بقلم: أحمد أيوب
لم يستوعب البعض فكرة المؤامرة التى تديرها قوى دولية وأجهزة مخابرات نعلمها جميعا على القوات المسلحة المصرية واعتبروها تمثيلية من سيناريو السلطة بهدف تخويف المصريين وجعلهم مجبرين على الاختيار بين أمرين، إما قبول الوضع الحالى الذى يرونه غير جيد، أو الاتجاه إلى وضع آخر أسوأ وهو ما يحدث فى سوريا أو العراق أو اليمن أو ليبيا.
ولفترة ليست قليلة كان هذا المفهوم الخبيث هو الذى تم تصديره عمدًا للغالبية من الشعب بقصد الإساءة للمؤسسة العسكرية بسبب إصرار أصحاب المصالح على إخراج القوات المسلحة من المشهد بأى طريقة، لكن باءت كل محاولاتهم بالفشل وظلت المؤسسة العسكرية تتحمل مسئوليتها ليس حبا فى المهام الإضافية أو كما ادعى البعض طمعا فى السيطرة على مفاصل الدولة، وإنما إنقاذا للدولة نفسها من السقوط.
هذا هو العنوان الذى يلخص دور القوات المسلحة خلال السنوات الماضية، حماية الدولة من الانهيار الذى كانت تحوم شواهده ومؤشراته حول مصر من كل الاتجاهات، فلا يمكن أن ننسى أو نتجاهل ما كانت تواجهه البلد قبل ثلاث سنوات (٢٠١٣) من مخاطر حقيقية تهدد كيان الدولة بالكامل، فالوضع الاقتصادى يتهاوى بسرعة غير مسبوقة، والبطالة تتزايد والمخاطر تتزايد والديون ترتفع معدلاتها والسياحة تتراجع أرقامها والعمليات الإرهابية تشتد وتزداد وخطط التضييق على مصر اقتصاديا واستثماريا وسياسيا تتوالى وتحاصرنا من كل اتجاه والاستثمارات تعطى ظهرها لمصر، بل حتى من سعوا لإخراج المؤسسة العسكرية من المشهد بحجة أنها تستحوذ على فرصهم هم أنفسهم كانوا أول من سارعوا بالهروب بأموالهم إلى الخارج ليستثمروا فى دول أخرى خوفا من مصيرهم فى مصر.
أمام هذا الوضع السيئ والذى وصل بمؤسسات التصنيف الائتمانى الدولية إلى حد أن تعطى مصر أعلى المؤشرات السلبية، لم يكن هناك أمل فى أى مؤسسة أن تتحمل المسئولية، بل كانت كل المؤسسات تعانى من الوهن الواضح، والمستثمرون خائفون ورجال الحكومة مرتعشون يخشون حتى مجرد اتخاذ القرارات،
فى ظل هذه الظروف طالب الشعب المشير عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع أن يترشح للرئاسة لإنقاذ البلد، لأنهم توسموا فيه شخصية القائد القادر على العبور بالبلد من هذه المحنة، لكن الرجل كان يرى الصورة دون رتوش، كان يرى الخطر واضحا والانهيار قادم لا محالة، فالقوات المسلحة تحارب على جبهات بينما المؤسسات الأخرى تتساقط أوراقها كما الخريف.
داخل المجلس العسكرى كان الاتفاق بين المشير السيسى وأعضاء المجلس من قيادات المؤسسة العسكرية، أن يتخذ السيسى قراره بالترشح للرئاسة تلبية لطلب الشعب، ولن تخذله المؤسسة العسكرية بل ستقف بجانب الدولة وتتحمل مسئوليتها فى حمايتها وإنقاذها من السقوط.
هذا الاتفاق بجانب رغبة المصريين كانا عنصرى الحسم الأساسيين فى قرار المشير السيسى بخوض الانتخابات الرئاسة والتى فاز فيها بغالبية كاسحة.
ومنذ اللحظة الأولى كانت المؤسسة العسكرية ورجالها عند حسن الظن وكما وعدوا، بجانب السيسى لبناء مصر من جديد، فالوضع قد وصل إلى مرحلة أن كل المسكنات لم تعد تفيد، والتأجيلات نهايتها كارثية.
لم يكن من طريق إلا جراحة كبيرة سيتألم منها الجسد لبعض الوقت لكنها ستزيل الورم وتفتح الشرايين المسدودة وتعيد ضخ الدماء فى الجسد المنهك مرة أخرى ليستعيد شبابه وحيويته.
لم يكن من خيار آخر، فالقوات المسلحة هى المؤسسة الوحيدة القادرة على القيام بهذه الجراحة، ورغم علم قادتها وأبنائها أن المهمة ليست رفاهية ولا سهلة وإنما ثقيلة جدا وعبء ضخم، لكنهم قبلوها حبا فى هذا الوطن، وكما قال أحد قيادات القوات المسلحة لى وقتها، قبلنا الموت فداء تراب هذا الوطن ويسقط منا شهداء كل يوم فى حرب الإرهاب، فهل نرفض أن نبنى البلد ونقيم المشروعات التى تضمن لهذا الشعب الحياة الكريمة وتعوضه عقود من الحرمان.
