الثلاثاء 21 مايو 2024

فى حوار نادر.. الجزء الأول من شهادة المشير طنطاوى على زمن الحرب والسلام

المشير محمد حسين طنطاوي

تحقيقات21-9-2021 | 22:21

أعدّه للنشر: محمود بطيخ

أثيرت حالة من الحزن في الشارع المصري وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر رحيل المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي الأسبق، والقائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية.

وفي واحد من أندر أحاديثه الصحفية، تحدث المشير طنطاوي عن الحرب والسلام والمستقبل، وقال إن الإنسان هو الذي يحقق المعجزات، وأكّد أنّ مصر لا يُفرض عليها شيئًا، وأنها سيدة قرارها.

وننشر لكم نص الحوار، الذي نُشر في العدد 937 من مجلة أكتوبر، بتاريخ التاسع من أكتوبر في العام 1994، والذي أجراه الكاتب الصحفي رجب البنا، على جزئين:

(الجزء الأول)

المشير طنطاوي

  • مصر قادت عسكريًا وانتصرت سياسيًا وتحقق الأمن والسلام عربيًا.
  • أكدت الحرب والمتغيرات الدولية ارتباط الأمن المصري بالأمن العربي.
  • مهام القوات في زمن السلام أكثر وأشق من مهام الحرب.
  • لن يأتي اليوم الذي نفكر فيه في المساس بالسودان.
  • مصر ركيزة الاستقرار بالمنطقة.. ولو فقدت قواتها فيخلق ذلك مشاكل كثيرة في المنطقة والعالم.
  • أفادتنا الحرب على المستوى الاستراتيجي بتأكيدها المزج بين قوى الدولة الشاملة.

 

"حوار مع المشير طنطاوي

■ الإنسان هو الذى يحقق المعجزات

■ مصر لا يفرض عليها شئ.. مصر سيدة قرارها

لا أعرف بالضبط لماذا ينتابني شعور شديد بالاطمئنان، كلما رأيت المشير محمد حسين طنطاوى؟ وفى كل مرة أكتشف سببا لهذا الاطمئنان الشديد، ثم أجد أن هناك أسبابا أخرى لم أكتشفها بعد.. الوجه الأسمر، المصري الملامح، يجعلك تشعر بالألفة لأول لحظة.. تشعر أنك تلتقى بصديق، أو بأخ، أو بواحد من القلة التي منحها الله نعمة «القبول » فجعل من يلقاه يحبه.. ربما يكون ذلك سببا.. ولكن هناك ما هو أهم.. الهدوء الذى تلمسه في كل حركة وسكنة يوحى إليك بالثقة.. بأن الرجل الذى يشغل موقع وزير الدفاع والإنتاج الحربى والقائد العام للقوات المسلحة يمتلك هذا النوع النادر من القوة الداخلية التي تملأ نفوس الرجال بالثقة، وتجعل الواحد منهم مثل الجبل.. راسخا ثابتًا.. صلبًا.. دون صلف أو خيلاء.. قوة هادئة.. وصلابة متواضعة.. وقدرة متوازنة.. ربما كان هذا سببا آخر.. لكنه ليس كل شيء.. هناك الابتسامة الودود المشجعة، وروح «الانضباط» الشديد الواضحة مع لفتة إنسانية لا تخطئها العين.. قوة الإرادة.. وحساسية المشاعر.. ثم هو الرجل الذي تتجسد فيه قواتنا المسلحة كلها.. التي تحمى الحمى.. صفوة أبنائنا وإخوتنا الذين نذروا أنفسهم للفداء دفاعا عنا.. عن وطننا.. عن عرضنا وشرفنا.. عن حاضرنا ومستقبلنا..

 

هذا بعض ما أشعر به كلما رأيته في أي وقت.. فكيف يكون حالي وأنا ألقاه اليوم في وقت تستدعى فيه الذاكرة أيام الفخر التي صنعتها شجاع الرجال ودماؤهم؟ بطولة الأبطال.. وأرواح الشهداء كانت ترفرف حولي وأنا أجلس مع المشير طنطاوي خلال هذا الحوار الذى امتد وطال أكثر بكثير مما كان مقدرًا له.. لأن الحديث كان ذا شجون كما نقول

في البداية كنت أريد أن أعرف ما هو شعور القائد العام الآن، بعد مرور 21 عاما؟ ولذلك سألته: سيادة المشير، ماذا يعني انتصار 6 أكتوبر بالنسبة لك شخصيًا.. وبالنسبة للقوات المسلحة.. وبالنسبة لمصر؟

ويبدو أنني اقتربت من «المنطقة الخاصة جدًا» في قلبه.. فقد تدفق بالإجابة، كأنها مناجاة:

قال: انتصارات أكتوبر 73 نقطة تحول، سوف تظل داخل وجدان كل من ساهم وشارك فيها، لما تحمله من مشاعر، على المستوى الشخصي، لجيل كامل من رجال القوات المسلحة.

