الثلاثاء 21 مايو 2024

شهادة حق

24-5-2017 | 15:03

بقلم: محمد فريد خميس

ومن يتهيب صعود الجبال، يعش أبد الدهر بين الحفر.

الأعمال العظيمة، سيرتها أطول من أعمار البشر، ويذكر التاريخ دوماً بكل فخر واعتزاز، أصحاب الجهد الكبير، والعطاء المتميز.

ومن هؤلاء، يأتى الرئيس عبد الفتاح السيسى، بنظراته الجادة وعينيه اللتين يملؤهما الأمل، وإصراره على تحمل التبعات، ومواجهة التحديات. 

يالها من تركة ثقيلة، ورثها عن سابقيه، تثقل الكاهل، لكنه قبلها، بدوافع وطنية خالصة، وحب لهذه الأرض، وعشقٍ لكل ذرة من ترابها. إصرار الرئيس يذهلنا، ويزيدنا رغبةً فى البناء والعمل من أجل المستقبل، فى وقت تحتاج فيه مصر، إلى تضافر الجهود، وشحذ الهمم،  وإنكار الذات، والبحث عن حلول واقعية، قابلة للتنفيذ لمشكلاتنا الاقتصادية. 

إننا جميعاً بحاجة إلى إعلاء المصلحة العليا للوطن، والوقوف خلف القيادة الوطنية المسئولة للسيد الرئيس، والتى تستهدف النهوض بمصر فى شتى القطاعات، ومختلف المجالات.

وقوفنا إلى جوار الرئيس السيسى، ليس بالعاطفة فقط، وإنما بالمشاركة، لتحقيق أهداف مصر، وما تصبو إليه.

نحتاج إلى بث روح التفاؤل والثقة فى الاقتصاد المصري، والعمل بروح الفريق الواحد، وإيثار الوطن عما سواه، والتحلى بالصبر حتى تمر البلد من عنق الزجاجة، فى هذه المرحلة المهمة من تاريخه، خاصة بعد القرارات الاقتصادية الجريئة التى تم اتخاذها فى الفترة الأخيرة، بهدف تصحيح المسار الاقتصادي، والتعامل مع أصل المشكلات.

لقد تحققت العديد من الإنجازات فى الآونة الأخيرة بجهد السيد الرئيس، وفريقه المعاون وحكومته، ومواصلته الليل بالنهار، إذ لا نملك رفاهية الزمن. أعرض منها على سبيل المثال لا الحصر:

استعاد الشارع المصرى الاستقرار والأمن، وتقوم الحكومة بتنفيذ برنامج جاد للإصلاح الاقتصادي، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، فضلاً عن اتخاذ خطوات ملموسة لتوفير مناخ جاذب للاستثمار، وهو الأمر الذى حفز القطاع الخاص خلال الفترة الأخيرة على توجيه استثماراته إلى مصر بشكل متزايد.

تم اتخاذ عدد من قرارات الإصلاح الاقتصادى غير المسبوقة، حيث قام البنك المركزى المصرى فى نوفمبر ٢٠١٦ بتحرير سعر صرف الجنيه المصري، فى خطوة ساعدت على توفير احتياجات الشركات العاملة فى مصر من النقد الأجنبي، وزيادة احتياطى النقد الأجنبي، وتحسين تصنيف مصر الائتماني، وتزامن ذلك مع  قيام الحكومة برفع جزئى لدعم المحروقات، بهدف ترشيد منظومة الدعم بكافة أشكاله، والتى كانت تُثقل كاهل الموازنة العامة للدولة، دون أن تصل إلى مستحقيها. كما تم أيضاً تنفيذ حزمة من إجراءات الإصلاح الضريبى بهدف وضع سياسات ضريبية مستقرة وشفافة، تضمنت إصدار عدد من التشريعات، أهمها قانون الضريبة على القيمة المضافة.

أولت مصر أهمية كبرى لتحفيز وتشجيع الاستثمار، حيث تقوم الحكومة باتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة العقبات التى تعوق عمل القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب، وتضمن ذلك إنشاء المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية( والذى أتشرف بأن أكون أحد أعضائه)، والعمل على الانتهاء من إصدار قانون الاستثمار الجديد، وتطوير منظومة خدمات الاستثمار للتيسير على المستثمرين، كما تحرص الحكومة على تعديل قوانين المنافسة والاحتكار لتعزيز التنافسية، والعمل على تشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.

