أكد المشير محمد حسين طنطاوي فى حوار أجراه مع الكاتب الصحفى جلال دويدار رئيس تحرير الأخبار فى 4 أكتوبر من العام 1994، أن الفرد المقاتل بالقوات المسلحة هو أساس النجاح في المعركة وعلى يده وبإرادته يتحقق النصر، وأن الإعداد والبناء الجيد له بما يساير متطلبات العصر هو أحد الأهداف الرئيسية للقيادة العامة للقوات المسلحة بما يؤكد على أن خطوات الاهتمام بتحقيق هذا الهدف تسير بخطي مدروسة ومنسقة عن طريق التوسع في تأهيل الفرد بالأساليب العلمية المتطورة بتطوير مراكز التدريب التخصصية وتزويدها بنظم المحاكاة للأسلحة المختلفة.
وإلى نص الحوار:
- مصر أكبر دولة في الشرق الأوسط ومن هذا المنطلق فإنه لا حرب ولا سلام بدونها.. فما هو دور القوات المسلحة استعدادا وتدريبا وتسليحا لتأكيد هذا الدور التاريخي؟
في الحقيقة إن لمصر دورًا حضاريًا هامًا وحركة في صناعة الأحداث منذ فجر التاريخ والحضارة المصرية كانت أحد الأسباب لتطوير الحياة في المنطقة سابقا.
وقد سبق المصريون القدماء شعوب الأخرى في مختلف ميادين العلم والمعرفة والتجارة بل والفنون العسكرية وقد شهد لهم العالم بذلك، ونظرا للموقع الجغرافي الفريد الذي تتمتع بع مصر في المنطقة فإن الدور التاريخي لمصر وضع على عاتق القوات المسلحة المصرية واجبا أساسيا وهو المحافظة دائما علي مستوى عالي من التسليح والتدريب والاستعداد القتالي.
وفي مجال التسليح يتم امدادها بأحدث العتاد المتطور في حدود مطالبنا واستراتيجيتنا وامكاناتنا سواء بالشراء أو بتصنيع ما يمكننا تصنيعه منها، ولهذا فإن القوات المسلحة لديها الآن أحدث دبابات العصر وأحدث الأسلحة النيرانيه والمركبات، علاوة علي استخدامها لنظم حديثة للسيطرة الآلية في الدفاع الجوي والحرب الإليكترونية وتواكب العصر في امداد قواتها الجوية والبحرية بالمعدات والأسلحة والذخائر المتقدمة.
وفي مجال التدريب فإن القيادة العامة للقوات المسلحة تعني عناية فائقة بتطوير أساليب تدريب القوات في مختلف التخصصات بما يتمشي مع أحدث نظريات العالم العسكري التي تتوافق مع عقيدتنا القتالية.
وقد تمكن القادة من الوصول بالقوات إلي مستويات عالية من التدريب القتالي، وانعكس ذلك علي الأداء المتميز في المناورات والمشروعات الحربية المختلفة، والذي حافظ علي الأداء العالي للمقاتل المصري في حرب تحرير الكويت الصديق، التي أثبتت للعالم أن المقاتل المصري محترفًا ذو مهارات وقدرات قتالية رفيعة المستوى، مادام يتوفر له المناخ اللازم من التسليح والتدريب والإيمان بالقضية.
وفي مجال الاستعداد، فإننا نضع من الأنظمة ما يحافظ علي كفاءة قواتنا واستعدادها الدائم لأي مهام تكلف بها حتي لو كانت مهام طارئة وغير نمطية، وأكبر دليل على ذلك وحداتنا العاملة ضمن قوات حفظ السلام الدولي في الصومال والبوسنة والهرسك، فرغم أن طبيعة المهام التي تكلف بها بعيدة عن المهام الأصلية التي تدرب عليها الضباط والجنود إلا أنه انجز في فترة وجيزة تغيير التكوين العام لتلك الوحدات بما يتلائم مع المهام المتوقعة وتدريبهم عليها واستيعابها بسرعة، وبالتالي فإن استعداد القوات للقيام بتنفيذ المهام التقليدية دون شك ستكون بدرجة أعلى وأكثر دقة وهو ما ساعد على تنفيذ المهام الطارئة وغير التقليدية بمرونة فائقة.