وأقول لك في كلمات قليلة: لماذا؟، تلك الحرب أعادت للجندي المصري كرامته التي اهتزت عقب حرب 67.. كان داخل كل منا جرح عميق، وتساؤل: كيف تلحق بالمقاتل المصري هذه الهزيمة؟ ونحن كلنا نعلم أن الظروف والملابسات التي حدثت لم تهيئ الفرصة المناسبة لاختبار قدرات هذا المقاتل، ونعلم أن كثيرًا من الأخطاء حالت دون إثبات ذاته وبراعته ومهارته القتالية خلال تلك المعركة.

لكن هؤلاء الرجال.. الجنود المصريين.. هم الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم «في رباط إلى يوم الدين» وأنهم خير أجناد الأرض.. وخلاصة القول.. عل المستوى الشخصي، كان داخلي بركان ثائر يرفض الهزيمة.. وكان هذا البركان في داخل كل جندي وكل مواطن.. ولذلك جاءت معركة أكتوبر73 فرصة لإعادة الحق للمقاتل المصري.

لحظة صمت سادت المكان فجأة، يبدو أن شلال المشاعر والذكريات كان قد تدفق وقتها.. لكن المشير واصل الحديث بعدها بنفس الهدوء، ولكنى - بالرادار الداخلي الذى كان يقترب من نفس الموجة التي يتحدث منها - أحسست أنه مثلى، ومثل كل المصريين، يحمل مصر كلها داخله، بتاريخها القديم والحديث، وحين تتحرك المشاعر، ويفتح باب الذكريات فإن تيار الحب الغريب الذى يربط المصريين بوطنهم يملأ القلب.. والجوارح.. ويتدفق من العيون.. ولمعت عيناه بشدة وهو يستكمل حديثه:

- كان داخلي بركان ثائر يرفض الهزيمة.. وجاءت معركة أكتوبر 73 فرصة لإعادة الحق للمقاتل المصري.. وكنت أعلم أني أحارب من أجل الحق.. من أجل حضارة عمرها سبعة آلاف عام.. من أجل استعادة الذات لقواتنا المسلحة الى نتشرف بالانتساب إليها.

وعادت لحظة الصمت قصيرة هذه المرة.. والتفت إلي وهو يقول:

- كان هذا شعوري الشخصي، وأكاد أقول إنه شعور كل مقاتل مصري، وبالتالي فإن القوات المسلحة كان لزاما عليها أن تخوض هذه المعركة.. بإمكاناتها الذاتية.. دون الاعتماد على أي قوى خارجية.. باختصار كانت معركة كرامة.. أعادت للقوات المسلحة المصرية مكانتها وهيبتها.. وارتفع الصوت الهادئ قليلًا وهو يقول لي:

- العسكرية المصرية عريقة عراقة التاريخ.. فأول جيش نظامي بنى علي هذه الأرض، وقادته دائما كانوا نبلاء.. فرسانا أشداء.. كل ذلك كان على كاهلي، وفى عقل المقاتل المصري.. وكانت أمامنا حقيقة أن هذه المعركة، المشهود بها في التاريخ، كان هدفها السلام.. وأثبتت أن مصر غنية برجالها الأوفياء لوطنهم.. الأشداء في الدفاع عن الحق.. الأكفاء في تنفيذ واجبهم في الحرب أو في السلام.. أما بالنسبة لمصر فكانت هذه الحرب نقطة تحول تاريخي، واستشراف للمستقبل وطموحاته.

------

كان المكان هادئا، ونحن نجلس في صالون بسيط ملحق بمكتب المشير، وخلفه أعلام أسلحة القوات المسلحة، والجو كله يوحى بالعمل، والجدية، والانضباط، واردت أن أردد أمام المشير طنطاوى ما يقوله كثيرون حق بدا كأنه تساؤل لا يجد إجابة.