تولى الحكومة أهمية كبيرة لمساهمة القطاع الخاص فى عملية التنمية، من خلال المشاركة فى تنفيذ المشروعات القومية الكبرى، وعلى رأسها مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس، الذى يهدف إلى تعظيم الاستفادة من الإمكانات الهائلة لتلك المنطقة الواعدة باعتبارها معبراً بين الشرق والغرب.

وقامت الحكومة أيضاً، بجهد كبير لتطوير ورفع كفاءة شبكة الطرق القومية، بالإضافة إلى تنويع مصادر توليد الطاقة، لتشمل التوسع فى الطاقة المتجددة، إلى جانب إنشاء محطات جديدة للطاقة التقليدية، وذلك بالإضافة إلى المشروعات التنموية الأخرى بعيدة المدى مثل مشروع المثلث الذهبى الذى يهدف إلى إنشاء مراكز للصناعات التعدينية ومناطق سياحية عالمية، وتوفير نحو نصف مليون فرصة عمل، بحيث يُصبح هذا المثلث منطقة عالمية جاذبة للاستثمارات، وذلك على مساحة تقترب من ٩ آلاف كم٢. كما تسعى مصر إلى تنمية اكتشافات الغاز العملاقة ومضاعفة إنتاج الغاز الطبيعى تدريجياً بحلول منتصف عام ٢٠١٩.

وقد ساهمت تلك الجهود فى تقدم ترتيب مصر فى تقرير «ممارسة أنشطة الأعمال ٢٠١٧» الذى يصدره البنك الدولى بتسعة مراكز مقارنةً بعام ٢٠١٦، وهو ما يرجع إلى التحسن فى مجال تأسيس الشركات، بالإضافة إلى توفير الطاقة اللازمة للمشروعات، وحماية المستثمرين.

إن ما تم إنجازه، يعد خطوات فى مسيرة شاقة وطويلة، تتطلب استكمال الجهود، لتحقيق الإصلاح الاقتصادى الشامل، ووضع مصر فى المكانة التى تليق بها على خريطة الاقتصاد والتجارة العالمية، مهما بلغت قسوة هذه الإجراءات.

إن ما يؤكد عليه دوماً السيد الرئيس، يرسخ لمعنى أننا على الطريق الصحيح، وأن القادم أفضل، والمناخ الاقتصادى أصبح مهيأً أكثر من ذى قبل لاستقبال المزيد من الاستثمارات الداخلية والخارجية.

 إن ما يحرص عليه دوماً السيد الرئيس، لم يكن منا فى اتحاد المستثمرين ببعيد، فالرجل مشكوراً ينادى بما ينادى به الصناع المصريون، تهيئة مناخ الاستثمار، حماية الصناعة الوطنية، تيسير الاجراءات، محاربة الفساد، وقف الاستيراد العشوائي، والسلع التى لها مثيل من الإنتاج الوطني، استخدام قواعد منظمة التجارة العالمية التى لا تحظر فرض رسوم جمركية حال تعرض الصناعة لمنافسة غير متكافئة، فرض رسوم الإغراق والحماية، الارتفاع بسقف المواصفات القياسية عند الاستيراد مراجعة التشريعات المنظمة لعمليات التصدير والاستيراد، أتصورها رؤية شاملة لأن تكون مصر أولاً، وقبل كل شيء.

لقد كتبتُ من قَبْل، وقلتُ ما قاله ساسة سابقون، فى الاقتصاد، كما فى السياسة ليس هناك عدوٌ دائم، ولا صديقٌ دائم، هناك مصالح دائمة، وقلتُ إن العالم الآن يختار، كلٌ شعب يختار، يختار مصالحه، يختار معيشته، ولتذهب العولمة، وليذهب صانعوها إلى الجحيم. وقلتُ كَذَلِكَ إن العولمة فى حقيقتها، هى هيمنة الأقوياء، وبطش الرأسمالية، التى أصفها دائماً بالمتوحشة، فقد ظلمت الفقراء، وبخلت عليهم، وساندت الأغنياء، وأغدقت إليهم، وأفقدت الصناعة الوطنية فى الدول النامية، قدرتها على المواجهة والصمود، نتيجة تعرضها لمنافسة غير متكافئة، فأُغلقت المصانع، وزادت البطالة، وارتفعت معدلات التضخم، بتهاوى قيمة العملة الوطنية، بسبب الاعتماد على الواردات، التى تخطت الضرورى والكمالى من السلع، حتى وصلت إلى الاستفزازى منها.

