الجمعة 22 نوفمبر 2024

برنامج اقتصادى للسنوات الخمس القادمة

  • 24-5-2017 | 15:07

طباعة

بقلم: د. على عبد العزيز

لا يمكن لمنصف أن ينكر حجم الجهد الذي تبذله القيادة السياسية فى مواجهة المشاكل التى يعاني منها الاقتصاد المصري. ويتمثل هذا الجهد فى محاولة زيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد المصري عن طريق مشروعات الطرق، تحسين المواصلات، زيادة فى الطاقة الكهربائية المولدة، استثمارات فى منطقة قناة السويس الاقتصادية، وإضافة مئات الآلاف من الأفدنة للرقعة الزراعية. ومن المعروف أن معظم هذه الجهود تؤتى أكلها فى الزمن الطويل. وعلى ذلك ليس غريبا ألايشعر المواطن مباشرة بتأثير هذه الجهود فى تحسين مستوى معيشته، وخصوصا عن طريق زيادة فرص العمل، وتوفير الأجر المجزى، وأيضا فى تخفيض أسعار السلع الأساسية وزيادة المعروض منها.

ومع الترحيب بهذه الجهود فإن الحل الجذري لمشاكل الاقتصاد المصري يحتاج الى تصحيح هيكلى فى سياستنا الاقتصادية والطريقة التى ننظر بها إلى مشاكلنا وسبل علاجها. وسوف نقدم فيما يلى عرضا لأهم القضايا التى تحتاج علاجا سريعا، مع مقترحات للحل وللاستجابة لمتطلبات المرحلة ومطالب الجماهير.

وتتضمن قائمة التحديات الاقتصادية العاجلة خمسة بنود رئيسية هى البطالة، انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، عجز الموازنة والمديونية، عجز ميزان المدفوعات، والعدالة الاجتماعية. وسوف نناقشها فيما يلى:

١- البطالة:

وصلت معدلات البطالة إلى معدلات قياسية. ويرجع السبب فى تزايد البطالة الى المعدلات المرتفعة لنمو السكان، والاتجاه إلى الصناعات العالية الاستخدام لرأس المال بدلا من العمل، وزيادة الواردات وانخفاض الصادرات لتدهور تنافسية الاقتصاد المصري. وبالرغم الجهود المشكورة للحكومة وخصوصا بعد ثورة التصحيح فى ٣٠ يونيه في استعاددة الاستقرار الأمنى، وتطمين المستثمرين، إلا أن معدلات الاستثمار الخاص لم تستعد بعد معدلاتها السابقة لثورة يناير ٢٠١١. كذلك فقد تلقى قطاع السياحة المسئول عن خلق ملايين فرص العمل بصورة مباشرة وغير مباشرة ضربة قاصمة إضافية فى اكتوبر من عام ٢٠١٥ نتيجة حادث سقوط الطائرة الروسية فى سماء سيناء، ونتج عن ذلك توقف السياحة من ثلاثة أسواق أساسية للسياحة فى مصر؛ روسيا وإيطاليا وبريطانيا. وتعتبر السياحة الأوربية عموما مسئولة عمايزيد على ٧٥٪ من إجمالي السائحين إلى مصر.

ونحن فى حاجة إلى برنامج عاجل لإيجاد فرص العمل، ويجب أن يعطى لهذا البرنامج أولوية عاجلة، وقد يعنى ذلك إيجاد جهاز خاص أو حتى وزارة للتشغيل. ولم تعد الحلول التقليدية أو الأدوات البيروقراطية التقليدية صالحة لتحقيق أحلام الجماهير. ويمكن ان نقترح البنود التالية ضمن هذا البرنامج العاجل لزيادة الاستثمار وفرص العمل.

أ) إعادة الاهتمام بالمشروعات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة. وتقدر نسبة التشغيل فى هذه الصناعات ب ٩٠٪ من العاملين فى القطاع الصناعي. وعليه من الواجب تشجيع الصناعات الصغيرة، وتوفير الدعم الفنى لها، وتخفيف الضرائب عليها وتوفير التمويل اللازم لها. هذا ولقد أصدر البنك المركزي توجيها بتخصيص مبالغ ملائمة لتمويل الصناعات الصغيرة والمتوسطة وبأسعار فائدة مدعومة، ومن ناحية أخرى تم إنشاء مجموعة من الصناديق المتخصصة التى تمول المشروعات متناهية الصغر بشكل تجاري. وأثبت هذا النشاط ربحية كبيرة.

ب) توفير المناطق الصناعية الملائمة للصناعات الصغيرة والحرفية، وتوفيرها للشباب بإيجار معقول، ومساعدة الصناعات الصغيرة فى التسويق والتصدير.

