فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق لبوابة «دار الهلال»:
الجهل عرقل عملي وهذه قصة الآثار المهربة
لم أكن أريد الوزارة.. وراضٍ عن ما حققته
أموالي لا قيمة لها إلا عندما وضعتها لتكريم المبدعين
أنا من أقحاح الإسكندرية الضيقة ومصر بلدي لن أتركها أبدا
عاطف صدقي قال لي هتدخل السجن
هذه علاقتي بسوزان مبارك
إرادة الدولة جريئة في إزالة العشوائيات
الإرهاب والجماعات المتطرفة منعونا من إقامة الأنشطة الثقافية في سيناء
23 عاما قضاها الفنان فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق كوزير للثقافة والآثار، ليصبح أطول وزير للثقافة في تاريخ مصر.
ورغم ذلك ينفى فاروق حسني أنه كان وزير حسني مبارك المدلل، ويعلن أن الجهل وتربص الصحافة به وبعمله كانا السبب الرئيسي في عرقلة الكثير من الإنجازات التي كانت تحتاج لقرار سياسي قوي.
اليوم وبعد مرور عشر سنوات على خروجه من الوزارة يرى أن فصل وزارة الثقافة عن الآثار هو أمر يحول دون الكثير من الإنجازات للوزارتين.. كما يرى أن تكريم أي مبدع وفنان هو محاربة للقبح، مشيرا إلى أن مؤسسته للفنون أخذت على عاتقها تكريم المبدعين خاصة في مجالي النحت والعمارة لأنه يجد أنهما من أقدم الفنون المصرية ومن الخطير أن يطالهما أي عبث أو همجية.
«دار الهلال» كان لها هذا الحوار الشيق مه وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني ليفتح لنا عقله وقلبه عن تاريخه في الوزارة ولوحاته لمتذوقي فنه.
كيف تقضي وقتك بعيدا عن كرسي الوزارة؟
في الأساس لم يكن لديّ أي رغبة في كرسي الوزارة ولكني لا أعرف أن أعيش بلا فنون ولا ثقافة، كنت مديرا لأكاديمية الفنون بروما وكنت أشغل ملحق ثقافي في سفارتنا بباريس، وكان صديقي دكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق المستشار الثقافي في السفارة المصرية، ورشحني كوزير للثقافة وكنت أقدم من خلال الأكاديمية كافة الفنون المصرية الأصيلة مما عمل ساعد على جذب الأوربيين، وكنا صديقين نجلس على المقاهي الباريسية، وكان بداخلي تمرد على كل ما هو رديء من الفنون فكان عاطف صدقي يضحك ويقول لي مسيرك هتدخل السجن بسبب تمردك ده.
كيف ترى فترتك كأطول مدة لوزير ثقافة في مصر؟
«عندما ترأست الوزارة كنت أعلم أني هاجي وهمشي بعد سنتين ثلاثة لكنني قررت مع نفسي أني لازم أنجح وأترك أثرا، وبالفعل بدأت عملي بكل فن وفي إطار ميزانية ضئيلة أنجزت الكثير، وفي جميع الأحوال لديّ سمعتي كفنان والناس هناك في باريس وروما تعرفني لذا لم تشغلني إطلاقا المدة التي سأترأس فيها الوزارة لكن شغلني أنه من الضروري أن أنجح وأن أغير الكثير من المفاهيم حول الثقافة والفنون والتي لم أكن أرضى عنها قبل وصولي للمنصب».
كنت حريصا للغاية على أن أعطي لمن حولي من مثقفي وفناني مصر كل الفرص المتاحة من أجل استمرار عملهم الناجح، لذا كنت أقوم بمد فترات العمل في الخدمة لمن يعملون معي في كل القطاعات لأنهم كانوا ناجحين وكبار في أماكنهم، وكنت أسميهم القوى الضاربة ولا يعجبني على الإطلاق لفظ القوى الناعمة لأن مثقفي وفناني مصر هم قوة تضرب الجهل والإرهاب والأمية .
