الأربعاء 3 يوليو 2024

الصفحات الدينية الرسمية على السوشيال ميديا وكورونا (2)


د. شريف درويش اللبان

مقالات19-9-2021 | 13:27

د. شريف درويش اللبان

من خلال تحليل خطاب صفحة الأزهر الشريف على الفيس بوك، أمكن رصد أهم الأطروحات الأساسية التي برزت خلال فترة الدراسة وذلك علي النحو التالي:

1- أطروحات النصح والوعظ والإرشاد: من خلال الرصد والتحليل يمكن تقسيم هذه الأطروحة إلي مجموعة من الطروحات الفرعية وهي:

أ- الوعظ والإرشاد الديني: مثل ضرورة التقرب إلي الله والدعاء لله تعالي لذهب الهم وكشف الكرب وشفاء المريض ومعافاة المبتلى، كالاستشهاد بمجموعة من الاحاديث النبوية والأدعية لرفع الوباء والبلاء عن العالم أجمع الذي أصبح يعيش في حالة رعب بسبب فيروس كورونا كحديث النبي:" اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوُذُ بِكَ مِنَ الْبرَصِ، وَالجُنُونِ، والجُذَامِ، وسّيءِ الأَسْقامِ"، كذلك الاستشهاد بدعاء الإمام الشافعي والإمام احمد الطيب شيخ الأزهر لرفع وباء كورونا والتحصين منه.

 كما تطرقت تلك الأطروحة إلي الصبر والرضا بقضاء الله وقدره حيث ركز الخطاب الديني علي أن الابتلاء علامة علي حب الله تعالي للعبد، فعظم الجزاء علي قدر عظمة البلاء، كما قال نبينا:" ما من مسلم يصيبه أذى، مرض فما سواه، إلا حط الله له سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها"، كذلك التأكيد علي أنه من أعظم لطائف البلايا أنها توجب للعبد الرجوع بقلبه إلي الله والتضرع له والاستكانة، وذلك بالاستشهاد بالآية القرآنية:" وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ"، وأيضا حديث للإمام الشافعي "لَمْ أَرَ أَنْفَعَ لِلْوَبَاءِ مِنَ التَّسْبِيح".

ب- الوعظ والإرشاد الاجتماعي: ومنه الحرص علي الكلام الطيب واحترام الآخرين، تعقيبا علي مشهد رفض دفن طبيبة توفيت بكورنا، وذلك بعرض أدلة وشواهد تدين هذا العمل واعتباره مظهر من مظاهر التنمر والسخرية من مصابي الفيروس وضحاياه، حيث دعا شيخ الأزهر عبر الصفحة الرسمية إلي التضامن الإنساني برفع الوصمة عن المرض وكفالة المتضررين، وإكرام من ماتوا بدفنهم والدعاء لهم، والتذكير بما فعله الرسول بأنه كان يهب واقفا حين تمر به جنازة احتراما للميت وإجلالا لأول منزل من منازل الآخرة، كما تطرقت تلك الأطروحة إلي دعوة المواطنين بالمسارعة لفعل الخيرات والإكثار من الصدقات ومساندة المرضي تخفيفا لما حل بهم من آثار هذا الوباء، حيث تم الاستشهاد بحديثين نبويين هما "والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه"، و"صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات"، أيضا التركيز علي تبرع شيخ الأزهر بمبلغ وقدره خمسة ملايين جنيه لحساب صندوق تحيا مصر، للمساهمة في دعم جهود مكافحة تفشى فيروس كورونا المستجد، وذلك لدعوة المواطنين لمساعدة المستحقين علي تلبية احتياجاتهم في ظل التحديات التي تواجهها البلاد لمكافحة انتشار المرض.

2- أطروحة خطاب المقاصد الشرعية: ركز الخطاب الديني للأزهر الشريف علي حفظ النفوس وحمايتها ووقايتها من كل الأخطار والأضرار، فهي من أعظم مقاصد شريعة الإسلام، تعقيبا علي قرار السلطات المختصة بتعليق صلوات الجمعة والجماعة، وذلك انطلاقا من القواعد الشرعية درء المفاسد مقدم علي طلب المصالح، ويزال الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، ولا ضرر ولا ضرار، حيث أكدت الصفحة الرسمية لمؤسسة الأزهر الشريف علي مشروعية تعطيل الصلوات تلافيا لانتشار الوباء انطلاقا من مسئوليتها الشرعية وواجبها الديني، وذلك بعرض أدلة وشواهد تدلل علي ذلك، كما روي في الصحيحين: "أن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قال لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلاَ تَقُلْ حَيّ عَلَى الصَّلاَةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُم.."، ومن يخالف ذلك فهو آثم لقوله تعالي: "وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ".