ج) وضع برنامج سريع لإعادة تشغيل المشروعات المتوقفة لأسباب مالية أو بسبب المنافسة غير الشريفة للواردات الأجنبية.

د) وضع استراتيجية لتصدير العمالة المصرية الى الخارج، وإعادة صياغة علاقات مصر للدول المستقبلة للعمالة المهاجرة بما يزيد من عوائد وفرص العمل فى تلك الدول.

ه) حل مشاكل قطاع السياحة وتنويع مصادر السائحين.

و) الاهتمام بتصدير خدمات المقاولات والمستشارين المصريين للدول العربية والأفريقية، وهناك مجال كبير لتحقيق ذلك ضمن برامج إعادة تعمير الدول التى عانت من الحروب الأهلية والنزاعات.

٢- انخفاض معدلات نمو الناتج والاستثمار:

تسعى كل الشعوب إلى زيادة مستوى معيشة مواطنيها. ويتحقق ذلك بزيادة كمية السلع والخدمات المتوفرة من الجهاز الإنتاجي فى الدولة. وهكذا فإن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي يعتبر مقياسا مهما لتطور الرفاهية فى المجتمع. ويعتمد معدل النمو على مقدار الاستثمار فى الدولة. وللأسف فقد تراجعت الاستثمارات العامة والخاصة فى السنوات الأخيرة إلى حوالي ١٥- ١٧٪ من الناتج. وبالمقارنة تخطت الاستثمارات ٣٠٪ من الناتج المحلي في دول النمور الآسيوية، وهو ما مكن من تحقيق معدلات نمو قياسية وصلت الى أزيد من ٨٪ سنويا ولفترات طويلة. ويرجع تراجع الاستثمار فى مصر إلى ضعف الإدخار المحلي، مع عزوف الاستثمار الأجنبي. ولا يزيد معدل الادخار المحلي فى مصر على ٦٪ من الدخل. وهي نسبة متواضعة جدا، وتعتبر الأقل تاريخيا. ولعل أسرع وسيلة لزيادة الإنتاج هى إعادة تشغيل المصانع والمرافق المعطلة، ويتم هذا عن طريق توفير التمويل قصير الأجل الذى قد تحتاجه هذه القطاعات وكذلك رفع مستوى الطلب الكلي.

وتتضمن الحلول المقترحة العمل على تشجيع الادخار، وتوجيه وسائل الإعلام إلى المناداة بترشيد الاستهلاك ومقاومة الاستهلاك الترفي، وكذلك على البنوك دور هام فى تجميع المدخرات وتشجيع الادخار. وكذلك على الدولة تشجيع الاستثمار الأجنبي، ويتم هذا ليس فقط بسن القوانين، ولكن أيضا بتحسين مناخ الاستثمار، والقضاء على المعوقات البيروقراطية. وللأسف ما زالت المعوقات البيروقراطية تعطل الاستثمارات الداخلية، ويشمل ذلك بطء إجراءات تسجيل الأراضى واستصدار التراخيص.

ومع الدعوة إلى زيادة الإنتاج، وتشغيل الطاقات المعطلة يجب أيضا الاهتمام بترشيد استخدامهم الموارد المتاحة، وتعظيم العائد منها. ولا يختلف الحال عما قد تواجهه بعض الشعوب فى حالات الحروب. وفى الواقع أن التقشف وترشيد الموارد أصبحت حاجة ملحة للأفراد والأمم الفقيرة والغنية على حد سواء. وسوف نعطى بعض الحلول الصالحة لمعالجة مشكلة هدر المياه من واقعنا المحلي.

أ) تعاني الكثير من مناطق الجمهورية من شح المياه المتاحة للزراعة وأحيانا المياه المتاحة للشرب. وهناك تقارير تقدر حجم الهدر فى مياه الشرب قد يصل إلى ٤٠٪ من المياه المكررة. ويتوقع الخبراء استمرار الفقر المائي لسنوات طويلة قادمة، وبالذات مع ظهور مشروعات للسدود فى أعالى النيل. وبرغم هذه التحذيرات المقلقة فإن الحلول المقدمة لترشيد المياه قليلة. ففى بعض المناطق يتم تشجيع منتجعات الجولف وحمامات السباحة التى تستهلك من الماء مايكفي لشرب مدن كاملة. ومن الواجب حظر التوسع فى منتجعات الجولف والاستخدام الجائر لمياه الشرب فى حمامات السباحة، مع فرض ضريبة تصاعدية على استخدام المياه النقية فى تلك المنتجعات، وتشجيع ترشيد الاستخدام المنزلي للمياه، وكذلك تشجيع المنتجعات الشاطئية على تحلية مياة البحر.

