ضاع وقت عظيم على الجميع فى حوارات جدلية حول ماهية حقوق الإنسان والمعايير التى يمكن الاستناد إليها فى أى انتهاكات لم تكن إلا اختلافا فى التطبيق وفقا لطبيعة المجتمع الذى توجه إليه الأسهم من قبل البعض ولما كان الأمر مثار جدل لا يسمن ولا يغنى من جوع قررت مصر - عقب أحداث 25 يناير وما صحبها من تداعيات يدرك جميعنا أنها ما كانت إلا تكئة للتدخل فى شئون مصر وبعبارة أوضح فرض مسار عليها لتنفيذ اجندة خاصة لتمكين فصيل أو تيارات معينة تحت ستار الحرية وحق الممارسة السياسية – صياغة استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان وكلمة "وطنية" هى درع مانع يصد كل ما يرفضه المجتمع المصرى وفقا لطبيعته بدعوى حقوق الإنسان فالحرية فى المثلية الجنسية وإن كان يقبلها مجتمعات أخرى على أنها من قبيل الحرية إلا أن المصريين فى عمومهم يرفضونها ولا يعتبرونها حقا مصونا بل تجاوز يستوجب المنع والمقاومة من هنا فإن كلمة "وطنية" تفرض على كل متعاط مع تلك الاستراتيجية أن يفهمهما فى إطار مجتمعى مصرى وليس فى إطار عولمى هو بلا شك منبع ومصدر كل الملاحظات والانتقادات التى توجه إلى مصر فى هذا الإطار.
وبالتدقيق فى الاستراتيجية التى وضعت نجد أن لها رصيدا يؤشر دون استشكال على أن الإرادة المصرية تسعى وبقوة لتعزيز تلك الثقافة والعمل على الارتقاء بها وفق محددات دستورية استقر عليها المصريون وأقروها فعلى الصعيد النشأة كانت مصر من أولى الدول التى ساهمت فى صياغة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام 1948 وأن إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسى أمس للاستراتيجية الوطنية ما هو إلا تأكيد على مسار قبلته مصر قديما وتواصل عطاءها فيه لكن على مبادئ وطنية تقوم على أن كافة الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة وأن ثمة ارتباطًا وثيقًا بين الديمقراطية وحقوق الإنسان لكن مع ضرورة تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات وبين حق الفرد والمجتمع.
فعلى الصعيد التشريعى رسخ الدستور مبادئ المواطنة والعدالة والمساواة فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز كما أكد على استقلال السلطة القضائية وألزمت الدولة نفسها بحماية الحق فى السلامة الجسدية والحرية الشخصية والممارسة السياسية وحرية التعبير وتكوين الجمعيات الأهلية والحق فى التقاضى ففى سبيل ذلك أنشئت مصر اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان ووحدات وإدارات مختصة بحقوق الإنسان فى كافة الوزارات والمحافظات والجهات ليس هذا فحسب بل بات فى مصر عدد من المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان كمجالس المرأة والطفولة والأمومة وذوى القدرات الخاصة بل أنشأت مصر مجلسا قوميا لحقوق الإنسان وهو مؤسسة مستقلة ولأن المجتمع هو الشريك الأبرز لتعزيز ونشر ثقافة حقوق الإنسان فقد أطلقت الدولة كل القيود على عمل منظماته المدنية وأصدرت قانونا جديدا لتنظيم ممارسة العمل الأهلى فى حوار مجتمعى فريد قام على أسس من التعاون واحترام القانون.
وتظل حرية الممارسة السياسية وضمان نزاهتها عنوانا أبرز لكل انتقاد كان يوجه إلى مصر قبل سبع سنوات مضت من هنا تجلى إيمان الإدارة المصرية بأهمية وجود الآليات التى تكفل أن تخرج أى انتخابات أو استحقاقات دستورية معبرة عن رأى الشارع أنشأت مصر عددا من المؤسسات التى تقوم على إجراء مثل تلك الاستحقاقات وفقا للمعايير العالمية فى النزاهة والشفافية وسنت عددا من التشريعات لضمان ذلك ومنها قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون الأحزاب السياسية وقانون مجلس النواب وقانون مجلس الشيوخ وقانون الانتخابات الرئاسية وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية.
من هنا فإن الارتباط بين رؤية الدولة للتنمية ومفاهيم حقوق الإنسان واضح لا يخفى إلا على كل مغرض فقد حولت الدولة المصرية مفاهيم السكن الملائم، والرعاية الصحية والعمل المنتظم، والغذاء الصحى والتعليم من مجرد عبارات إنشائية إلى خطط عمل استطاعت أن تغير شكل الحياة فى مصر بشكل كبير ونوعى فحق الإنسان فى منظوره الوطنى لا يتوقف عند حدود السماح له بالتدمير والتخريب تحت دعوى حرية ممارسة السياسة بل هو رؤية شاملة تمنح المواطن حياة أفضل ومستقبلا كريما.
إن الرئيس عبد الفتاح السيسى لم يطلق مجرد استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان بل أطلق فلسفة مصرية يستضاء بها وتحقق التكامل فى عملية الارتقاء بالمجتمع وقدم كرجل دولة البرهان على جديتها فى معالجة المخاوف فى هذا الملف وبقى هنا دور المجتمع من هنا دعا الرئيس السيسى الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى للاهتمام بإثراء التجربة السياسية المصرية، والبدء فى إعداد الكوادر المدربة من خلال توسيع دائرة المشاركة وتوج ذلك إعلان الرئيس السيسى عام ٢٠٢٢ "عامًا للمجتمع المدني" ليأتى كأبلغ رد على كل المشككين والمرجفين ليؤكد وبقوة احترام مصر لجميع التزاماتها التعاهدية ذات الصلة بحقوق الإنسان والحريات.
إن من دواعى الفخر أن يأتى إطلاق هذه الاستراتيجية الوطنية على أعتاب إطلاق الجمهورية الجديدة ومن داخل منشآتها بالعاصمة الإدارية ليؤكد أن الدولة القديمة التى كانت مؤسسا وصائغة للإعلان العالمى لحقوق الإنسان لا يمكن أن تدخل المستقبل بجمهورية جديدة دون أن يكون لها استراتيجية وطنية تستلهم الدروس من الماضى وتضع المستقبل بكل تحولاته نصب أعينها وبقى للجميع أن يبصر موضع قدميه وأين هو من السعى الحقيقى لتحقيق الجسر الآمن بين حق الدولة فى حماية مقدراتها وبين ممارسة المواطن حقوقه الأساسية وفق منهج وطنى معلن وواضح ليبقى أى حديث بعيد عن ذلك المسار ما هو إلا نعيق لسرب من الغربان.