قلت: دائمًا يتساءل الكتاب: أين روح اكتوبر؟ أين هي فى رأيك؟

ولمحت ابتسامة خفيفة، كأنه كان يريد أن يقول: إن الذين يتساءلون أين روح أكتوبر مساكين.. لأن العيب فيهم.. لا يرون ما هو أمامهم.. لكنه قال لي على الفور:

- روح أكتوبر أمامك.. كانت وما تزال بكل أبعادها تمثل لنا وقودًا يضيء لنا الطريق لبناء مصر الحديثة، ويمكن بنظرة إحصائية أن تكتشف التحول المذهل منذ هذه الحرب المجيدة حتى الآن، على المجالات كافة.. وهنا يجب أن نتوقف لنتذكر رفقاء السلاح، وزملاء الجهاد، الذين استشهدوا في سبيل هذا الهدف الغالي، سواء الجنود، و صف الضباط، أو الضباط، مسلمون ومسيحيون، قدموا أرواحهم لتعيش مصر حرة.

----------

قلت: نترك الجانب الشخصي والموضوعي من الحرب، ونسأل عن الآثار السياسية والعسكرية لهذه الحرب على المستوى الاستراتيجي.. كيف ترون هذه الآثار؟

قال: حرب أكتوبر المجيدة لها انعكاساتها وآثارها على ميادين عديدة في كافة المجالات السياسية منها والعسكرية، بل تعدت بأبعادها على الصعيد المحلى إلى المستوى الإقليمي والدولي.. على الصعيد السياسي كان انتصار أكتوبر 1973 بمثابة المنارة التي أضاءت الطريق وفتحت المجال للقيادة السياسية المصرية لطرح قضية السلام لإرساء قواعد الأمن والاستقرار بالمنطقة، وإنهاء حالة الحرب بعد أن أثبتت القيادة المصرية قدرة قواتها المسلحة على تحرير الأرض.. ومن جانب آخر كانت نقطة التحول لقبول الأطراف العربية المعنية بالصراع مع إسرائيل لواقع السلام استفادة من الدو الريادي لمصر بالمنطقة.. فمصر التي قادت عسكريًا وانتصرت سياسيًا هي التي تتحمل الآن أعباء كبرى خلال مرحلة تكيف العالم العربي مع المتغيرات العالمية الجديدة لتحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة، وأنتم ترون الجهد الدبلوماسي الذى تبذله القيادة السياسية المصرية لدفع مسيرة السلام على كافة المحاور ومحاولاتنا لتقريب وجهات النظر بين الأطراف كافة.

كما أكّدت تلك المتغيرات على الارتباط الوثيق بين الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي، وجسدت الطابع القومي العربي في مواجهة التهديدات، وبالتالي أهمية التنسيق المستمر علي مختلف الأصعدة السياسية الاقتصادية والعسكرية داخل تلك الدائرة العربية في مواجهة التحديات على المستوى الإقليمي والدولي.

- وكانت من أبرز الآثار العسكرة الانتصارات على المستوى الاستراتيجي تحديث سياستنا الدفاعية، وخطط التطوير التي شهدتها قواتنا المسلحة في جميع الأفرع الرئيسية لمراكبة التطور التكنولوجي المتلاحق، في إطار إمكانات وقدرات الدولة في اتباع سياسة الترشيد، وفى ضوء الاهتمام بعامل الكيف قبل الكم، بما يوفر قدرتنا لتنفيذ مهام الدفاع عن الدولة، وفى إطار عقيدة تؤمن بأن القوات المسلحة ليست أداة عدوان بل أداة حماية وأمن واستقرار للسلام والتنمية، وقد اشتركت مصر في حرب الخليج لتؤكد سلامة عقيدتنا العسكرية وتطورها، حيث تركز على وجوب إقرار الشرعية والعدالة، كما اشتركت بقواتها العسكرية تحت راية الأمم المتحدة تأكيدا للدور المستقبلي للقوات العسكرية لتكون أداة حماية واستقرار تدعم حقوق الإنسان في كل مكان كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الآثار والدروس قد غيرت بالفعل في نظريات عديدة في العلوم العسكرية، سواء في مجالات فنون القتال وتكنولوجيا التسليح، وهذا ما قدمته دراسات المعاهد العسكرية العالمية.

قلت: نقول كثيرًا إننا لابد أن نستفيد من دروس حرب أكتوبر.. وأعتقد أنه آن الأوان لنحدد: ما هى أهم الدروس حرب أكتوبر. وكيف يمكننا الاستفادة بها؟.