هذه هى القناعة والعقيدة التى وجدت داخل المؤسسة العسكرية التى تصدى أحد أبنائها للمسئولية مستندا إليها.
فالأمر لم يكن تمكينا للجيش ولا سيطرة ولا أي شيء مما ادعاه أصحاب المصالح، وإنما القصة ببساطة أن الرئيس منذ أول يوم يريد، بل يصر أن يبنى الدولة من جديد وفى هذه المرحلة والظروف الصعبة لا يمكن الاعتماد أبدا على مؤسسات هشة لأنها لن تتحمل بل ستسقط سريعا، والحل الأفضل والوحيد أن يعتمد على مؤسسة تمثل كتلة صلبة لديها نظام وانضباط، ولا تعانى من الفساد، ولا تهدف للربح، وكل هذه المواصفات تتوافر فى المؤسسة العسكرية، فاتجه إليها الرئيس وقبلت المؤسسة المسئولية، ولو وجد السيسى مؤسسات أخرى تتوافر فيها نفس المواصفات ما تردد لحظة فى الاعتماد عليها لكن كلنا نعلم وضع المؤسسات فى مصر وحالها منذ عقود.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية كانت المؤسسة العسكرية نموذجا فى الوطنية، تعمل فى كل الاتجاهات بلا كلل أو ملل حربا على الإرهاب وحربا من أجل البناء، رجال يقاتلون فى سيناء، وآخرون يقيمون الصروح والمشروعات العملاقة فى قلب مصر، خدمة فى سبيل الوطن على مدار الساعة، أجساد لا تعرف للراحة طعما، فالمهم عندهم أن يشعر المصريون بأن هناك تغييرا يحدث وأن مشروعات تقام من أجلهم، وبمعدلات إنجاز غير مسبوقة، شبكة طرق وكبارى ضخمة ومدن كاملة وعاصمة إدارية جديدة وأنفاق ومصانع بتروكيماويات ومناطق لوجيستية وموانئ واستصلاح أراضى وإقامة صوامع قمح ومشروعات إسكان اجتماعى ومستشفيات ومدارس، فقد انتشر رجال القوات المسلحة فى كل المحافظات يشيدون القلاع الصناعية ويفتحون شرايين التنمية فى كل مكان من حلايب وشلاتين وحتى السلوم، والأهم أن كل مشروع وكأنه قصة نجاح منفردة فمعدل الإنجاز دائما يفوق التوقعات الزمنية لكل الخبراء، والتكلفة أقل كثيرا مما لو نفذتها جهات أخرى، والكفاءة لا تقل عن أى مستويات عالمية.
حاول أصحاب المصالح النيل من القوات المسلحة حتى ادعى بعض المتآمرين أن القوات المسلحة تحتكر المشروعات، وادعوا أن هذا يؤثر على فرص المنافسة مع الشركات الأخرى.
لكن الحقيقة أن هذا الكذب لم يكن سوى محاولة خبيثة لتشويه جهد القوات المسلحة والتى تصدت عبر إحدى اداراتها وهى الهيئة الهندسية لتنفيذ ما تحتاجه الدولة من مشروعات تعيد البناء من جديد، فالجميع يعلمون أن هذه الهيئة الهندسية لا تملك من القوة البشرية ما يجعلها تنفذ مشروعا واحدا، ولكنها تستطيع من خلال رجالها أن تشرف على كل المشروعات على مستوى الجمهورية، ولهذا فهى تعمل من خلال شركات مدنية بالكامل تحت إشرافها، وفى كل مشروع تقيمه تستعين بهذه الشركات، ففى مشروع هضبة الجلالة وحدة تعمل ٦٥ شركة مدنية.
وحسب الأرقام فالمشروعات التى تشرف الهيئة الهندسية على تنفيذها أكثر من ١١٠٠ شركة مدنية تقريبا ويعمل بها ما يزيد عن مليونين ونصف المليون مهندس وفنى وعامل مدنى يمثلون العمالة المباشرة، إضافة إلى أكثر من ٤ ملايين عامل غير مباشر، كل هؤلاء لا يعملون بالهيئة الهندسية وإنما هم عمالة مدنية تماما، يستفيدون من أكثر من ٣١٠٠ مشروع تتحمل الهيئة الهندسية مسئولية إنهائها منها نحو ٣٠٠ مشروع قومى، وقد أنجزت الهيئة الهندسية بالفعل أكثر من ١٧٠٠ مشروع وتعمل حاليا بكل جهد لإنجاز ١٤٠٠ مشروع أخر فى المواعيد المحددة
وقوف القوات المسلحة بجانب الرئيس لم يقتصر على إقامة المشروعات فقط وإنما أيضا مواجهة التحديات المختلفة، فالقوات المسلحة لا تتأخر عن دعم أى وزارة من موازنتها إذا احتاجت لذلك بما لا يضر بموازنة المؤسسة العسكرية ومتطلبات تسليحها، وفوق هذا تسارع القوات المسلحة فى دعم المواطن البسيط الذى يشغل الرئيس كثيرا، فخلال عام واحد سيصل عدد العبوات الغذائية التى توزعها القوات المسلحة بنصف التكلفة من خلال منافذها الثابتة والمتحركة على مستوى الجمهورية لدعم الطبقات الفقيرة إلى ٨ ملايين عبوة، تم بالفعل توزيع ٣ ملايين عبوة منها، وستوزع خلال رمضان مليون عبوة أخرى ويستكمل توزيع باقى العبوات خلال الشهور المتبقية من العام الحالى.
