الثلاثاء 21 مايو 2024

الأزهر وتجديد الخطاب الدينى

24-5-2017 | 15:15

بقلم: د. عباس شومان

منذ أكثرَ من ألف عامٍ والأزهرُ الشريف منارةٌ للعلم وقِبلةُ طالبيه من شتى بقاع المعمورة، وهو قلعة المعرفة الوسطية المعتدلة التى لا تعرف الغلو ولا الشطط، ولا تتلون بألوان الطيف السياسي، وفى رحابه حطت وفود الشرق والغرب تنهل من معين منهجه الرائق فى فهم علوم الدين، وفى أروقته تعلم الملوك والسلاطين، وفى جامعته تخرج كثير من الرؤساء والوزراء والسفراء والمفكرين، ومن صحنه انطلقت الثورات، ومن على منبره وُجِّهت، وبقيادة علمائه ومشاركة طلابه لطوائف الشعب مسلمين ومسيحيين انكسرت قوى الطغيان، وتحطمت أحلام الغزاة، وتحت قبابه مدّ العلماء أرجلهم غير طامعين فى مال ولا منصب ولا جاه، وبين الترغيب والترهيب أدوا رسالتهم السامية جيلًا بعد جيل.

الوسطية والاعتدال، والفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة، والمحافظة على الهوية، وعدم التفريط فى الثوابت المتفق عليها، تمثل سماتٍ أساسيةً فى المنهج الأزهرى الذى امتاز به الأزهريون عبر العصور، ولم يحيدوا عنه على الرغم من التحولات السياسية والفكرية العاصفة التى وقعت فى أثناء تاريخ تلك المؤسسة العريقة الممتد لعشرات القرون. وهو منهج واضح وثابت لم - ولن - يرتبط بحاكم أو شيخ معين، فديدن الأزهر الشريف على مدار العصور الجهر بما ينفع الناس فى شئون دينهم ودنياهم، مشددًا على أن يبقى عالِمُ الدين بعيدًا عن المعترك السياسى بمعناه الحزبى الضيق، وأن يضطلع فقط بدوره فى توعية الناس وتنويرهم، وبيانِ ما تستقيم به حياتُهم، وتقويمِ المعوج منها، وتصحيح ما فُهم على غير وجهه من التشريعات الإلهية السمحة، ولا يعنى ذلك فصلًا للدين عن السياسة بالمعنى الذى تسعى إليه وتبتغيه بعض التيارات الفكرية، فالدين منهجُ حياة.

إن الأزهر الشريف لا يقتصر دوره على التعليم والدعوة فحسب، وإنما تضطلع تلك المؤسسة العريقة بأدوار حيوية على المستوى الثقافى والاجتماعى والوطنى والإنسانى كذلك، وقد اقتضت المعطيات المستجدة فى الآونة الأخيرة على المستوى المحلى والإقليمى والدولى أن يشهد الأزهر الشريف فى عهد شيخه الجليل فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب - حفظه الله - طفرةً غيرَ مسبوقة فى هيكله الإداري، ووثبةً كبرى فى برامجه الإصلاحية الموجهة، وذلك من خلال عمليات التطوير المستمرة لهيئاته التقليدية المعروفة، واستحداث أدواتٍ وآلياتِ عملٍ جديدة من شأنها مواكبةُ المستجدات، وذلك فى إطار الدور الذى يضطلع به الأزهر الشريف كمرجعية إسلامية عالمية منوطٍ بها نشر القيم والتعاليم الإسلامية السمحة، وتصحيح الصورة المغلوطة التى عَلِقَتْ فى أذهان غير المسلمين والمسلمين على حد سواء، خاصة فى ظل حملات التشويه التى تحاول النيل من الإسلام والمسلمين، وظهور جماعات تنتسب إلى الإسلام لكنه من أقوالها وأفعالها براء، وفى ضوء رسالة الأزهر السامية التى تتمثل فى ترسيخ قيم الوسطية والأخلاق الإسلامية، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتقوية نسيج المجتمع والمحافظة على استقراره، والتصدى لتيارات العنف الفكرى والتشدُّد والغُلُو فى فهم النصوص وتأويلها. وتجديد الخطاب الدينى الذى أصبح ضرورة ملحة فى هذه المرحلة الدقيقة التى تمر بها البلاد بل العالم كله، لكن للأسف الشديد يحلو لبعض أصحاب المصالح والأهواء تعكير صفو العلاقة الطيبة بين مؤسسات الدولة وخاصة الأزهر الشريف والرئاسة بادعاء تقصير الأزهر فى أداء دوره فى هذا الملف، وهؤلاء المدعون يعيشون فى برج عاجى يحول بينهم وبين ما يقوم به الأزهر من جهود حثيثة على المستويات كافة على أرض الواقع، ومن هذه الأدوات والجهود والآليات المستحدثة لاضطلاع الأزهر برسالته العالمية وأدواره المنوطة به:

أولًا: «اللجنة العليا لإصلاح التعليم»، وهى لجنة دائمة تضم علماء متخصصين وخبراء تربويين يقومون على إعادة النظر فى المناهج الأزهرية وعرضها بأسلوب بسيط ولغة سهلة، وحذف الموضوعات التى لا تناسب العصر الحالى دون تجريف للعلم أو تسطيح للعقول. وفى هذا الإطار، فقد قررنا مادة جديدة منذ العام الدراسى الماضى على المرحلة الإعدادية والثانوية بالمعاهد الأزهرية تحت عنوان «الثقافة الإسلامية»، ومحتوى هذه المادة مُعَدٌّ إعدادًا علميًّا وفقهيًّا منضبطًا، وهو ذو بُعد ثقافى اجتماعى يهدف إلى توعية الطلاب بمخاطر التطرف والإرهاب، وتحصينهم من الوقوع فى براثن الجماعات التى تنتهج العنف، وذلك من خلال توضيح المفاهيم التى شاع فَهمُها فهمًا مغلوطًا، وبيان العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين المسلم وغير المسلم، وترسيخ قيم المواطنة والعيش المشترك، وغيرها من القضايا التى باتت معالجتها معالجة عصرية منضبطة ضرورةً ملحةً هذه الأيام، ونسعى أن تكون هذه المادة مقررًا عامًّا فى التعليم العام والجامعات المصرية كافة.

ثانيًا: «بيت العائلة المصرية»، وهو تجربة فريدة تهدف إلى الحفاظ على النسيج الاجتماعى لأبناء الوطن، ووأد الفتن الطائفية داخلَ مصرَ وخارجَها بالتنسيق مع الجهات المعنية، كما حدث فى المصالحة التاريخية بين فرقاء أفريقيا الوسطى على سبيل المثال. ويقع مقر «بيت العائلة» فى قلب مشيخة الأزهر، ويتناوب على رئاسته شيخ الأزهر وبابا الكنيسة، ويضم عددًا من علماء الأزهر وممثلين عن مختلِف الطوائف المسيحية، بالإضافة إلى عدد من المفكرين والخبراء. وقد امتدت فروعه إلى محافظات الجمهورية كافة.

ثالثًا: «اللجنة العليا للمصالحات»، وهى لجنة مخولة باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإصلاح ذات البين، والعمل على رأب الصدع بين المواطنين، وإعلاء المصلحة العليا للوطن بما يؤدى إلى تحقيق أمنه واستقراره، وحفظ الأرواح والأعراض والممتلكات من خلال نبذ العادات المتوارثة والعصبية القبلية، والتحلى بخلق الإسلام. وتتم أعمال هذه اللجنة بالتنسيق مع الجهات المعنية بموجِب محاضرَ معتمَدةٍ وموثقةٍ من الجهات التنفيذية بالمحافظة محل النزاع، ومن ثم فقراراتها نافذة وملزمة للجميع بما لا يتعارض مع القوانين الخاصة بالأحكام الجنائية والمدنية، وقد شُكلت لجانٌ فرعية لهذه اللجنة بالمحافظات المصرية المختلفة وخاصة المحافظات التى يكثر فيها النزاع القبلي، تضم السيد محافظ المحافظة ومدير الأمن ومدير البحث الجنائي، بالإضافة إلى علماء من الأزهر والكنيسة، ومتخصصين فى القانون، وغيرهم.