ب) نفس الشئ يمكن أن يقال على منظومة التعليم! لدينا المعلم، والمدارس والمقررات، وكذلك لدينا الرغبة فى تعليم أبنائنا والاستعداد للتضحية فى سبيلهم، ولكن ليس لدينا منتج تعليمي جيد. نحن نقف فى نهاية الطابور بالنسبة للدول فى مجال التعليم العام والأولي، تسبقنا دول أخرى يعتبر فيها وجود مدرسة مسقوفة، أو كتاب حسن الإعداد نعمة كبرى. الموضوع إذن هو مشكلة إدارة وتنظيم. ومن الواجب أن يكون للتعليم الأولية الأولى، وأن نعمل على تحسين أوضاع المعلم، وأن نزيد من مشاركة المجتمع فى رقابة منظومة التعليم.

ج) يجب مواجهة مشكلة النقل العام، والحد من استخدام السيارة الخاصة كوسيلة للانتقال داخل المدن. وللأسف أننا نسير عكس الاتجاهات العالمية فى هذا المجال، فبينما تعتمد المدن الكبرى فى العالم على صور متعددة للنقل الجماعي، نقوم نحن باقتلاع قضبان المترو السطحى والترام لإتاحة المجال للمزيد من السيارات. وإذ يمثل رفع المترو السطحي حلا مؤقتا لمشكلة المرور، سرعان ما تأكل الزيادة فى السيارات أي تقدم فى هذا المجال، بل تحولت مساحات كبرى من المدن إلى جراجات مفتوحة.

٣- عجز الموازنة والدين العام:

أما التحدى الكبير الثالث فهو العجز المتفاقم فى الموازنة العامة للدولة. وقد أكد الكثير من المسئولين على أن العجز المرتقب قد يصل إلى ٢٠٠ مليار جنيه فى نهاية العام المالى الحالى، أو ما يقرب من ١٤٪ من الناتج المحلى الإجمالى. ولا يخفى على أحد أن استمرار الوضع الاقتصادى المضطرب، وتراجع السياحة الدولية سيفاقم من وضع العجز فى الموازنة. والمؤكد أننا ننفق أكثر من الإيرادات العامة، ونستهلك أكثر مما ننتج ولن يتم التعامل مع هذه المعضلة دون بدء برنامج قومى للتقشف العام والخاص على حد سواء.

كذلك على الدولة مراقبة الزيادة الهائلة فى الدين العام والاقتراض الخارجي ليكون فى أضيق الحدود ولتمويل فقط النشاط الإنتاجي القادر على سداد مديونياته عن طريق زيادة الإنتاج.

ومن الواجب الالتزام بتصاعدية ضرائب الدخل، وإعادة النظر فى النظام الضريبي الحالى الذي ساوى فى ضرائب الدخل بين الأغنياء والفقراء، وزاد الاعتماد على ضرائب الاستهلاك التى يزيد عبئها النسبي على الفقراء.

٤- عجز ميزان المدفوعات:

أما بخصوص المعاملات الاقتصادية الخارجية، فهناك أيضا عجز كبير فى ميزان المدفوعات. ومن الواجب أن تهتم القيادة السياسية فى الأمد المتوسط بزيادة تنافسية الاقتصاد المصرى. ويحتاج الأمر إلى تحسين المرافق العامة، وإصلاح جهاز الخدمة المدنية، وتحسين مستوى التعليم الأساسى والجامعى، مع تبسيط إجراءات التقاضى، والقضاء على الممارسات الاحتكارية. ولقد أبدى السيد رئيس الوزراء اهتماما بهذا الملف الأخير، ووعد بتقديم دعم إضافى لجهاز مكافحة الاحتكار.. وبالرغم من أن المساعدات العربية تساعد فى الأمد القصير على التغلب على هذه الفجوة إلا أنها غير مضمونة فى الأجل الطويل نتيجة تقلبات أسعار النفط وتغير الأولويات الوطنية لدول الخليج.

٥- العدالة الاجتماعية:

مازال ملف العدالة الاجتماعية يراوح مكانه، وهناك مخاوف أن تعود امتيازات رجال الأعمال التى سادت فى عصر مبارك مرة أخرى. ويجب ألا ننسى أن شرعية أي حكومة تعتمد على الاعتقاد بأن الحكومة هى أقرب للشعب ومشاكله. ومن الواجب فى المرحلة الجديدة، أن تؤكد الحكومة على الالتزام ببرنامج للعدالة الاجتماعية، وأن تسارع بتطبيق برنامج فعال للدعم الاجتماعى يشمل إلى جانب المعونات المادية للفقر والبطالة، ترقية فرص التعليم والتدريب للطبقات المحرومة مع تحسين منظومة الإسكان، والصحة للجميع.

    الاكثر قراءة