السبت 15 يونيو 2024

الأقبــاط والرئيــس

24-5-2017 | 15:11

بقلم: جمال أسعد

يدخل الآن الرئيس السيسى عامه الرابع من ولايته الرئاسية بعد انقضاء ثلاث سنوات من العمل والجهد والمواجهات الداخلية والخارجية فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، والدينية هذه تمثلت فى تلك التركة الثقيلة والموروثة فيما يسمى بالمشكلة القبطية ودعوته الجريئة والمطلوبة لتجديد الفكر الدينى، وهذه المواجهات لا تخفى على أحد، فالمؤيد والمعارض بموضوعية يعلم ويدرك تلك الظروف التى جاء فيها السيسى إلى الحكم. وهنا لا نريد أن نكرر تاريخاً أو نسرد أحداثاً ولكن نريد أن نذكر، حتى يمكن الوصول إلى تحليل موضوعى لما كان .. واستشراف مستقبل قادم كما نريد وحسب مصلحة الوطن والمواطنين.

بعد تعيين السيسى وزيراً للدفاع من قبل نظام الإخوان لم يكن القرار مستهدفاً كفاءة السيسى ولا قدرته على أن يدير هذا الموقع وما أدراك ما لهذا الموقع بالنسبة لهذه الجماعة، حيث إنها تعلم من خلال تجاربها السابقة خاصة مع الرئيس عبدالناصر أهمية الجيش وما يمكن أن يكون خاصة بعد وقوف القوات المسلحة مع الشعب فى ٢٥ يناير ٢٠١١ مؤكدا موقفه الوطنى والتاريخى فى انحيازه التام للشعب وليس للحاكم.

وكان التصور حين تعيين السيسى أنه الشخص الذى سيضع الجيش فى خدمة الجماعة لكى تحقق أهدافها فى الأخونة والتمكين. ولكن خاب أملها وفشلت أمانيها وخسرت حساباتها، حيث إن السيسى أعلن انحياز الجيش منذ اللحظة الأولى للشعب المصرى مع ولائه للقيادة السياسية عندما تكون هذه القيادة منحازة أيضاً للشعب وليس لمطامعها الخاصة، وظهر ذلك جلياً عندما حاول السيسى أن يكون واسطة وطنية بين حكم الإخوان وبين القوى السياسية خاصة بعد الإعلان الدستورى فى نوفمبر ٢٠١٢ والذى تمثل فى دعوة الغداء التى وجهها السيسى لمرسى وللقوى الوطنية لتهدئة الأمور. تلك الدعوة التى وافق عليها مرسى، ولكنه سرعان ما سحب تلك الموافقة بعد أن أمره مكتب الإرشاد له بعدم الموافقة على الدعوة، لحظتها تأكد السيسى والجيش والشعب والقوى السياسية أن مرسى لا علاقة له بحكم مصر لان الحكم للمرشد وللشاطر.

ثم وجدنا كثيراً من صور انحياز الجيش للشعب تمثلت فى تلك الرسائل التى كان يبعثها السيسى فى كثير من المناسبات . حتى وجدنا تلك التوكيلات الشعبية للسيسى والتى بدأت تتوارد على مكاتب الشهر العقارى فى يناير ٢٠١٣ وحدث ما حدث فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وكان اجتماع ٣ يوليو ٢٠١٣ والذى كان حاضراً فيه شيخ الأزهر والبابا، حتى يكون هذا إشارة للتوافق الوطنى والشعبى لما حدث وموافقة جماعية على خارطة الطريق.

وهنا أعتقد أن الإصرار على حضور البابا اجتماع ٣ يوليو كان يمثل رسالة ومهمة فى ذلك الوقت رداً على ممارسات الجماعة ومن معهم ضد المصريين المسيحيين، خاصة أن العلاقة التى أوجدتها جماعة الإخوان كانت لا علاقة لها لا بوطن ولا بمواطنة ولا تشى باستقرار ولا تدعو إلى توحد، ففى عام الإخوان شاهدنا توتراً مصنوعاً ومتصاعداً بين الجماعة وبين الأقباط، ووجدنا دعوات عدم المعايدة على الأقباط فى أعيادهم، حيث إنهم كفرة ولا يجب التعامل مع الكافر، حيث من لم يكفر الكافر يكون كافراً. وقد طالبت لحظتها من مرسى وجماعته كرئيس أن يقول رأيه فى هذه القضية وفى تلك الفتاوى، حيث إن الجماعة كتنظيم إسلامى يمكن أن يكون لها رأى فقهى فى قضية ما. ولكن نظام الحكم والرئيس يجب أن يلتزم بالدستور والقانون فهو رئيس لكل المصريين أو هكذا يجب أن يكون، وكان الصمت الذى يؤكد حسب المثل السكوت علامة الرضا.