رابعًا: «مركز الأزهر لحوار الأديان»، وهو يختص بنشر ثقافة الحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة، وإقناع الساسة وصناع القرار العالمى بتبنى هذه الثقافة بديلًا عن استخدام القوة المسلحة وفرض الوصاية على الدول والشعوب، والتأكيد على القيم الدينية والإنسانية المشتركة بما يؤدى إلى إرساء دعائم التعددية الفكرية، وتقبل الآخر، فضلًا عن تعزيز التعاون بين الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية الرسمية والمراكز المهتمة بالحوار بين الأديان، ومنها المجلس البابوى للحوار بين الأديان بالفاتيكان، ومجلس الكنائس العالمي، ومركز الملك عبد الله العالمى للحوار بين أتباع الأديان والثقافات.

خامسًا: «مرصد الأزهر باللغات الأجنبية»، وهو عين الأزهر على العالم، حيث يضم عددًا من الباحثين الأزهريين الشباب الذين يجيدون العديد من اللغات الأجنبية إجادةً تامة، ويعملون بِجِدٍ ودأب على مدار الساعة لرصد ما تبثه التنظيمات المتطرفة، ومتابعة ما ينشر عن الإسلام والمسلمين فى العالم عبر القنوات التلفزيونية، وإصدارات الصحف والمجلات، ومواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، ويقومون بالرد عليها بموضوعية وحيادية باللغة الواردة بها من خلال لجان متخصصة.

سادسًا: «مركز الأزهر للترجمة»، وهو يقوم بترجمة الكتب التى من شأنها توضيح صورة الإسلام الحقيقية فى مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا التى انتشرت لدى الغرب، لإرسالها إلى سفارات الدول الأجنبية وغيرها من الجهات المستهدفة، ومن أبرزِ ترجماتِه وأهمِّها ترجمتُه لسلسلة «حقيقة الإسلام» التى تضم (مقومات الإسلام، ونظرية الحرب فى الإسلام، والإنسان والقيم فى التصور الإسلامي، ونبى الإسلام فى مرآة الفكر الغربي)، وذلك بإحدى عشرةَ لغة.

سابعًا: «مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية والرد على الشبهات»، وهو انطلاقة كبرى لمواجهة الفكر المتطرف عبر الإنترنت من خلال القضاء على فوضى الفتاوى، وتَصدُّر المجترئين على فتاوى القتل والتكفير، وتصحيح كل ما يثار من شبهاتٍ ومفاهيمَ مغلوطة. وقد أطلق المركز تطبيقًا إلكترونيًّا باسمه يعمل على الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية، ويجرى حاليًّا إعداده لأنظمة التشغيل الأخرى.

ثامنًا: «أكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة والوعاظ والمفتين»، وهى آلية جديدة سيتم افتتاحها قريبًا بإذن الله تعالى داخل جامعة الأزهر، ومن المقرر أن تعمل هذه الأكاديمية على محورين: الأول: تأهيلي، وهو يستهدف الراغبين فى الالتحاق بمجال الدعوة أو الإفتاء ممن تخرجوا فى الكليات المتخصصة، ويدور حول الممارسة العملية وكيفية التعامل مع المشكلات والقضايا المجتمعية المستجدة، والتأكد من الصلاحية العلمية والفكرية والنفسية لمباشرة العمل الدعوي. والمحور الثاني: تدريبي، وهو يستهدف عقد دورات تدريبية دورية للعاملين فى مجالى الدعوة والإفتاء لرفع كفاءتهم. وسيكون اجتياز برنامج الأكاديمية الذى من المقرر أن تكون مدته ستة أشهر هو المعول عليه فى قبول الالتحاق بمجالى الدعوة والإفتاء حتى ولو كان من يريد الالتحاق بهذين المجالين من أوائل دفعته فى سنوات الدراسة. ويجرى الآن مراجعة برنامج الأكاديمية التأهيلى والتدريبى الذى أُعد بالتنسيق بين الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف، واختيار المدربين الذين سيكونون من داخلِ الأزهر وخارجِه، وإعداد النظام العام للأكاديمية، تمهيدًا لاستصدار قرار جمهورى بإنشائها.