وقال المشير طنطاوى:

الحقيقة أن هذا السؤال أصبح من الصعب الاجابة عنه في حديث مختصر، حيث إن الدروس المستفادة من حرب أكتوبر وآثارها وانعكاساتها لم تنته بعد، فرغم مرور 21 عامًا على هذه الحرب فما تزال روح أكتوبر تحض هذا الشعب العظيم على المزيد من الإنجازات، بل إن المبادئ الأساسية لحرب أكتوبر المجيدة أصبحت من مفردات العمل الوطني المصري، حيث نجد على سبيل المثال أن الفكر المصري الاقتصادي العلمي يتحدث الآن عن حشد الطاقات والمبادأة والمبادرة واقتحام المشاكل وتحقيق التوازن وحسن استخدام الموارد والترشيد في استهلاكها.

وحقيقة الأمر أننا استفدنا كثيرًا من دروس حرب أكتوبر العسكرية، وليس الأمر مقصورا فقط على استفادة القوات المسلحة المصرية بل تجاوزه إلى استفادة معظم الجيوش العربية وبعض الجيوش الأجنبية، خاصة فيما يختص ببناء قواتهم المسلحة، ولنستعرض أهم هذه الدروس:

1- في مجال بناء القوات المسلحة أفرزت نتائج حرب أكتوبر انعكاسا واضحا على تطوير أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة ، ونظم القيادة والسيطرة، مما انعكس بشكل واضح على تحسين أدائها بما يتلاءم مع المتغيرات المتوقعة فى اشكال الصراعات المسلحة وتنوع طبيعة المسرح الذى قد تشترك فيه القوات.

2- وفى مجال تطوير الأسلحة والمعدات فقد كانت دروس حرب أكتوبر هي الأساس الذى بنى عليه تطوير الأفرع الرئيسية في القوات المسلحة المصرية تحسينا لأدائها المستقبل وتواكبا مع التطور الحادث في الجيوش العالمية، إن الأساس الذى وضع على أساسه تطوير القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي هو اعتياد على تسليح هذه القوات بأحدث الأسلحة ذات القدرة النوعية الى تضيف إليها إمكانات تعزيز قدرتها القتالية.. كما لا يفوتنا هنا ذكر التأثير المباشر لحرب أكتوبر على الصناعات الحربية المصرية والعربية بكافة أشكالها، سواء التصنيع المشترك والمشروعات المشتركة نتيجة لإنشاء الهيئة العربية للتصنيع، علاوة على تحسين الإنتاج الحربى الذى كان منوطًا بوزارة الإنتاج الحربى نوعًا وكما، وفى مجالات لم يكن متصورًا أن تنتجها العقول المصرية.

3- في مجال بناء الإنسان المقاتل وهو البطل الحقيقي لمعركة أكتوبر.. فقد خرج إنسان جديد ينكر الهزيمة.. ويؤكد قدرته كإنسان ينشد الأفضل لوطنه ولنفسه.. فأدخلنا نظمًا عديدة لإدارة الأفراد.. وتنمية مهاراتهم الطبيعية، كما تأكد لنا حقيقة أنك لكى تقود يجب أن توفر كافة الحاجات الأساسية للمقاتل.. ولقد قطعنا في ذلك شوطا كبيرًا يتلاءم مع خصوصية الانسان المصري، وتعد هذه الاجراءات نموذجا متميزا في منطقة الشرق الأوسط.

4- وقبل كل شيئ لا بد من أن نشير إلى التطوير الذي حدث للجندي والضابط المصري في مجالات التنمية البشرية بكافة أبعادها، وهى الشغل الشاغل للقادة على جميع المستويات، تأكيدا على أن الإنسان هو الذى يستطيع صنع المعجزات، وهو ما أكدته حرب أكتوبر المجيدة.

5- أما الاستفادة في المجالات المدنية فهي كثيرة، وأهم ما يميزها هو إنشاء جهاز الخدمة الوطنية كإنتاج طبيعي لفترة السلام الذى فرضته حرب اكتوبر المجيدة.

6- وعلى المستوى الاستراتيجي بتأكيدها على أهمية المزج بين قوى الدولة الشاملة في حل القضايا القومية، حيث إن القوة العسكرية قد حركت القضية، ثم أكملت القوة الدبلوماسية الطريق، حيث تم تحرير الأرض بأكملها، علاوة عل آثارها على المستوى العربى وتأكيدها لأهمية التضامن العربي للوصول إلى الأهداف المشتركة.

وأعتقد أن ما ذكرته جزء من كل، فسؤالك يحتاج إلى مساحة أكبر للرد عليه.