- أجواء الشرق الأوسط تنبئ بمناخ جديد من السلام لم تعهده المنطقة من قبل، وبدأت شواهده تبدو أمام الأعين.. كيف يؤثر هذا المناخ على مفهوم الأمن القومي المصري؟.. وهل يمكن القول أن هذا المفهوم يتسع ليصبح الأمن الإقليمي الشرق أوسطي؟
منذ عدة عقود لم يشهد العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط حالة من الاستقرار أو الهدوء من المنظور الأمني مثل هذه المرحلة، والاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل وتوقيع اتفاقية غزة_ أريحا بينهما في العام الماضي وبدء تنفيذ هذا الاتفاق بين الطرفين وإنهاء حالة الحرب بين الأردن وإسرائيل في الشهور الماضية يزيد فرص التقدم علي مسارات التفاوض الأخرى في مسيرة السلام خاصة بين سوريا وإسرائيل وبين لبنان وإسرائيل.
ولابد أنه نذكر أن مفهوم المناخ يبني على علاقات السلام وحسن جوار بين دول المنطقة واحترام كل طرف لسيادة الطرف الأخر على حدوده السياسية المعترف بها دوليا مع توافر قنوات شرعية للتفاهم بين القيادات السياسية وعلاقات تعاون في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.
أما عن تأثير هذا المناخ على مفهوم الأمن القومي المصري واحتمالات التسلح ليصبح الأمن الإقليمي أوسطي، فإنني أرى أنه مع استكمال صرح السلام الذي كان لمصر الدور الريادي فيه باتفاقية كامب ديفيد ومازال دور مصر المحوري هدفا تسعى إليه القيادة السياسية فإننا نتوقع حالة من الاستقرار لجميع دول المنطقة نظرا لتلاشي أو تقلص التهديدات التقليدية التي اتسمت بها مرحلة ما قبل السلام، ما يؤدي إلى اتجاه الأطراف لتوجيه اهتماماتها إلى الاقتصادية لأعمال الإعمار وإعادة البناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ويزيد من فرص الاستقرار السياسي والأمني بين دول العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
- من أهم عناصر القوة في بناء القوات المسلحة.. العناية بالفرد انضباطا وتدريبا وروحا معنوية عالية.. فما خطوات الاهتمام لتحقيق هذا الهدف؟
الفرد المقاتل بالقوات المسلحة هو أساس النجاح في المعركة وعلى يده وبإرادته يتحقق النصر، لذلك فإن الإعداد والبناء الجيد له بما يساير متطلبات العصر هو أحد الأهداف الرئيسية للقيادة العامة للقوات المسلحة بما يؤكد على أن خطوات الاهتمام بتحقيق هذا الهدف تسير بخطي مدروسة ومنسقة عن طريق التوسع في تأهيل الفرد بالأساليب العلمية المتطورة بتطوير مراكز التدريب التخصصية وتزويدها بنظم المحاكاة للأسلحة المختلفة.
وفيما يتعلق بالانضباط، فالانضباط يأتي من خلال تعميق إيمان وانتماء الفرد المقاتل بالقوات المسلحة وانجازاتها واختيار صفوة الضباط للوظائف القيادية لتكون المثل والقدوة.
أما بالنسبة للاهتمام بالروح المعنوية للفرد المقاتل وهي البعد الغير مادي في تقييم الكفاءة القتالية فإن القوات المسلحة تهتم بالعادات الاجتماعية والعقائد الدينية وتحين وسائل الإعاشة والتغذية والخدمة الطبية إلى جانب العمل على حل المشاكل الاجتماعية للأفراد وأسرهم.
- ماذا استفادت مصر والقوات المسلحة من المشاركة الإيجابية في مسئوليات القوات الدولية لحفظ السلام في كثير من مواقع الأزمات في العالم؟.. وهل يمكن أن نقول أن هناك آثار إيجابية لتلك المشاركة؟
في الواقع أنه منذ اختيار مصر ضمن مجموعة الدولة المساهمة في عمليات حفظ السلام، اعتبر هذا تسليما بقوة مصر الاستراتيجية واعترافا بمدى ما تتمتع به من توازن علي المستوى الوطني والقومي والإقليمي والعالمي، فضلا عن أن قيام مصر بتنفيذ تلك المهام أوضح صراحة مدى المصداقية العسكرية والحضارية التي تتمتع بها مصر بالفعل الأمر الذي يعود عليها بالنفع الاستثماري في معظم أوجه نشاطاتها وقوتها الشاملة.