تاسعًا: التعاون المثمر والتواصل البنَّاء مع المؤسسات المعنية كافة داخلَ مصرَ وخارجَها، ولا أدل على ذلك من جولات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر التاريخية التى يجوب فيها العالم شرقًا وغربًا، ومن ذلك أيضًا الزيارات التى تشهدها مشيخة الأزهر لملوك ورؤساء ووزراء وساسة وبرلمانيين ومفكرين وشخصيات عامة وغيرهم، حيث لا يكاد يخلو يوم من زيارة محلية أو عالمية تستهدف تعزيز التعاون مع الأزهر الشريف فى الموضوعات ذات الاهتمام المشترك. كذلك تلبية الأزهر الشريف لدعوات المشاركة فى ندوات أو مؤتمرات داخلَ مصرَ وخارجَها فى إطار الحوار الإسلامى - الإسلامي، أو الإسلامى – المسيحي. وما الزيارة التاريخية المرتقبة خلال هذا الشهر للبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، ومن قبلها زيارة شيخ الأزهر التاريخية للفاتيكان، إلا نتيجة تعاون مثمر وتحضيرات مكثفة على مدار أشهر بين المعنيين فى المؤسستين.

عاشرًا: عقد ندوات ومؤتمرات محلية وعالمية، وإصدار وثائق تاريخية، ومؤلفات علمية، ومواد فيلمية، وإجراء حوارات إذاعية، ولقاءات مجتمعية، ونشر مقالات صحفية، وتسيير قوافل دعوية وطبية تجوب مصر والعالم حاملةً معها الدواء الشافى للأفكار والأبدان، واستعادة الجامع الأزهر لريادته العلمية والفكرية من خلال عودة الأروقة الأزهرية إلى سابق عهدها والعزم على فتح فروع لها فى مختلِف المحافظات لتيسير الدراسات الحرة وفق المنهج الأزهرى لكل الراغبين، واستحداث مبادرات وآليات توعوية جديدة، لن يكون آخرها بمشيئة الله تعالى مبادرة «الداعية الميداني» الذى يجوب الشوارع ويوضح للناس - أينما وُجدوا - المفاهيم المغلوطة، ويجيب عن أسئلتهم بأسلوب ترغيبى جاذب وبلغة سهلة بسيطة يفهمها كل من يوجد فى هذه التجمعات.

إن ما يواجهه العالم اليوم من تحديات، وما يوصم به الإسلام من تهم وافتراءات نتيجة ما يرتكبه بعض المنتمين إليه من جرائم لا يقرها دينٌ صحيح، ولا يقبلها عقلٌ سليم، ولا تستسيغها فطرةٌ سوية، فضلًا عما يروج له بعض أصحاب المصالح والأهواء - مسلمين وغير مسلمين - من ادعاءات أثارت كثيرًا من الفتن التى هددت أمن المجتمعات وزعزعت استقرارها، وجعلت الناس يتخبطون فى ظلمات كقطع الليل المظلم، كل ذلك جعل حديث الناس اليوم لا ينفك حول دور الأزهر الشريف فى تجديد الخطاب الدينى باعتباره المرجعية الإسلامية المعتبرة محليًّا وعالميًّا، وبات هذا الموضوع الشغل الشاغل للمتخصصين وغير المتخصصين على حد سواء، فلا تكاد تخلو وسيلة إعلامية أو صحفية أو مجلس من المجالس من الحديث فى هذا الأمر، دون إدراك لماهية التجديد ووسائله، ودون وعى بأدوات المجدد ومؤهلاته، ودون معرفة بالثابت الذى لا يقبل التجديد والمتغير الذى هو محل التجديد ومحوره، وهو كثير جدًّا إذا ما قورن بالثابت الذى لا يقبل التجديد فى شريعتنا الإسلامية. ويظن أكثر الناس أن أمر تجديد الخطاب الدينى هذا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، أو بضغطة زِر، وكأن الأزهر الشريف يملك عصا سحرية لتغيير ما عَلِقَ فى أذهان الناس وتراكم فى عقولهم على مدار عقود من الزمان أريدَ للأزهر فيها أن يتقوقع، وسُمح لغيره من المتشددين وأصحاب المصالح الحزبية الضيقة ممن نجنى أشواك ما غرسوه فى عقول الناس اليوم، أن يشاركوه المنابر وساحات الدعوة، بل أُفسح لهم المجال إفساحًا لمصالح محدودة أو اعتبارات وقتية!