----------------

قلت: تحدثنا كثيرًا عن روح أكتوبر.. ماذا تعنى بالنسبة لك؟ وكيف توظفها لصالح قضايا الوطن الكبرى؟

وأجاب القائد العام:

الإنسان المصري بطبعه وخصوصيته التاريخية واعى الإدراك بما يحيط به، ومعدنه معدن ثمين، استوعب حضارات عديدة، لم تقدر على طمس هويته بل العكس دائها.. ولقد مرت مصر بتجارب احتلال عديدة إلا أنها تعلمت منها الكثير، وهذا يعنى أن الإنسان المصري بكل خصائصه الانسانية هو الأقوى.. وسيظل دائما.. ولقد مر الإنسان المصري بكبوات عديدة، فبعد معركة التل الكبير تبلورت واندلعت الحركة الوطنية في مصر.. وصولًا إلى ثورة 1919، وبعد يونيو 67 انطلقت طاقات الإنسان المصري الكامنة.

وروح أكتوبر.. تعنى وضوح الهدف.. وضوح الرؤية.. الإجماع على تحقيق هدف قومي يسعى لتحقيقه كل فرد مصري.. كل في موقعه سواء كان مسئولا.. أو مرءوسًا. تخطيط علمي دقيق.. تعبئة طاقات.. حشد إمكانات.. البعد عن الذاتية.. هذا هو الانسان المصري عموما في المواقف الحرجة.. أعطه هدفا واضحا.. اعمل على إخراج طاقاته الكامنة.. الكل لابد أن يعمل في موقعه ويكون قدوة للآخرين.. هنا فقط سوف تشهد أروع صور التلاحم الجاد من أجل تحقيق الهدف.

وأنا أرد الآن على كل المتشدقين بسلبية الإنسان المصري.. كيف تكون.. وهو العماد الحقيقي لما حققته الانطلاقة الاقتصادية خلال خطتين متتاليتين للتنمية؟ وإننا والحمد لله على الطريق السليم لعبور عنق الزجاجة بفضل السياسة الواعية الحكيمة للسيد الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة.

قلت: للقوات المسلحة في ضمير الشعب المصري مكانة كبيرة لأسباب عديدة تاريخية وموضوعية، لذلك يحب الشعب أن يطمئن على أوضاع واستعدادات قواتنا المسلحة درعنا وحصننا.. ما هو الجديد؟ وما هي المهام في ظل أوضاع السلام؟

وابتسم القائد العام وهو يقول لي بمنتهى الهدوء:

بداية يهمى أن أؤكد حقيقة هامة تحكم العلاقة بين القوات المسلحة والشعب المصري، وهى أن هذه القوات جزء من الشعب المصري، تسعى للحفاظ عل أمن البلاد واستقرارها، وهذا ما أثبتته أحداث التاريخ المعاصر، ولم تتقلص هذه المهمة بأيحال من الأحوال منذ حرب أكتوبر 73 حتى الآن ، بل تجاوزتها من خلال التخطيط السياسي العسكري السليم لاستمرارية تطويرها ورفع كفاءتها واستعدادها الدائم لتنفيذ مهامها الاستراتيجية بكل كفاءة واقتدار، وليس دورها خلال حرب تحرير الكويت ببعيد، وقد أشادت به كل دول العالم رغم بعدها عن وطنها بآلاف الكيلومترات لنجدة الشقيقة الكويت.. وهناك دور غير مرئي، وهو من أدوار عديدة.. فأبناؤنا على الحدود المصرية يرصدون ويمنعون أخطارا جساما تستهدف شعب مصر.

أما عن الجديد فنحن في حالة تطوير دائم تجعلنا باستمرار في مصاف الجيوش المتقدمة عالميا تطويرا للفرد والعتاد والأداء العسكري بكافة صوره وأشكاله.

وأما عن المهام في ظل أوضاع السلام فهي أكثر وأشق كثيرا من مهام الحرب، وهذا طبيعي حيث تستلزم تحديات السلام جهودًا أشق في جميع المجالات العسكرية منها والمدنية، وهذا قدر قواتنا المسلحة المصرية، وإن كل ما تقوم به قواتنا المسلحة إنما هو وفاء وعرفان لهذا الشعب الذى أعطاها ويعطيها ما يجعلها على قدم المساواة مع أحسن الجيوش الأجنبية، وأنا أطمئن شعب مصر العظيم على استعداد أبنائهم لحماية وطنهم وأمنهم.