تمتاز الإسكندرية بأنها مدينة كوزموبوليتانية احتضنت ثقافات وجنسيات متعددة، اتخذت من هذه البقعة الجميلة وطن بديل، وتركت بصمتها في مبانيها وشوارعها وكل زاوية في المدينة الساحلية، فطالما كانت الإسكندرية مدينة مرحبة بالثقافات الأجنبية.
والجالية اليونانية هي إحدى الجاليات التي عاشت في الإسكندرية لفترة طويلة، بل ظلت الجالية اليونانية لسنوات طويلة الأكبر والأشهر بين الجاليات الأوروبية في المدينة، وأكثرها تأثيرًا في المجتمع السكندري، وتعد مقابر الجالية اليونانية، المعروفة بـ"مقابر السبع ملل" أو "مقابر اللاتين"، واحدة من الأماكن المميزة التي أنشأها اليونانيون في الإسكندرية.
وقال الدكتور إسلام عاصم، أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر، نقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، إن مقابر الجالية اليونانية الواقعة في منطقة الشاطبي تعد واحدة من أهم وأجمل المقابر في المدينة، لها طراز معماري مميز وكأنها قطعة من أثينا، وشواهد القبور والتماثيل فائقة الروعة والجمال، لتبدو وكأنها "متحف مفتوح".
وأضاف لـ"دار الهلال" أن الجالية اليونانية كانت أكبر جالية أجنبية في مدينة الإسكندرية، وقد زاد عددهم في عهد محمد علي باشا الذي خصص لهم أماكن لبناء كنائس ومساحة كبيرة لبناء مقابر مثل بقية الجاليات والطوائف الدينية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، باعتبارهم جزء أصيل من المجتمع السكندري، وكانت الجمعية اليونانية هي أكبر جمعية أجنبية في الإسكندرية.
ولفت إلى أن المنطقة المتواجد بها المقابر كانت تقع قديمًا خارج سور الإسكندرية، وأغلب المقابر في ذلك الوقت كان تُبنى خارج سور المدينة الذي كان يقع على أول شارع فؤاد عند باب رشيد.
وتابع: "معظم شواهد القبور مكتوبة باللغة اليونانية، وهناك شواهد مكتوبة باللغة العربية، وهناك أيضًا شواهد مكتوبة باللغة الفرنسية، ومن أجمل القبور فيها، قبر ابنة أحد الأثرياء اليونانيين، وهو عبارة عن مقصورة يونانية، على بابها رسم لملاك بجناحين يضع إصبعه على شفتيه وكأنه يدعو الزائرين لالتزام الصمت، وخلفها تابوت كأنه سرير منحوت من الرخام".
واستطرد: "تحتضن هذه المقابر الآلاف من أبناء الجالية اليونانية الذين عاشوا في الإسكندرية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وأشهرهم الشاعر اليوناني قسطنطين كفافيس، الملقب بشاعر الإسكندرية، ويعد قبره نقطة جذب سياحي للعديد من زوار الإسكندرية، وهناك أيضًا قبر الخواجة أنطونيادس الذي وهب قصره والحدائق المحيطة به لبلدية الإسكندرية، وقبر سلفاجو أحد مؤسسي البنك الأهلي المصري، وعدد كبير من رجال الاقتصاد والشخصيات المعروفة ممن أثروا في المجتمع السكندري.
وأكد أن مقابر الجالية اليونانية تعد مقصد رئيسي للسياح اليونانيين، ومحطة بارزة لـ"سياحة الجذور"، فالكثير من القبارصة واليونانيين يأتون لزيارة قبور آبائهم وأجدادهم، وكذلك يحرصون على زيارة الأماكن التي نشأوا وترعرعوا فيها واستعادة ذكرياتهم في الإسكندرية التي لا تزال محفورة في قلوبهم.