شاهدنا ولأول مرة الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وهى المقر الرئيسى للكنيسة المصرية وهو رمز دينى ومصرى فى ذات الوقت حدث هذا بعد تلك المظاهرات التى كانت تستهدف الكنيسة المرقسية وتستهدف البابا شنودة وبعده البابا تواضروس تحت دعوى إعادة الأخوات المسلمات، شاهدنا تلك الاتهامات للأقباط من جانب الإخوان بأنهم ضد الشريعة الإسلامية وأنهم ضد تطبيقها وضد نظام الحكم الإسلامى الذى تريد أن تدشنه الجماعة وصولاً إلى دولة الخلافة الإسلامية، رأينا اتهام الأقباط أنهم هم الذين تجمهروا أمام مبنى مكتب الإرشاد بالمقطم وكانوا يتكلمون القبطية على حد قول قيادات إخوانية كبيرة، هذا وغيره كثير كان قد ترك مناخاً طائفيا وملبداً بالغيوم ضد الأقباط بشكل عام، خاصة أن الإخوان ومنذ ركوبهم هبة ٢٥ يناير ٢٠١١ وهم يعزفون على نغمة الدين ويستغلون العاطفة الدينية المتأججة لدى كل المصريين، تلك النغمة التى بدأت فعلاً منذ غزوة الصناديق فى مارس ٢٠١١، واستمر هذا المناخ وتواصلت تلك النغمة حتى بعد سقوط حكم الإخوان وأثناء رابعة الشىء الذى شاهدنا مظاهره ونتائجه فى حرق الكنائس وممتلكات الأقباط فى ١٤ أغسطس ٢٠١٣ بصورة لم يسبق لها مثيل غير فى زمن الاضطهادات التاريخية المعروفة فى أزمان فائتة.

فى ذلك المناخ وفى تلك الأجواء طالب الشعب السيسى بالترشح لرئاسة الجمهورية ولم يكن هذا الطلب وذلك التكليف مجاملة للسيسى بقدر ما كان ضرورة تحتمها الظروف ويؤكدها الواقع خاصة أنه فى عام الرئيس عدلى منصور كانت ممارسات الإخوان والمواجهات الارهابية فى أوجها، وجاء السيسى حاملاً تلك التركة الثقيلة جداً وعلى كل المستويات، خاصة تلك الحرب الإرهابية التى يواجهها نظام السيسى نيابة عن المنطقة والعالم كله خاصة بعد ما أصبح الإرهاب ظاهرة عالمية لا تستثنى أحدا، فمشاكل الأقباط هى نتاج مناخ طائفى تكون وتراكم عبر السنين ولعوامل متعددة فيها السياسى والثقافى وأغلبها الاجتماعى والفكر الدينى الذى لا يتوافق مع مقاصد الإسلام العليا فى حرية العقيدة وحفظ روح الإنسان «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».

هذا المناخ الطائفى أفزر سلوكاً طائفيا وفرزاً طائفيا أدى إلى مفاهيم مغلوطة لا علاقة لها بوطن أو مواطنة أو أى حقوق، مما جعل الدستور الذى لا يفرق بين مواطن وآخر على أى أساس لـ (المادة) ٥٣، والقانون لا يتعامل والذى لم يشرع سوى لكل المصريين بعيدين عن الواقع العملى ولا علاقة لهم بالواقع المعيشى، كل هذه المشاكل وهذا المناخ وتلك الممارسات كانت فى مواجهة السيسى للتعامل مع هذا الميراث الطائفى الثقيل .

وجدنا وللحق السيسى لم يواجه تلك المشكلات وهذا المناخ بالتصريحات فقط ولا بالكلام المعسول وحسب ولكن وجدنا مع هذه التصريحات عملا على أرض الواقع وقرارات تنفذ بالفعل .

