تكتسب الأمم الخبرات من خلال التحديات التي تواجهها على مدار تاريخها، لا تضع الأمم المتفاعلة مع أحداث العالم المحيط بها هذه الخبرات في خزينة وتغلق عليها أو تحولها إلى تاريخ تشاهده، ولا تستفيد من دروسه ،تصبح هذه الخبرات بالنسبة للأمم وقودًا لماكينات صناعة القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتستمد منها الدولة الرؤية في الداخل وتحكم بها نظرتها إلى الخارج ثم تعمل كافة أذرعتها التنفيذية والتشريعية على صياغة هذه الرؤية والنظرة من خلال القرار المتخذ.
تأتى الأمة المصرية على رأس الأمم التي اكتسبت خبرات طوال تاريخها المديد من كثرة التحديات التي واجهتها واجتازتها بكل عزة رغم الصعاب، وتشكلت لها رؤية ونظرة قادرة على التعامل مع كل مواجهة حاضرة ومستقبلية.
وتختلف طبيعة التحديات التي واجهتها الأمة المصرية حسب الفترة الزمنية التي حدثت فيها المواجهة بين الأمة وهذه التحديات ولكن يبقى هناك تحدى أساسي مرتبط بطبيعة الشخصية المصرية وهو الأمن وبمعنى أدق الإحساس بالأمن.
ترفض الشخصية المصرية بجذورها التاريخية التي ارتبطت بانتظام جريان نهر النيل الخالد ومركزية مفهوم الدولة الحافظة للأمن أي شكل من أشكال الفوضى والانفلات بل هي تسعى دائمًا إلى الاستقرار ثم البناء.
قبل سنوات مع اندلاع أحداث يناير 2011 واجهت الأمة المصرية تحديها الرئيسي وهو اختيار الأمن في مواجهة الفوضى، استغلت الجماعة الفاشية الإخوانية حالة الاضطراب وزادت الأمر اضطرابًا حتى أصبحت الفوضى الممنهجة هي السمة السائدة عقب أحداث يناير حتى تسللوا إلى السلطة، وفى تلك اللحظة أصبحت الفوضى هي القاعدة و الأمن استثناء.
عندما تحركت جماهير الـ30 من يونيو وأطاحت بالفاشية الإخوانية كانت تلك بداية مواجهة من نوع آخر مع الفاشيست بعد ما سقطوا مهزومين على يد هذا الشعب، فلجأ الفاشيست في خسة وجبن إلى تاريخهم الدموي بأوامر من يستخدمونهم إلى أحط الوسائل وهى الإرهاب.
تصدت طليعة هذا الشعب من رجال القوات المسلحة والشرطة إلى هذه الهجمة الإرهابية الغادرة، ونجح بل تفوق الرجال الأبطال في القضاء على الإرهاب والإرهابيين، وكان ثمن هذا الانتصار غاليًا دفعوه من أرواحهم ودمائهم لأجل أن يطمئن هذا الوطن من بعد خوف ويتحرك نحو المستقبل دون تردد.
انطلق هذا الوطن بهمة وبإرادة قيادته السياسية إلى الجهاد الأكبر إلى البناء لتحقيق الحلم الذى تحركت وثارت من أجله جماهير يونيو وهو بناء الدولة المصرية الحديثة، دولة تستطيع التفاعل بقوة وإيجابية مع متطلبات عصر لا يكف عن صناعة مستقبل يتطور في كل ساعة بل بدون مبالغة يحدث هذا التطور في كل لحظة.
لم تكن عملية بناء الدولة الحديثة بالنسبة للرئيس عبد الفتاح السيسي والقيادة السياسية قائمة فقط على تحقيق إنجاز البناء، لكن كان الأهم إعادة صياغة المفاهيم التي تقوم عليها الدولة لتناسب هذا العصر والمستقبل الذى لا يتوقف عن التطور وهنا تستمد الدولة طاقة تقدمها من خبرات الأمة التي صنعتها وشكلتها التحديات.
أشارت هذه الخبرات إلى التحدي الرئيسي الذى وضعته الأمة المصرية على رأس أولوياتها وهو الأمن وإحساس كل فرد فينا بهذا الأمن ، وتلقى رجال الشرطة هذا التكليف من الأمة والدولة وقيادتها السياسية بكل جدية وهم يدركون جيدًا مدى ثقة هذا الوطن فيهم وثقة المواطن في عملهم الذى يحرصون ويحافظون عليه بدمائهم وأرواحهم.
مع لحظة التكليف بالواجب الذى يرتقى به الرجال الأبطال إلى هدف مقدس، كانت الرؤية مستمدة من خبرة هذه الأمة وطاقة التحديث التي تسير بها الدولة المصرية في ظل عصر لا يتوقف عن التطور على كافة الجبهات.
أعطت محددات الخبرة والطاقة والتطور المحيط بنا ركائز الرؤية التي سيرسم بها الرجال الأبطال خريطة عملهم ويسيرون على هداها لتحقيق هدفهم المقدس ويصبح الأمن والإحساس بالأمن قاعدة في هذا الوطن دون استثناء، أدرك الرجال الأبطال بخبراتهم وما تلقوه من تدريبات متقدمة وفرها لهم الوطن والدولة أن التطور اللحظي الذى لا يتوقف كما هو معين لهم في عملهم يمكن في نفس الوقت أن تستغله قوى الظلام لتصنع منه أسلحة شريرة تستخدمها في حربها ضد هذا الوطن.
