الأربعاء 15 مايو 2024

من سليم الأول إلى أردوغان

2-2-2017 | 12:56

بقلم –  أحمد النجمى

هذه دعوة كان المصريون يلهجون بها إلى الله تعالى، قبل نحو مائتى وخمسين عاماً، لا يذكر المؤرخون من- على وجه التحديد- أطلقها.. لكنه لسان مصرى وراءه قلب مصرى، اكتوى بمظالم العصر العثمانى المظلم، الأعوام الثلاثمائة السود، التى قضاها المصريون- وكثير من البلدان العربية- تحت نير الاحتلال العثمانى.. وأكرر “الاحتلال”!

انطلق اللسان المصرى يلعن العثمانيين طوال الوقت! لم ينس المصريون الطريقة التى استولى العثمانيون على مصر والشام، فى عامى ١٥١٦و ١٥١٧، كان الشرق الأوسط آنذاك تتنازعه ثلاث قوى.. القوة الأولى هى السلطنة المملوكية فى مصر والشام والحجاز، وكان تحكمها سلطان مملوكى من القاهرة، وكان لدى سلاطين المماليك أكبر جيوش المنطقة، وكان السلاطين أنفسهم يمرون بالسلك العسكرى أولاً حتى يصلوا إلى ذروته، وكان لدى هؤلاء السلاطين خزائن مال لا تنفد، بنوا منها أجمل الآثار الإسلامية فى مصر (القاهرة التاريخية تستحوذ على أكثريتها..)، إلا أن نظامهم الاقتصادى اختل بشدة فى الأعواكم الأخيرة (عهد السلطان قنصوه الغورى)، بعد أن تم اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح الذى يدور بالتجارة حول أفريقيا ليصل بها إلى آسيا، لتفقد الخزانة المصرية عوائدها الرئيسية من مرور التجارة العالمية فى أرضها.. وتفشى الفساد فى الدولة المصرية وانتشرت الرشوة والجريمة، فأوشكت الدولة المملوكية على الانهيار بعد نحو ٢٥٠ سنة من القوة والمجد والثراء.. وفى أوج هذه الأزمة الاقتصادية ظهرت القوتامن الأخريان فى المنطقة: الدولة الصفوية (إيران) ووصلت الدولة العثمانية (تركيا) إلى قمة قوتها العسكرية مع رغبات جامحة فى التوسع فى الشرق الأوسط.

وبالرشوة، والخيانة.. انتصر العثمانيون على الصفويين فى معركة “تشالديران”، وعلى المصريين فى معركتين فاصلتين.. الأولى “مرج دابق” شمال سوريا وبها سقطت الشام واستشهد “قنصوه الغورى” فى قلب المعركة.. يقال إنه أصابته (النقطة) من الحسرة على هزيمة جيشه، نتيجة خيانة (خاير بك) والى حلب و(جان بردى الغزالى) أحد كبار قادته! والثانية فى “الريدانية”- المطرية حالياً، شمال شرق القاهرة- وفيها انهزم السلطان الشهيد “طومان باى” الذى خلف الغورى فى السلطنة، وظل طومان باى يكافح شهوراً فى “حرب عصابات” ضد الاحتلال العثمانى، حتى قبض عليه وشنق على (باب زويلة) فى القاهرة التاريخية!

ووراء المعارك الثلاث رجل اجتمعت فيه كل الصفات السيئة التى كرهها المصريون فى العثمانيين.. اسمه (سليم الأول)، كان السلطان العثمانى فى مطلع القرن السادس عشر الميلادى، وقرر التوسع على حساب جاريه: المماليك (مصر والشام والحجاز) والصفويين (إيران والعراق).. قرر أن يجتاح الشرق الأوسط.. كان مصاباً فيما يبدو بجنون العظمة وحب الدم وشهوة امتلاك أراضى الغير.. وإلى ذلك ساعده الظرف التاريخى فى مصر وإيران على تنفيذ خططه، وفى أقل من ثلاث سنوات كان قد استولى على الشرق الأوسط.. بقوة السلاح، وباستخدامه للرشوة فى صفوف أعدائه، وبعد أن قضى سليم الأول شهوته فى “فتح” كل هذه البلاد- وفقاً لتسمية ذلك الزمان- مات.. لم تمض سنوات ثلاث حتى كان قد لحق بقنصوه الغورى وطومان باى فى العالم الآخر.. الفارق أن هذين السلطانين العظيمين رحلا عن الدنيا شهيدين، ورحل سليم الأول مذموماً مدحوراً.

جريمة سليم الأول فى حق مصر ليس لها حدود.. لقد حول مصر والشام والحجاز من دولة عظمى- بل واحدة من أعظم دول العالم- إلى ولايات تابعة للسلطان العثمانى، تحمل منها أموال الخراج والضرائب إلى الخزانة العثمانية فى “الآستانة” وليت الأمر توقف عن فقدان الاستقلال، فى مصر- تحديداً- تضاعف حجم جريمة “الاحتلال العثمانى”، بعد أن انتزع سليم الأول أمهر الصناع والفنانين المصريين من بلدهم مصر وقام بتسفيرهم- بالقوة- إلى تركيا، لكى يعمروها له.. بعد أن انبهر بصناعاتهم وفنونهم فى مصر، الأخطر.. هو المناخ البشع الذى فرضه العثمانيون على مصر- والشرق كله- بعد إتمام احتلالهم له.. انتشر الجهل والمرض والخرافة فى مجتمعاتنا الشرقية، فقد كان الأتراك العثمانيون جهلة منحرفيين تنتشر فيهم الأمراض وتقتل بهم، فقط امتلكوا الجيش الذى تمكن من الغزو والتدمير والقتل.. حكى مؤرخون متعددون أن العثمانين وتفتك فى دخولهم القاهرة- فى يوم واحد- نحو عشرة آلاف روح.. والغريب أنهم وجدوا بعد ذلك من يسبح بحمدهم، ويدعو الله عز وجل من على المنابر.. لكى يديم قوة ومال السلطان (خاقان البرين والبحرين وخادم الحرمين الشريفين..)، وكان (خادم الحرمين الشريفين) هذا- قبل الاحتلال العثمانى- واحداً من الألقاب الأصيلة لسلطان مصر فى عصر المماليك.. وسبحان من له الدوام!

تابع التفاصيل في العدد الجديد في المصور الموجود حالياً في الأسواق .

    Dr.Radwa
    Egypt Air