وجدنا قرار ترميم وإعادة بناء كل الكنائس التى تم هدمها وحرقها فى أغسطس ٢٠١٣ بعد فض رابعة وعن طريق القوات المسلحة، وهذه سابقة لم تحدث أن تقوم الدولة ببناء كنيسة فى تلك الممارسات الطائفية الموروثة. وجدنا ولأول مرة فى التاريخ المصرى أن يذهب رئيس الدولة إلى الكاتدرائية لكى يقوم بالمعايدة على المصريين المسيحيين وفى الكنيسة صادماً متجاوزاً تقاليد طائفية عتيقة قديمة.

وعندما قام داعش بذبح المصريين المسيحيين فى ليبيا وعلى أرضية العقيدة المسيحية التى هى كفر فى نظر، وجدنا السيسى وفى قرار جرىء مصرى وطنى يدافع فيه عن المواطن المصرى بعيداً عن الدين ويرد على الذين تجاوزوا فى حق الوطن وليس المسيحيون فكانت الضربة الجوية لداعش بعد ساعات من هذه المذبحة، وعند واقعة تعرية السيدة المسنة فى المنيا وعندما انتفض المصريون مسلموهم قبل مسيحييهم لما لهذه الواقعة من دلائل على غياب النخوة المصرية وإسقاطاً للقيم الإنسانية، وجدنا السيسى يقول أكثر من مرة رافضاً هذه الواقعة، بل معتذرا لهذه السيدة باعتبارها سيدة مصرية وليست كونها مسيحية.

وعند حادثة الكنيسة البطرسية الإرهابية فى ١١/١٢/٢٠١٦ والتى راح ضحيتها نحو ٣٠ شهيداً وجدنا السيسى بنفسه يعلن عن مرتكب الجريمة ويتصدر الجنازة الرسمية التى تحدث ولأول مرة لأقباط فى مثل هذه الظروف، والجديد أن الدولة اعتبرت الضحايا شهداء تجاوزا لآراء البعض بحرمان غير المسلم من الشهادة، بالرغم من أن الشهادة والشهيد والشهداء الله وحده الذى سيحدد من هو الشهيد وغير الشهيد.

وجدنا السيسى بعد حوادث كنيسة طنطا والكنيسة المرقسية فى الإسكندرية يعلن حالة الطوارئ ثلاثة أشهر حسب الدستور وتشكيل المجلس الأعلى لمواجهة التطرف والإرهاب.

هذه أمثلة عملية لمواقف السيسى من الأقباط كمواطنين وهذا تعامل جيد وصحيح فى طريق رحلة الألف ميل التى تبدأ بخطوة، حيث كان تشريع قانون بناء الكنائس هو الخطوة الأولى فى طريق طويل وشاق، أنا ومنذ ثلاثة عقود ومن خلال موقفى المعروف من هذه القضايا أؤمن ألا حلا لهذا غير تطبيق وتفعيل القانون من دون استثناء وعلى الجميع، وتحقيق المواطنة التى لا تفرق بين مصرى وآخر، فالدستور والقانون لا يفرق بين مصرى مسلم وآخر مسيحى ولكن الواقع العملى والتراث الموروث يخلق هذه الممارسات الطائفية..

نعم ما يفعله السيسى حسب ما بينا هو بداية مطلوبة بلا شك ولكن الطريق طويل والحل يحتاج إلى تراكم وإلى تغيير ثقافة تعمل على قبول الآخر، والأهم هو تغيير وتصحيح الفكر الدينى وليس الخطاب الدينى، حيث إن الفكر الدينى غير الدين فهو تفسير البشر للنص الدينى، ذلك البشر المحدود غير المطلق الذى يمكن أن يخطئ أو يصيب، ولذلك وجدنا خلافات واختلافات فى هذا الفكر الدينى الذى هو فكر بشرى غير مقدس. فلا حل لهذا ولا تحقيق لمواطنة ولا تأكيد لحقوق بالدستور والقانون فقط ولكن الأهم هو التعايش الصحيح والتوحد الوطنى وعلى أرضية وطنية، حيث هى الجامع لأبناء الوطن. وهذا لا يكون مع الحديث عن مسلم ومسيحى عن أزهر وكنيسة، فالأزهر والكنيسة لهما كل الاحترام، حيث إنهما صناعة مصرية وفخر لكل المصريين، ولذلك دائما نقول وسنقول إن الكنيسة لا علاقة لها بالسياسة ولا بشئون الأقباط من قريب أو بعيد غير الجانب الدينى والكنسى، فالمسيحيون مصريون يدينون بالمسيحية والمسلمون مصريون يدينون بالإسلام والجميع مواطنون مصريون لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات، والدولة فقط هى المسئولة عنهم، فلا الأزهر مسئول عن المسلم فى غير الشئون الدينية والكنيسة مسئولة عن المسيحى فقط فى الشئون الدينية، وغير ذلك مسئولية الدولة وحدها.