ترددت أقاويل عن استمرارك في الوزارة كونك قريبا من سوزان مبارك.. ما مدى صحة ذلك؟
«طبعا سمعت هذه الشائعات التافهة المغلوطة لكن الحقيقة أن بداخلي عفريت كبير معتز بنفسه، أحترم نفسي جدا وكنت أقرب للرئيس مبارك أكثر من قربي من سوزان مبارك، وكنت قبل تولي الوزارة كانت بتقول إني أنفع أكون وزير ثقافة في لندن مش مصر بعد ما عرفت ما قدمت ، وعملي ممن رشحوني، وقبلها لم تكن تعرفني».
في تقديرك ما مشكلة مثقفي اليوم والقوة الناعمة؟
لا أفضل كلمة القوة الناعمة أسميهم القوة الضاربة وكنت أمازح المشير طنطاوي ونحن في الوزارة وأقول له إن لديّ قوة ضاربة لا تقل أهمية عن قوة الجيش، لدينا عقول مفكرة وأسماء كبيرة عظيمة في ذلك الوقت بينما اليوم أين مثقفو مصر وصحفيوها الكبار أغلبهم توفوا ولم يحل مكانهم أسماء طنانة في العالم العربي كما كان سابقا، لا أعلم ربما لا تساعدهم الظروف المحيطة بهم.
ماذا عن اتهامات بعض الوزراء بعدم فسح المجال للأجيال الجديدة خلال حكم مبارك؟
«كلام غير صحيح أعطينا فرصا للجميع ولكن كان وقتها هؤلاء كبار السن لم نستطع أن نستغني عنهم؛ لأنهم كانوا واجهة مصر الثقافية والحضارية علشان كده كان بيتم التجديد لعقود الكثير منهم للاستفادة من خبراتهم وصيتهم العربي والدولي».
لماذا لم يتم تطوير منطقة سور مجرى العيون في عهدك؟
تم البدء في تطوير سور مجرى العيون بالفعل بداية من النيل وترميم الساقية التي مانت ترفع الماء من النيل للسور واستكملنا الترميم حتى صادفتنا الورش الخاصة بالجلود فتوقفنا لأنها تحتاج لتدخل سياسي، لأن مثل هذه التطورات تحتاج لقوة في اتخاذ القرار من صانع القرار الأول وهو الرئيس، في عهدي كانت الصحافة تحاربني على كل شيء فيه تطوير أو منهج مختلف أو جرأة، يمكن كنت أكثر وزير تتم محاربته في مصر وسأذكر مثالا على ذلك عندما دعوت السفير الإيطالي لمشاهدة باب العزب هذه المنطقة المبهرة في القلعة كان ديكور عظيم والرجل انبهر وعرض على تطوير المكان وتحويل 8 أو 10 غرف كانت أشلاء للعساكر إلى فندق سياحي جميل يجلب مزيد من الاستثمارات والأموال للدولة.. وقف أمامي الجهل وكان يقال أبعدوا الآثار عن الثقافة لأني كنت أنجز وكنت ناجح.
وبالطبع أنا متابع ما يحدث اليوم ومبسوط من الجرأة في إزالة أي قبح حول آثارنا ومعالمنا السياحية من قبل الرئيس السيسي وحكومة مدبولي اليوم، هناك إرادة أكبر مما كانت موجودة في عهدي كوزير، نظرا لأن هناك ميزانيات ضخمة تساعد على ذلك.
فاروق حسني في حواره مع منى عشماوي
هل كان فاروق حسني هو الوزير المدلل في كل حكومة مصرية على مدار 23 عاما؟
أجاب ضاحكا: "لا خالص، إطلاقا، كنت أجد على عاتقي أن تصل الثقافة للنجوع والقرى وصلت المكتبات والمتاحف إلى كل مكان في مصر والمتحف الكبير كنت قد أنجزت جزءا كبيرا منه، وكنت أعمل في حدود الإمكانات المتاحة وأنا راضٍ عن ما صنعته، وأغلب ما هو موجود اليوم من متاحف ومسارح ومكتبات كانت من البدايات لعملى ".