3- أطروحة دعم السياسات الصحية وقرارات الدولة: حيث ركزت تلك الأطروحة علي دعم الإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتخذتها الدولة بدعوة المواطنين إلي الالتزام بسياسات التباعد الاجتماعي، والبعد عن التجمعات، مستشهدة بظهور الطاعون في زمن الخليفة عمر بن الخطاب وعدم أمره للناس بالتجمع للدعاء أو الصلاة، ومن يخالف ذلك فهو آثم ومعتدي علي شريعة الله، كذلك التأكيد علي مشروعية قرار السلطات المختصة بتعليق صلوات الجمعة والجماعة في الموجة الأولي من انتشار الفيروس حرصا علي سلامة المواطنين وخوفا من تفشي الفيروس، أو في الموجة الثانية بعد السماح بالصلاة في المساجد وإصدار هيئة كبار العلماء الأزهر الشريف بيانا رسميا يؤكد فيه علي أن ارتداء الكمامات أثناء صلاة الجماعة أو في سائر تنقلات الناس واجبا شرعيا لأنه يقلل من فرص الإصابة بهذا الفيروس وتجنب المصافحة بالأيدي، بناء علي ما أوصت به الجهات المختصة، فدفع الضرر عن الأنفس واجبا والعمل بالاحتياط في هذه الحالة واجبا، كما قال رسولنا الكريم "لا ضرر ولا ضرار"، كذلك دعوة المواطنين أيضا للتباعد بينهم في الصلاة، وتجنب التجمعات في التهنئة أو التعازي كإجراءً احترازياً، لمنع تفشي الوباء وذلك لما تقرر شرعاً من أن مصلحة الأمة مقدمة علي مصلحة الفرد أو العائلة.

4- أطروحة الجهود الرسمية للحد من انتشار الوباء وسبل الوقاية منه: ركزت تلك الأطروحة علي دعوة خطاب مؤسسة الأزهر الشريف للمواطنين باتباع كل التعليمات الوقائية التي أعلنتها الجهات المختصة لمنع انتشار الوباء، من خلال الاعتماد علي انفوجرافيك وتقارير وبيانات من منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة للمصرية لتوعية وإرشاد الأفراد بطرق ارتداء الكمامة وكيفية نزعها، وكيفية حماية نفسك من الفيروس بتجنب لمس العينين أو الأنف والتواجد في التجمعات المزدحمة، كذلك كيفية تعامل الفرد إذا ظهرت عليه أي أعراض، أو مع شخص مخالط داخل أسرته، كما تطرقت تلك الأطروحة إلي التضحيات الهائلة التي يبذلها الأطباء وكل العاملين في المجال الصحي والمخاطرة بأرواحهم وانفسهم من أجل التصدي لهذا الوباء، وذلك بعرض رسائل دعم متعددة من شيخ الأزهر لأطباء مصر، مما يظهر تقدير مؤسسة الأزهر لكافة الطواقم الطبية.

كما تبين من خلال الرصد والتحليل الاستراتيجيات التي اعتمدت عليها الصفحة الرسمية لمؤسسة الأزهر الشريف في تناولها لجائحة كورونا وذلك علي النحو التالي:

1-استراتيجية المشاركة والمسئولية: حيث ركز الخطاب الديني للأزهر علي تشجيع المواطنين وحثهم علي المشاركة في القيام بدورهم في المسئولية الاجتماعية لمواجهة الأزمة، من خلال إطلاق مجمع البحوث الإسلامية لمؤسسة الأزهر الشريف حملة توعوية بعنوان "عونك لهم.. رفعة لك" لدعم قيمة التكافل الاجتماعي خصوصا في أوقات الأزمات كالصدقة والزكاة ورعاية المتضررين سواء مسلمين أو غير مسلمين، وذلك لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، واعتبار تعجيل الزكاة وإخراجها مقدما قبل موعدها مراعاة لمصالح الفقراء أمراً مستحباً شرعياً.