وتدخل الكنيسة فيما يخص المسيحيين فى غير الشأن الدينى هو ذلك الموروث الذى يجب التخلص منه فوراً، فتدخل الكنيسة فى شئون الأقباط هذا نظام طائفى عفى عليه الزمن ولا يتسق مع الواقع المتغير ولا مع ديمقراطية ولا حقوق إنسان، ولا يمكن من خلاله الحديث عن المواطنة أو المساواة، لأن أقتحام الكنيسة وحضورها أو إحضارها فى غير الشأن الدينى وهو بالطبع داخل جدران الكنيسة لا خارجه، يعنى أن الأقباط تابعون للكنيسة وأن الكنيسة مسئولة عنهم وتدافع عن مصالحهم وتتبنى قضاياهم الشىء الذى يولد إحساساً كاذبا لدى الأقباط أن الكنيسة هى الممثل السياسى لهم وهى القادرة على ذلك، وهى أهم لدى المسيحى من الدولة ذاتها، حيث إن الكنيسة يمارس فيها الجانب الدينى والاجتماعى والثقافى والفنى والرياضى، بل بيع السلع من كل صنف وكل لون، أى أنها قد أصبحت مجتمعاً موازياً بالفعل، مع العلم أن الكنيسة غير مسئولة ولا قادرة على تمثيل الأقباط سياسياً وليس لها أى مبرر دستورى أو قانونى لذلك.

أما على الجانب الإسلامى يصبح طبيعياً أن يشعر المسلم خاصة العادى والغلبان والذى تحيطه المشاكل من كل جانب أن هناك مواطناً مميزاً فى مواجهة مواطن مظلوم لا أحد يدافع عنه، سيما أن مشاكل الوطن هى مشاكل كل المصريين مسلمين ومسيحيين، ولكن لأن الأزهر لا يقوم ولا يراد له أن يقوم بدور مثل دور الكنيسة، هنا يكون الفرز والتمييز حتى ولو كان متخيلا، حيث إن هذا الخلط لدور الكنيسة لا علاقة له بحل مشاكل أو إتيان لحقوق الأقباط، بل هو يخلق ضدهم سداً متصوراً وفرزاً متوقعاً، ولذا نطلب من الرئيس السيسى - خوفاً على الوطن وتحقيقا لتوحده وإسقاطاً للطائفية تلك المشكلة التى أعتبرها أنها قضية حياتى وهى التوحد الوطنى بعيداً عن مسلم ومسيحى، وهذا شرف لى ألا يقوم بإحضار دور للكنيسة ليس لها، فمثلاً قمت بالضربة الرائعة ضد داعش فى ليبيا، فلماذا تعزى البابا فى الكاتدرائية وقد تكرر ذلك عند حادثة طنطا والإسكندرية . فالذى يعزى يا سيادة الرئيس هو أنت كرئيس لكل المصريين، لذا يصبح من الواجب أن تعزى الأزهر فى حوادث تخص مصريين مسلمين.

أنت الرئيس المسئول عن الجميع وفى مثل هذه الظروف أنت الذى يقدم إليك العزاء، فما هى مسئولية الكنيسة عن مواطن مصرى مسيحى بعيداً عن مسئولية الأزهر عن مواطن مسلم، وإلا تنقسم مصر إلى مصر المسلمين ومصر المسيحيين، نعم إنها ممارسات طائفية موروثة ومتوارثة يجب إسقاطها فوراً وعدم التعامل معها، حتى نضع أقدامنا على بداية طريق التوحد الوطنى الذى يحقق المواطنة والدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.

حمى الله مصر وساعد الله السيسى على تلك المسئولية الكبيرة وفى تلك الظروف غير الطبيعية، ولكن مصر وشعبها قادرون بإذن الله على الصمود والمواجهة وبقاء مصر دولة كل المصريين.