 وهنا أضرب مثالاً بأمريكا، ورغم اختلافنا مع الكثير من سياسات الساكن الجديد للبيت الأبيض، إلا أننا يجب ألا نغفل اهتمام الرجل وحرصه الشديدين على (الشأن الاقتصادي). ولا تكاد تخلو مناسبة إلا ويؤكد ذات المعاني، وإن كانت بصياغات مختلفة. نتذكر خلال زيارته لكارولينا الجنوبية، كرر ترامب وعده بمنع الشركات من نقل الوظائف إلى الخارج، والانتقال إلى دول وصفها بأنها تمارس الغش فى العلاقات التجارية، وقال أمام الحشود :(اشترِ أمريكى الصنع، ووظف أمريكياً )، وأضاف يجب أن يكون التصنيع فى بلدنا أكثر سهولة، والمغادرة أكثر صعوبة.

جاء هذا الكلام خلال احتفاله بتصنيع النسخة الأحدث من الطائرة (بوينج) ومن قبل قالها صريحة (أمريكا أولاً) واتهم صراحة أيضاً الإدارات السابقة بدعم الصناعة الأجنبية على حساب صناعة بلاده، مشيراً إلى الصين تحديداً، التى وصفها بأنها تحقق ثراءً فاحشاً على حساب أمريكا، فى تبادل أحادى الجانب، كما تدعم شركات القطاع العام لديها دعماً غير مقبول، فيما تضع العراقيل أمام الشركات الأمريكية.

كيف ندرك، ويدرك القائمون على الأمر، ما أدركه السيد الرئيس، أن الاقتصاد هو القاطرة، وبعده يأتى كل شيء؟

كيف تتضافر الجهود، من أجل هدف وحيد، هو إحياء صناعتنا الوطنية؟ كيف نحميها من المنافسة غير المتكافئة؟ كيف يصبح شعار (صنع فى مصر) واقعاً ملموساً ومحسوساً؟

إن الحلول القابلة للتنفيذ، للمشكلة الاقتصادية التى تعيشها مصر،  لا تتعارض مع التزامات مصر فى الاتفاقيات الدولية، وقواعد منظمة التجارة العالمية. وتتمثل فى : 

القضاء على التهريب الكلى والجزئي، وتغليظ العقوبات المتعلقة بالتهرب الضريبى والجمركي، بحيث تكون رادعة ومانعة، وترشيد الإنفاق الحكومي، بالامتناع عن شراء أية أصول لمدة عامين على الأقل، وتشديد الرقابة على الأسواق للسيطرة على انفلات الأسعار، وترشيد الدعم بأنواعه دون المساس بمحدودى الدخل. 

 لقد طالبنا بزيادة الإيرادات وضغط الإنفاق لتحقيق التوازن، ثم الفائض، وذلك بزيادة إيرادات مصر من النقد الأجنبى (صادرات - استثمارات جديدة)، يتم ذلك بوضع الصناعة المصرية على قدم المساواة مع منافسيها، من حيث تكلفة إنشاء المصنع، وتكلفة التشغيل، لزيادة القدرة التنافسية للإنتاج المصري، وذلك من خلال رفع الأعباء المحملة على العملية الإنتاجية، التى لا يتحملها الإنتاج فى البلاد الأخرى، واستيفاء جميع الاحتياجات الحكومية من الإنتاج الوطني، فيما عدا ما لا ينتج محلياً، وتحفيز الصادرات وزيادة مخصصاتها، وتوجيه الدعم المادى إلى المصانع التى تزيد نسبة المكون المحلى فى تكلفة إنتاجها على ٥٠ بالمائة وتطوير المعارض، والاعتماد على الشركات المتخصصة فى التسويق الدولي، وتطبيق نظام الشباك الواحد، تيسيراً للإجراءات، ومنعاً للفساد.