أنتج هذا التطور قبل سنوات قليلة ثورة المعلومات وما قدمته في سرعة من وسائل على رأسها وسائط التواصل الاجتماعي، كان لا يمكن لهؤلاء الرجال الأبطال وهم يتحركون وفق خريطتهم الدقيقة أن يتجاهلوا هذه الثورة المعلوماتية وما قدمته أو أن يغفلوا عن حقيقة واضحة أن أهل الشر والإرهاب متاح أمامهم هذا المنتج المعلوماتي الذى يستطيعون به صناعة نوع آخر من الإرهاب بعد أن دحر الرجال الأبطال إرهاب الرصاص والقنابل والسيارات المفخخة.
تحركت قوى الظلام والإرهاب في خسة لتستخدم المعلوماتية في أغراضها الشريرة محاولة أن تصيب هذا الوطن بسلاحها الجديد متمثلا في الشائعات الزائفة والدعاية السوداء، لم يكن هذا السلاح الشرير أقل خطورة من الرصاصات والقنابل بل هو أخطر لأنه يستهدف الوعى والعقل الجمعي للأمة بكاملها، ويتسبب في حالة من عدم الثقة تعيق عمل ماكينات البناء والحداثة التي تديرها الدولة.
أمام هذا الزيف والشائعات السوداء التي تستهدف مفهوم الأمن والإحساس به كان الرجال الأبطال في ظل وعيهم وتدريبهم المتقدم يديرون معركتهم مع أهل الشر بذكاء مستخدمين التطور المعلوماتي لصالح قوى الخير وأمن هذا الوطن فكان يتم التصدي لهذا السيل من الزيف والشائعات في كل ثانية لأنها معركة لا تعترف بأي سقف زمنى فالشائعة التي لا يتم القضاء عليها في لحظتها تحولها الأكاذيب إلى وهم أسود يعشش في وعى المجتمع، كان رجال الشرطة الأبطال في قلب هذه المعركة التي أدارتها الدولة المصرية بكل جدارة متسلحة بهذا التطور في جانبه الخير والحداثة التي اختارتها طريقًا من أجل البناء.
استطاعت الدولة وأبناؤها من الرجال الأبطال صناعة درع من الحقيقة، والمعلومات الدقيقة المؤكدة في مواجهة هذا الزيف الإرهابي ولم يكتف الرجال الأبطال بهذا الدرع رغم أنه انتصار كامل، بل شيدوا من الحقيقة جسرًا عبرت عليه الأمة من الشك إلى اليقين في مستقبلها وقدراتها على صناعة المستقبل.
هل توقفت تحديات التطور عند الانتصار على أهل الشر وتحقيق هذا الإنجاز؟ لقد وضعت الثورة المعلوماتية ووسائط السوشيال ميديا أمام الرجال الأبطال تحديًا من نوع آخر ارتبط بوسائل الاتصال الذكية التي جعلت كل أحداث المجتمع بخيرها وشرها تبث على الهواء مباشرة من خلال وسائط السوشيال ميديا ويشاهدها الملايين في الداخل والخارج.
بالتأكيد التفاعل اليومي من جانبنا مع أحداث المجتمع أو متابعتها هو الجانب الخير من هذا التطور، لكن في نفس الوقت يمكن لحدث واحد أن يسبب حالة من عدم الاستقرار في المجتمع ككل، لأنه حدث غير عادى فهو جريمة مكتملة قد نشاهدها في فيديو تعرضه وسائل السوشيال ميديا أو "بوست " أو "تغريدة " كتبت هنا أو هناك كان هذا هو التحدي الجديد الذى تفاعل معه الرجال الأبطال.
جاء تفاعل رجال الشرطة مع هذا التحدي المجتمعي على نفس القوة والسرعة والأحكام كما في كل معاركهم التي حققوا فيها الانتصار دائمًا لصالح هذا الوطن، لأنهم أدركوا أن مفهوم الأمن في الدولة الحديثة التي نبنيها وتحديات التطور تفرض رؤية أشمل فأصبح هذا الفيديو أو "البوست " أو "التغريدة" بمثابة بلاغ يجب التحقيق فيه حتى يصلوا إلى حقيقته ويطلعون كل أفراد المجتمع على تفاصيل هذه الحقيقة.
التحدي كان كبيرًا ومهولا لأننا أمام ملايين المتفاعلين على السوشيال ميديا، وهناك مليارات من المواد المعروضة على هذه الوسائط وبمجرد ظهور حدث على هذه الوسائط يلزم فيه تدخل رجال الشرطة يزداد التحدي أهمية وخطورة لأن كل هذه الملايين المتفاعلة ستتحول إلى مراقبين تنتظر الحقيقة أو إلقاء القبض على مرتكبي الجريمة التي شاهدوها جميعًا ولعل أقرب مثال كان الفيديو الذى صور تفاصيل خطف الطفل زياد وأي تأخر في كشف الحقيقة أو الوصول إلى الجناة يتحول إلى حالة من عدم الثقة وهى أخطر من الدعاية السوداء والشائعات.
دائما كان الرجال الأبطال على عهدهم مع هذه الأمة بأن أمن هذا الوطن قاعدة ترسخت ولا تعرف استثناءات ، انتصر الرجال الأبطال واجتازوا هذا التحدي المجتمعي بكل قوة وسرعة وأحكام، لكن كان خلف هذه القوة والسرعة والأحكام التي بهر بها رجال الشرطة هذه الملايين المتابعة ، دولة مصرية حديثة استوعبت تطور العصر وآلاف من ساعات التدريب، ورجال بذلوا العرق والدم وشهداء، قدموا أرواحهم تاركين كل شيء في سبيل هذا الوطن وأمن هذا الشعب.