في هذا الشهر الكريم.. شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن.. يطيب لنا أن نقدم لك صف الطليعة الذى يشارك في الترحيب به وإحيائه بترتيل آيات الذكر الحكيم.. نقدم ثلاثة من كبار المقرئين بين أسرهم وذويهم في جلسات سمر حافلة بالطرائف والذكريات والموسيقى.. وإليك ما تيسر..
بسم الله الرحمن الرحيم.. كان فاتحة زيارتنا عميد المقرئين في مصر الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي، فذهبنا إليه في بيته بحدائق شبرا.. وكان الشيخ هناك.. متدثرًا بعباءة من الصوف متربعًا على أريكته "كنبة" المفضلة، وقد جمع حوله عددًا من أبنائه السبعة وأحفاده الخمسة عشر، وإلى نص الحوار:
كيف احترفت قراءة القرآن؟
إنها قصة طويلة تبدأ من مولدي سنة 1891 في بلدة شعشاع بمديرية المنوفية فأن أول صوت تهادى إلى سمعي وأنا في المهد هو صوت والدي وهو يرتل القرآن الكريم في البيت، فقد كان رحمه الله مقرئًا، ولذلك كان طبيعيًا أن أتمثل به، وأحاول أن أقلده في غيبته.. حتى إذا بلغت مبلغ الشباب كنت قد علمت تجويد القرآن على يديه، وسافرت إلى مصر وجعلت أتلوه في مساجدها وكان هذا في سنة 1916.. وعندما أنشئت الإذاعة المصرية دعيت للقراءة فيها، لكنني رفضت وقد اعتبرت أن القراءة في الميكروفون نوع من الاستهتار بكلام الله ولكن هذا الاعتبار زال من نفسى بعد الفتوى الشرعية التي أصدرها العلماء.
هل تنوى أن تجعل بين أولادك خليفة لك كما فعل والدك معك؟
ولدى الأصغر إبراهيم.. لقد علمته أصول القراءة حتى أجاد مختلف أنواع القراءات، كما تعلم بدوره الموسيقى والتواشيح على يد أساتذة الموسيقى والقراءات.
يبدو أنك سعيد في أسرتك؟
أن أسعد لحظات حياتي هي التي أقضيها مع زوجتي وأولادي وأحفادي وزوجتي أعز عندي من نفسي، وقد تزوجتها سنة 1924 وأنجبت منها سبعة أولاد يقيمون جميعًا معي في هذا البيت حتى الثلاثة الذين تزوجوا منهم فقد خصصت لهم طابقين من المنزل، وسعدت بهم وبزوجاتهم وأحفادي منهم الخمسة عشر.. وعندي ابنة وحيدة.. وهي أصغر أولادي.. وقد سميتها فاطمة الزهراء، وسمحت لها أن تتعلم ما شاءت لها رغبتها ولكنها لزمت البيت بعد أن بلغت المرحلة الثانوية استعداداً للزواج.
كم يبلغ دخلك الشهري؟
لا استطيع أن أحدد دخلي.. وكل ما أستطيعه هو أن أحدًا من المقرئين لم يظفر بمثل دخلي في حياته وليس معنى هذا أننى من طائفة المساومين الذين يتاجرون في كلام الله، وأنا راضي بالرزق الذى يسوقه الله إلينا.
أسبوع بلا مأوى
لعلك تذكر حادثًا عجيبًا وقع لك.. ما هو؟
أذكر حادثًا لا يهم القراء كثيرًا، أقصد قراء المصور ولكنني لا أنساه أبدًا.. فقد تصادف أنني كنت أقوم بإحياء ليلة مولد النبوي الكريم في إحدى القرى المجاورة لكفر الشيخ.. وتصادف في تلك الليلة أن اندلعت ثورة 1919 وتوقفت قطارات السكة الحديدية، ولاذ الكثيرون ببيوتهم فتعذرت على العودة وقضيت يومين في ضيافة أصحاب الحفل، وفي اليوم الثالث قررت أن أسافر إلى القاهرة حتر أطمئن أسرتي فركبت الركائب إلى كفر الشيخ وهناك حملنا مركب تجره الخيول على الشاطئ إلى طنطا ثم حملنا مركب شراعي آخر إلى شبين الكوم، وقد بلغناها بعد منتصف الليل.. وطرقت عدة أبواب التمس وراءها مأوى ولكن أحدًا من أصحابها رفض أن يسمح لي بالمبيت وقضيت الليل في المسجد.. وفى الصباح عاودتني المشكلة.. كيف أصل إلى القاهرة؟ وبعد يومين سمعت أن صاحب موتوسيكل يحمل الناس إلى القاهرة لقاء أجر كبير فاتفقت معه على السفر معه، وكانت رحلة شاقة تحطم فيها الموتوسيكل عشرات المرات، وكنا نجره في أكثر المراحل.. وأخيرًا بلغت القاهرة وكانت أسرتي في جزع شديد على مصيري.
ما الذى تتمناه في حياتك؟
أتمنى مرضاة الله سبحانه وتعالى وعنايته بي وأولادي.. كما أتمنى أن يعنى المسئولون بالمساجد وخصوصاً الأثرية منها.. حتى تصبح مزارًا سياحيًا يقصده الناس من كل فج.