واستفادت القوات المسلحة المصرية من هذه المشاركة حيث تحقق لها اكتساب خبرات عالية في مجالات التكتيك العسكري والأساليب القتالية والاستعداد لمواجهة الاحتمالات الطارئة، وستعود هذه الخبرات كلها بالفائدة الإيجابية علي أساليب الاستعداد والتدريب والخطط للقوات المسلحة بما يجعلها أكثر قدرة وفاعلية.
- هل يمكن أن نقول أن مصر تملك حاليا إمكانيات التسليح الذاتي بالتكنولوجيا الحديثة بالشكل الذي يوفر لها الدفاع الرادع؟
سياستنا الدفاعية والاستراتيجية التي تتبناها القوات المسلحة المصرية تهدف إلي توفير وامتلاك الإمكانيات والقدرات الدفاعية اللازمة لتأمين أراضيها وسمائها ومياها الإقليمية والقدرة علي مواجهة أي تهديدات أو مخاطر خارجية.
أما بالنسبة لإمكانيات التسليح الذاتي، فإنني أؤكد قدراتنا الذاتية في توفير وتغطية بعض الأجزاء من احتياجاتنا من أنظمة التسليح الحديثة لقواتنا المسلحة وأن منتجاتنا من التصنيع الحربي أصبحت لها سمعتها الدولية المشهود بها.
- ما هي محصلة المناورات الضخمة التي تجريها القوات المسلحة بالنسبة لاستعدادها وامكانياتها في الأخذ بأسلوب الحروب الحديثة؟
المناورات العسكرية هي أحد الأنشطة التدريبية الرئيسية علي المستوي الاستراتيجي والتعبوي تنفذها القوات المسلحة وفروعها الرئيسية في شكل منظومة متكاملة وتدريب مشترك لتحقيق أهداف تدريبية محددة وبما يحقق المحافظة علي استعداد قتالي عال ودائم للقوات المسلحة بما يؤمن الأهداف والمصالح القومية لمصر.
- التدريبات المشتركة التي طلبتها كثير من الدول الأوروبية والعربية الصديقة متي تبدأ.. وهل هذه التدريبات التي لاشك تحقق الفوائد الكثيرة لقواتنا مقصورة فترة معينة.. خاصة فترة الربيع؟ وهل تتوقع سيادتكم مزيدا من هذه التدريبات بعد تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط؟
التدريبات المشتركة أحد مقومات علاقات التعاون العسكري مع الدول المختلفة فهو يمثل الميدان الحقيقي لاكتساب وتبادل الخبرات العلمية في مجال تدريب القوات بالإضافة إلي ما يحققه من التعرف علي أحدث ما يتم انتاجه من الأسلحة المتطورة والحديثة واختبار قدراتها علميا في مختلف الظروف التي يمكن أن تستخدم فيها.
ولقد أجرت مصر العديد من التدريبات المشتركة مع كثير من الدول العربية والأجنبية الصديقة ودول أخري يجري حاليا دراسة تنفيذ تدريبات مشتركة معها_ أوروبية وأسيوية وافريقية وعربية.
ولاشك أن المنطقة في ظل السلام الشامل سوف توفر مناخا أفضل لدعم مجالات التعاون العسكري بين دولها من جهة ومع الدول الخارجية من جهة أخري.
- هل يعني عدم القيام بتدريبات مشتركة في الفترة الأخيرة اتجاه القوات المسلحة إلي منهج جديد أم أن هناك برنامجا خاصة لتبادل الخبرات في توقيتات محددة تحقق ضمان الاستفادة منها.. وهل المناورة الكبرى بدر 93 وفرت تدريبا مثاليا للقوات المسلحة هذا العام؟
في الواقع لم تتوقف التدريبات المشتركة لأن استراتيجية التخطيط للتدريبات المشتركة فضلا عن كونها تهدف إلي تحقيق متطلبات تدريبية محددة فهي أيضا وفي نفس الوقت يجب أن تكون منسقة تنسيقيا دقيقا مع الخطة الرئيسية لتدريب القوات المسلحة المصرية.. ولذلك فهناك توقيتات مخططة تجري معها هذه التدريبات وهنا تجدر الإشارة إلي أن هذه التدريبات تمر الآن بمرحلة تظهر فيها نتائج التخطيط لتطويرها وتنميتها لتوسيع قاعدة اكتساب الخبرات.