لديك مؤسسة لتكريم الشباب في الفنون.. حدثنا عنها.. وهل بها تحقق حلمك؟
قمت بتأسيس هذه المؤسسة لأني وجدت أن لا أحد يلتفت اليوم لفنون بعينها كالعمارة والنحت، وشاهدنا هذه التماثيل القبيحة في بعض مياديننا، لذا وظيفة المؤسسة هي إبراز مجهود وفن الشباب لإخراج أفضل الأعمال للساحة الفنية، وذلك كتكريم لهذه الأعمال المتميزة، وأقوم بتمويل المشروع وشاركني في البداية رجل الأعمال نجيب ساويرس لكنني أخذت الموضوع على عاتقي كرسالة أترك من بعدها أثرا لاكتمال مسيرتي الطويلة.
ما رأيك في بعض المتاحف التي تم إنشاؤها مؤخرا في الخليج وتضم بعض آثارنا المصرية الأصلية؟
أعلم أن لدى الإمارات وقطر مجموعة من التماثيل المصرية وأيضا أعلم أن الشيخ سعود آل ثان في قطر كان يهتم بالآثار المصرية، واشترى مجموعة من آثارنا من المزادات العالمية أيضا وقتها كنت هأتجنن إزاي آثارنا وصلت برة بالكمية دي وتم شراؤها على يد أثرياء العالم من خلال المزادات، لكن في النهاية أجد أنه من الجيد أن تكون في البلاد العربية ما دامت مصانة.
تخيل الكثيرون أنك لن تقيم في مصر بعد خروجك من الوزارة.. ما ردك؟
«إحساسي بجذوري والحميمية وسط أهلي وناسي وأن دي بلدي أنا قدمت من أقحاح الإسكندرية ومنها ذهبت إلى إيطاليا وفرنسا وعدت إلى مصر عندما أصبحت وزيرا للثقافة، والحقيقة رسمت أهم لوحاتي وأنا في الوزارة وفي النهاية بلدي هي حضني وحياتي ودوست كل شبر في مصر ولفيتها كلها، ومفيش حته لم أذهب إليها ما عدا سيناء، وعندما أردت أن أعيش بالقرب من مكان ولادتي الإسكندرية اخترت ربوة تطل على البحر وبنيت فوقها بيتا صغيرا صممته بالخشب والطوب كالبيوت الفرنسية القديمة».
«لا تشغلني الفلوس وليست هاجسا بالنسبة لي بالعكس أنا أريد إنفاق كل ما لدي من أجل أن أحقق هذا الحلم لتكريم كل فنان يستحق وكل مبدع في فنون الرسم والنحت والعمارة وغيرها من الفنون.. بيتي في القاهرة لا يبعد سوى خطوات عن مؤسسة فاروق حسني للثقافة والفنون ومازال لديّ حلم أن تتسع المؤسسة وتشمل مسرحا وقاعة للمحاضرات».
لماذا تم تهميش سيناء من خطتكم الثقافية طيلة عقود؟
بالطبع كان من الضروري أن تدخل ضمن الاهتمام الثقافي لنا، ولكن كان يمنعنا وجود الإرهاب والجماعات المتطرفة، وكان فيه بعض الفعاليات ولكن لم يكن الوقت حينها يسمح بمزيد من الخطط الثقافية، وأقمنا فقط متحف العريش وبدأنا في متحف شرم الشيخ .
ماذا تسمع أثناء الرسم؟
أعشق أم كلثوم ولديّ أسطوانات قديمة لها نادرة جدا، وبالطبع الموسيقى الكلاسيك التي تدار طيلة الوقت في منزلي، ولكن هذا لا يمنع عشقي للغناء الشعبي مثل غناء عبد المطلب، ولا علاقة لي بسماع مطربي المهرجانات، ولا أريد أن أعرف من هم.