 وطالبنا أيضاً بتقنين استخدام وإنفاق النقد الأجنبي، بوقف استيراد السلع الاستفزازية، وكذلك وقف استيراد السلع التى لها مثيل من الإنتاج الوطني، لمدة ثلاث سنوات، بشرطين:

 أولهما: أن يكون المنتج الوطنى متاحاً، ويتمتع بجودة منافسة وبكميات كافية.

 ثانيهما: أن تتدخل الحكومة فى تسعير المنتج، منعاً للاستغلال، كما طالبنا بالاستخدام الكامل، لما شرعته لنا القواعد الدولية من فرض رسوم الإغراق والحماية، وتصحيح الفهم الخاطئ والمتعمد لسياسات السوق؛ لأن حرية السوق لا تعنى بحال من الأحوال عدم رعاية الصناعة الوطنية، وعدم التدخل فى السوق، لضبط الأسعار، حمايةً للمستهلك، ولا تعنى كذلك فتح الأسواق للمنتجات الواردة دون أية ضوابط، كما طالبنا باستخدام قواعد منظمة التجارة العالمية، التى لا تحظر زيادة الرسوم الجمركية، عندما تتعرض الصناعة لمنافسة غير متكافئة، والارتفاع بسقف المواصفات القياسية عند الاستيراد.

لقد كنّا حريصين، نحن مستثمرى مصر أعضاء اتحاد المستثمرين، على البحث عن حلول لأصول المشكلات، لا لظواهرها، شخصنا الداء، ووضعنا الدواء، الذى وصفناه بالمر، وأكدنا ضرورة تناوله كاملاً، حتى يتعافى المريض، وتعود بلدنا العظيمة، أرضاً للخير ووطناً للنماء.

سيادة الرئيس، سرْ على بركة الله تعالى، وثقْ أن الله تعالى الذى ساقك قدراً طيباً، لإنقاذ هذا الوطن، فى أحلك الظروف، وأصعب اللحظات، لن يبخل عليك بكريم عطائه، وجود فضله حتى تحقق لمصر ما تتمناه. بجهدك، وجهد المخلصين من بنى مصر، الذين آن الأوان أن يشاركوا بالجهد والعمل والمال والمشورة، حتى تستعيد مصر مكانتها الاقتصادية المأمولة. فلتكملْ المسيرة، ولا تيأس، وحتماً ستنتصر.

إنك تبحث لبلدنا عن الأفضل، وتجوب الدنيا شرقاً وغرباً، لنقل الخبرات، والاستفادة من تجارب الغير، حتى يستعيد الاقتصاد عافيته، وحتى تعود صور الجمال لمصر، كما كانت عليها، جمال لا تنكره العين، جمال شهد به القاصى والداني. ومن صور الجمال هذه، أربع صور لا تفارق خيالى على الإطلاق، تعود إلى القرن التاسع عشر.

أولهـــا صورة لمدينة القاهرة كأجمل مدينة فى العالم عام ١٩٢٥ لدرجة أنهم عندما يجملون لندن أو باريس، يفاخرون أنهما مثل القاهرة.

وثانيها صورة لخفر السواحل، وهم ينقذون مجموعة من الأوربيين الذين يحاولون التسلل إلى الإسكندرية للعمل فى مصر، لأن بلادهم بائسة، ليس فيها فرص عمل، والصورة تعود لعام ١٩٤٦م.

وثالثها صورة للملك عبد العزيز آل سعود وهو يزور قرية طحانوب بالقليوبية لتوجيه الشكر إلى أحمد باشا حمزة، وزير التموين فى حكومة النحاس باشا، لأنه أدخل الكهرباء إلى الحرم النبوى على نفقته الخاصة.

ورابعها صورة تعود لعام ١٩٤٧م، للرئيس الأمريكى الأسبق (هيربرت هوفر) فى مصر، لطلب المعونة بسبب المجاعة التى اجتاحت أوروبا بعد الحرب.

هذه الصور الأربعة، لا تغادر جدرانى على الإطلاق، فى المكتب، فى البيت، فى المصنع، لعلى أستيقظ يوماً لأجد هذه الصور حقيقة، عادت واضحة جلية، وضوح الشمس فى كبد السماء.

هذه هى مصر، يا سيادة الرئيس، التى نتمناها.هذه هى مصر، يا سيادة الرئيس، التى يجب علينا جميعاً أن نتعاون معكم لنتبناها.