2-استراتيجية الصالح العام: ظهرت هذه الاستراتيجية من خلال التركيز علي الحملات التوعوية الموجهة للمواطنين والتي أطلقها مجمع البحوث الإسلامية لمؤسسة الأزهر الشريف حول كيفية التعامل الأمثل مع الأوبئة والأزمات للحفاظ علي النفس كبنيان إلهي أمر الله تعالي بالحفاظ عليه، بإطلاق حملة بعنوان "إرادة" لتشجيع الناس علي استكمال مسيرتهم في الحفاظ علي أنفسهم وذويهم، كذلك إطلاق حملة "شاركهم ولو بدعوة" حول كيفية التعامل الأمثل مع الأطقم الطبية، ولرفع الروح المعنوية للأطباء ودعمهم والوقوف بجانبهم، من خلال استعراض العديد من القصص الإنسانية الرائعة وما يبذلوه من تضحيات من أجل التصدي لهذا الوباء.

3- استراتيجية التريث وعدم التورط: حيث ركز الخطاب الديني علي رصد الشائعات ونفيها ونشر الحقائق البديلة، واعتبار الترويج لها أمرا مذموما في الإسلام وعملا غير أخلاقيا، لما يستنبطه من جريمة الكذب ومن بلبلة الناس وفزعهم، كما ظهر في الخطاب الديني التركيز علي السلوكيات الجيدة والأفعال الإيجابية علي نطاق واسع، من خلال دعوة الأفراد لضرورة مواساة المصابين والمكلومين لمواجهة الخوف والقلق من الوباء، كذلك ضرورة استمرار النشاطات الإنتاجية والتسويقية لتغطية احتياجات الناس، كما ظهر في أغلب المعالجات الإعلامية الرسائل والآليات التي من شأنها أن تبث الطمأنينة في نفوس المواطنين سواء في حالة إصابتهم أو إصابة أحد ذويهم بالفيروس بالاعتماد علي الحديث النبوي "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء"، وكما قال النبي "من يرد الله به خيرا يصب منه" فالبلاء من علامات محبة الله للعبد.

4- استراتيجية الاستجابة: حيث ظهرت هذه الاستراتيجية في خطاب الصفحة الرسمية لمؤسسة الأزهر من خلال الاعتماد علي آلية الاستعانة بالمتحدثين الرسميين للجهات المختصة سواء منظمة الصحة العالمية أو وزارة الصحة المصرية والاعتماد عليهم كمصادر رسمية، لنقل المعلومات الدقيقة وللتعرف علي جوانب الأزمة، وذلك من خلال بيانات وتقارير رسمية صادرة عنهما حول كيفية تعامل المواطنين مع الفيروس وطرق الوقاية منه.

وبالنسبة للأساليب الإقناعية التي ارتكزت عليها بنية الخطاب الديني للأزهر الشريف فاعتمدت بشكل كبير علي الأساليب المنطقية "العقلانية" في معالجتها لجائحة كورونا، من خلال الاستناد إلي نصوص قرآنية وأحاديث نبوية، كذلك الاعتماد علي التقارير والإحصائيات ومقاطع الفيديو والصور سواء الصادرة عن منظمة الصحة العالمية أو وزارة الصحة المصرية لتعريف المواطن بجوانب الأزمة وطرق الوقاية من الفيروس، كذلك عرض أدلة وشواهد بخطورة الفيروس الذي أصبح وباءً عالميا وما ترتب عليه من آثار اجتماعية واقتصادية علي مستوي العالم، أما بالنسبة للاستمالات العاطفية فركز الخطاب علي بث رسائل الطمأنينة والراحة والأمان للمواطنين، من خلال الاعتماد علي تصريحات شيخ الأزهر بأن الفيروس ليس عقابا إلهيا وإنما اختبار للعبد، وأن هذا البلاء من علامات محبة الله للعبد، لذا وجب علي كل مواطن أن يتقرب ويتضرع إلي الله لرفع الوباء وكشف الكرب وشفاء المريض.

نكمل الأسبوع القادم بإذن الله.