أو تجمهر.

وتوازى مع ذلك عودة الدور السياسى لوزارة الشباب والرياضة فى عهد المهندس خالد عبدالعزيز فى توسيع مساحة انفتاح الجهة التنفيذية على قطاعات أوسع من الشباب لا تقتصر فقط على الشباب المسيس، بل تمتد لتشمل الشباب المهمش فى المناطق الحدودية، والشباب الحرفى غير الحاصل على شهادات جامعية، وهى فئات كان يتم التعامل معها بحذر قبل ذلك وفى غيبة أى سياسة عامة استهدافية لهم. ونجحت الوزارة فى تطوير بنيتها التحتية الشبابية والرياضية، خاصة فى مراكز الشباب والمدن الشبابية لتكون نقاط جذب واشعاعا ثقافيا للمناطق المحيطة بها، وقدمت الحكومة لمجلس النواب مشروعا جديدا للهيئات الشبابية يتلاءم مع روح العصر ويزيد من ديمقراطية هذه الهيئات ومواردها المالية الموجهة لخدمة الشباب.

لكن ذلك لا يعنى أن “النظام الشبابى المصري” قد اشتد عوده واكتملت بنيته، فمازال هناك الكثير الذى تخطط الدولة لتنفيذه فى السنوات المقبلة، خاصة فى مجال صياغة سياسة وطنية للشباب تمثل الإطار الحاكم لجميع السياسات القطاعية فى مجال الشباب، ويكون لها آليات عمل ومؤشرات قياس تحقق توازنًا بين ما تريده الدولة من الشباب وما يريده الشباب لأنفسهم، وبما يقضى على الازدواجية والتنافس القائم بينها أحيانًا. وفى مجال هوية هذا النظام وأهمية أن يتم تحريره من “قبضة” الحكومة بما يسمح بتفعيل دور منظمات المجتمع المدنى المعنية بالشباب، ودمج كافة المبادرات الشبابية التى لا تجد الإطار القانونى والتنفيذى الملائم لتنظيمها فى إطار جامع يستفيد من الزخم البالغ فى رغبة الشباب فى ممارسة العمل التطوعي. وربما يكون تفعيل الاتحاد العام للخدمة العامة التطوعية المنصوص عليه فى مشروع قانون الهيئات الشبابية الجديد خطوة أولى يمكن البناء عليها بالتعاون بين كافة وزارات الدولة المعنية بالعمل الشبابي.

وتبقى هناك جملة من الأمور المثارة فى ساحة العمل الشبابى على استحياء، وهى أمور فى حاجة لنقاش موضوعى أكبر:

نقاش حول توسيع دائرة الشباب القريبة من النظام، بحيث لا يقتصر شعور البعض على أنها موجهة لخدمة مجموعات شبابية بعينها يتم تقديم كافة أوجه الدعم لها وتصعيدها فى المجال العام دون أن تتوافر الفرص المتساوية والعادلة لفئات الشباب الأخرى التى ترى فى نفسها الجدارة لذلك. وربما يكون تصميم برامج رئاسية تخصصية لتدريب الشباب على القيادة لشباب الأحزاب والقوى السياسية، وشباب العاملين فى الجهاز الإداري، وبما يوسع من شرط السن ويدمج جيل الوسط فيها خطوة مهمة فى ذلك الاتجاه.

ونقاش حول الإجراءات اللازمة لبناء شراكة وطنية حقيقية مع الفئات المسيسة للشباب تضمن تحقيق التوازن بين تطلعاتهم السياسية وبين عدم احتكارهم الحديث باسم مصالح الكتلة السائلة من الشباب فى المجتمع، والتى بلغ عددها فى الشريحة العمرية من ١٨-٢٩ سنة فى أغسطس ٢٠١٥ ما يقرب من ٢٠ مليون نسمة أى حوالى ٢٤٪ من إجمالى عدد السكان.

ونقاش داخل كتلة الشباب المسيس ذاتها حول آليات إيجاد ميثاق شرف شبابى يستوعب حقيقة أن الخلاف فيما بين التيارات المختلفة والمشاركة فى العملية السياسية موجود وسيظل موجودًا، لكن هناك مساحات مشتركة - مهما كان حجمها - يمكن استثمارها والبناء عليها. ويعالج ذلك إشكالية الاستقطاب المكتوم بين أنصار ثورتى ٢٥- يناير -٣٠ يونيو، والتى تخفت حدتها أو تزداد وفقًا للمناخ السياسى العام، كما يعالج إشكالية عدم دمج شباب حزب النور وغيره من التيارات والحركات الإسلامية غير المسيسة التى قبلت بخارطة الطريق فى ٣ يوليو ٢٠١٣ بالشكل الكافى داخل الحركة الشبابية المصرية.

ونقاش حول كيفية تبنى سياسات واقعية لدمج شباب الإخوان فى العملية السياسية بعيدًا عن أى شروط مسبقة منهم باستثناء شرط السلمية وعدم ممارسة العنف، وبما يراعى التنوع فى الآرء وعدم انزلاق أعداد أكبر منهم فى براثن التطرف والإرهاب، وأن الحكمة تأتى كما قال الفيلسوف السكندرى كليمنت - الذى عاش فى القرن الثانى قبل الميلاد - عندما نأخذ من الآراء المتناقضة كل ما هو متناقض.

وأخيرًا نقاش حول كيفية بث روح الأمل والصبر لدى قطاعات الشباب التى تعانى أكثر من غيرها من وطأة الظروف الاقتصاية والمعيشية، وفى نفس الوقت تشعر فى داخلها، وعن حق، بأن لديها طاقات أكبر وحماس أشد فى حاجة لاستيعابه فى أُطر منظمة بعيدة عن أى شكل من أشكال الفوضى والهدم. ويشمل هذا النقاش العام نقاشات فرعية حول كيفية وصول حقوق الشباب إلى الشباب فعلًا وبالتكلفة والمقابل الذى يتناسب مع دخولهم والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التى يعيشونها، وحول دور رجال الأعمال فى توفير فرص عمل للشباب ورعاية مبادرات الشباب الاقتصادية وتفعيل المسئولية الاجتماعية لشركاتهم أيا كان حجمها، وحول الآليات التى تسمح برقابة ورعاية حقوق الشباب العامل فى شركات القطاع الخاص وفقًا للقوانين المعمول بها فى الدولة.

والله يوفق القيادة السياسية والشباب لما فيه سبيل خدمة الوطن.