بل وحتى على المستوى الخارجى كانت المؤسسة العسكرية موجودة وبقوة فنفذت توجيهات القائد الأعلى لدعم الدول الشقيقة والصديقة وخاصة فى إفريقيا، مثلما حدث مع جنوب السودان أو الصومال، ليصبح اسم مصر موجود من جديد وبقوة فى أفريقيا ليس فقط على المستوى السياسى وإنما أيضا من خلال المساعدات والدعم لأى دول تتعرض لكوارث طبيعية أو ظروف غير عادية.
كفاءة عالية
ولأن المؤسسة العسكرية كما عودتنا نموذج فى الانضباط والتخطيط الاستراتيجى، فقد قامت بدورها كاملا فى التنمية الشاملة للدولة دون أن يكون ذلك على حساب خطتها التسليحية والتدريبية، أو مهامها القتالية لحماية الأمن القومى المصرى، بل على العكس كان أدائها فى كل الاتجاهات دليل أكبر على كفاءتها وجاهزيتها، ففى ملف الإرهاب نرى جميعا النجاحات التى حققتها القوات المسلحة فى سيناء وحصارها للإرهاب فى مساحات ضيقة وتصفية أعداد كبيرة من عناصر تلك التنظيمات المدفوع أغلبهم من الخارج وتدميرها أكثر من ١٥٠٠ نفقا كانت تستخدم فى تهريب المسلحين والأسلحة والسلع، كما دمرت مئات الأوكار الإرهابية وفرضت السيطرة كاملة على سيناء.
والنجاحات التى تحققها فى سيناء تحقق مثلها فى كل الاتجاهات الاستراتيجية، سواء على الحدود الغربية التى أصبحت الخطر القادم على مصر بسبب الفوضى المفروضة على ليبيا وانتقال عدد كبير من المسلحين من سوريا الى ليبيا أو على الحدود الجنوبية التى تسعى بعض التنظيمات لجعلها الخطر القادم على مصر.
وفى مجال التسليح لم تتوقف المؤسسة العسكرية عن خطتها لامتلاك أفضل وأكفأ الأسلحة والمعدات حتى تظل تتمتع بامتلاك القوى الرادعة التى تفرضها ظروف تغير موازين القوى فى المنطقة بعد انهيار دول عربية ، ولهذا شهدت السنوات الثلاث صفقات تسليح غير مسبوقة سواء للقوات البحرية التى أصبحت لاعبا أساسيا فى الحروب الحديثة واستطاعت القيادة العامة تأمين احتياجاتها حتى تصبح رقما فاعلا ومؤثرا فى المنطقة، بل وأصبح لمصر ولأول مرة فى الشرق الأوسط أسطولين بحريين فى الشمال والجنوب.
ونفس الصفقات الناجحة كانت لتطوير إمكانيات القوات الجوية وامتلاكها أسلحة الردع الحديثة مثل الرافال الفرنسية أو الإف ١٦ والأباتشى وغيرها.
وفى مجال المشروعات والخطط التدريبية والمناورات المشتركة لم تعتذر القوات المسلحة المصرية عن أى التزام بل ضربت المثل فى التعاون المشترك ونفذت كل مخططاتها التدريبية التى تستهدف رفع الكفاءة القتالية والجاهزية الدائمة لأى تحديات يمكن أن تواجه الأمن القومى لمصر سواء على المستوى الوطنى مثل تهديد الحدود أو العمليات الإرهابية، أو على مستوى المواطنين كما حدث فى الثأر لعشرين مواطن مصرى تعرضوا لجريمة الذبح على يد عناصر داعش فى ليبيا فكان الانتقام المصرى سريعا ورادعا من خلال قواتها الجوية والخاصة.
هذه هى المؤسسة العسكرية خلال ثلاث سنوات، كانت وما زالت وستظل بدءا من قائدها العام الفريق أول صدقى صبحى وحتى أحدث مجند من رجهالها سندا للقيادة السياسية فى حماية الشعب ومقدراته، تقتطع من وقتها وتوفر من جهدها بل وتضاعف عملها من أجل تأمين الشعب والدولة، وأيا كانت محاولات النيل منها أو تشويهها من بعض المدعين للوطنية والباحثين عن مصالح خاصة أو المأجورين، فلن تتوقف تلك المؤسسة عن دورها ولن تخذل الشعب لأن هذا ليس من تقاليدها، بل ستواصل عملها من أجل تنفيذ حلم الرئيس لهذا الشعب فى بناء الدولة من جديد.