والحقيقة التى لا مراء فيها أن الأزهر الشريف يؤمن إيمانًا لا لبس فيه ولا غموض بمسألة التجديد فى الفكر الإسلامى مراعاةً للزمان والمكان وأحوال الناس وما يستجد فى حياتهم. ولا غَروَ فى ذلك، فقد استمرت مسيرة التجديد فى الفكر الإسلامى ابتداءً من عصر النبوة، مرورًا بزمن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى العصر الحديث، وستستمر هذه المسيرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهذه سنة الله فى الكون، وهى قاعدةٌ مسلَّمة فى نصوص صريحة، وحقيقةٌ تاريخية ثابتة، وضرورةٌ تقتضيها مستجدات العصر، وهو ما جعل الإسلام الدين الصالح لكل زمان ومكان.

ومن خلال تلك البرامج والآليات التى استحدثها الأزهر الشريف فى السنوات القليلة الماضية، فإن تجديد الخطاب الديني، وتوضيح المفاهيم وتفنيد الشبهات، وترسيخ القيم الإسلامية السمحة، وإرساء دعائم المواطنة، والعيش المشترك، والتعددية الفكرية، وقبول الآخر، ونبذ العنف والغلو فى الدين، وغيرها من القيم والمبادئ التى تقوى النسيج الوطنى وتعزز السلام الاجتماعي، لم تعد مجرد شعارات جوفاء، بل تحولت إلى عمل مؤسسى سيجنى الناس ثماره يومًا ما.

وعليه، فإن التجاهل غير المفهوم وغير المبرر لجهود الأزهر الشريف على المستويات كافة، وخاصة فى هذه المرحلة الدقيقة التى تمر بها بلادنا بل والعالم أجمع، لن يجدى نفعًا إلا للمتربصين والمغرضين، فلا شك أن هذه الجهود الحثيثة لن تؤتى ثمارها المرجوة إلا إذا وصلت إلى أكبر عدد من الناس من خلال تسليط المؤسسات الإعلامية والصحفية الضوء عليها كما ينبغي، فلعل كلمة طيبة أو تصحيحًا لمفهوم أو توضيحًا لحكم شرعي، يغير مسار شخص مغرر به من كونه قنبلة قابلة للانفجار إلى عنصر صالح فى المجتمع. ومن المؤسف، بل من المحزن حقًّا، أن نرى هجومًا ممنهجًا على الأزهر وقياداته، ومن الظلم البين اتهام الأزهر وعلمائه بالتقصير وعدم تحمل مسئولياتهم، فضلًا عن رد أسباب التطرف والإرهاب إلى مناهجه، وكأن سقوط هذه المؤسسة وتحطيم رمزيتها وإضعاف هيبة علمائها لدى مسلمى الداخل والخارج أصبح هدفًا لبعض أصحاب المصالح والأهواء!

وفى الختام.. أؤكد أن الجهود الحثيثة المبذولة لتجديد الخطاب الدينى لن تؤتى ثمارها المنشودة، إلا إذا صَحِبَها فى التوقيت نفسِه وفى خط متوازٍ معها خطابٌ إعلامى وثقافى وفنى بنَّاء غير هدام، خطابٌ يعى الفرق بين التجديد والتبديد، خطابٌ يدرك خطورة المرحلة ويعلى المصلحة العامة على المصالح الخاصة أو الانتماءات السياسية أو الفكرية، خطابٌ يقدم الفكر الدينى وفق فهم الأزهر الشريف ومنهجه، ويعمل على مساندته وإظهاره للناس.. فمن خلال تضافر جهود المؤسسات المعنية والعمل معًا وفق استراتيجية واضحة يتحد فيها الخطاب الديني، والخطاب الإعلامي، والخطاب الثقافي، والخطاب الفنى المتمثل فى الأعمال الفنية الهادفة، يمكن عندئذٍ أن تحدثَ ثورةٌ دينية وأخلاقيةٌ شاملة.