يوافق اليوم 22 سبتمبر ذكرى انتهاء أعمال نقل معبد أبو سمبل، وهي العملية التي استغرقت تقريبا 4 سنوات وانتهت في عام 1968، تم نقل مجمع المنشآت كليا لمكان آخر، على تلة اصطناعية مصنوعة من هيكل القبة، وفوق خزان السد العالي في أسوان، لإنقاذه من الغرق وحمايته، في عملية يصفها المتخصصون بمعجزة لا تقل عما حدث في العصور القديمة.
ويعد معبد أبو سمبل الكبير، الواقع في النوبة بالقرب من الحدود الجنوبية لمصر، من بين المعالم الأكثر روعة في مصر، فقام الملك رمسيس الثاني من الأسرة التاسعة عشرة بقطعه كاملاً في الجبل، عام 1264 قبل الميلاد، ويشتهر المعبد بتماثيله الأربعة الضخمة جالسة والتى تزين واجهته، والتي انهار أحدها بسبب زلزال قديم ولا تزال بقاياه على الأرض.
ويتكون من معبدين نُقلوا من موقعهما الأصلي في عام 1968 بعد بناء السد العالي بأسوان، الذي هدد بإغراقهما، وتم الانتهاء من عملية النقل بفضل الجهود الدولية التي قادتها اليونسكو، وتم قبول المعبد في قائمة مواقع التراث العالمي في عام 1979.
ما هو معبد أبو سمبل
في الصالة الرئيسية المؤدية إلى قدس الأقداس تقف ثماثيل الملك الضخمة على جانبيها حيث تجلس أربعة آلهة: آمون رع، ورع حورآختي، وبتاح، ورمسيس الثاني مؤلهاً، وتم بناء المعبد بدقة عالية بحيث تدخل أشعة الشمس في المعبد يومين في السنة، في 22 فبراير و 22 أكتوبر، وتعبر الصالة الرئيسية، وتضيء التماثيل الموجودة في عمق المعبد، ويعتقد أن هذه التواريخ تتوافق مع تتويج وميلاد رمسيس الثاني.
وإلى الشمال، يقع معبداً آخر من الصخور معروف باسم المعبد الصغير، مكرس للإلهة حتحور والزوجة الملكية العظمى لرمسيس الثاني، الملكة نفرتاري، وعلى واجهة المعبد الصغير، تقف تماثيلها الضخمة بنفس حجم تماثيل زوجها، في مثال نادر جدًا.
وبدأت حملة تبرعات دولية لإنقاذ النصب من الغرق في عام 1959، وبدأ إنقاذ معابد أبو سمبل في عام 1964، وتكلفت هذه العملية 40 مليون دولار، بين عامي 1964-1968.
معجزة العصر الحديث
وعن عملية نقل معبد أبو سمبل، قال الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار، إن مصر عام 1954 بدأت التفكير في إنشاء السد العالي وكان هناك نحو 17 قصرا موجودين خلف السد العالي وتم تسجيلهم، لكن حدث ما حدث أن وزير الثقافة والإرشاد القومي حينها ثروت عكاشة طلب زيارة تلك الآثار قبل غرقها، وفي 9 مارس 1956 أطلق النداء القومي لإنقاذ آثار النوبة، وأنها إن كانت على أرض مصر فهي ملك البشرية كلها.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أنه تمت استضافة ملكات جمال العالم في هذه المناطق، للفت نظر العالم لأهمية تلك الآثار حتى أطلقت اليونسكو حملة "إنقاذ آثار النوبة"، والتي تعد من أهم أنجزته اليونسكو في العالم حتى الآن، حيث اشترك فيها أكثر من 50 دولة ومنظمة من كل دول العالم، وبدأ طلبة المدارس في العالم جمع تبرعات لهذا الهدف وكان أشهرهم طفل ألماني أرسل للرئيس الراحل جمال عبد الناصر رسالة تبرع بنحو 3 يورو كل ما يملكه في حصالته وطلب زيارة تلك الآثار وبالفعل استجابت له الرئاسة.
وأكد شاكر أنه في عام 1956 بدأت الحملة تؤتي صداها وتجمع التبرعات وبدء إنقاذ الآثار وتم نقل بعضها وتجميعها خلف السد العالي، والبعض الآخر تم رفعه من مكانه المنخفض حتى لا تغرق بسبب الفيضان ووضعهم في ارتفاع أعلى ولمسافة حوالي 200 متر، مضيفا أنه تم إنقاذ آثار أبو سمبل منذ عام 1964 حتى عام 1968 أي نحو 4 سنوات.
وأشار إلى أن المقترحات حينها كانت عمل متحف تحت الماء يزوره الناس، فيما طلب البعض إفراغ المنطقة أسفل المعبدين ورفعهم برافعة مرة واحدة لكن كل تلك الأفكار كانت مجهدة ومكلفة، حتى اقترح محمد عثمان أبو الروس وهو أستاذ في كلية الآثار ومن النوبة، والذي قال إن الفكرة بسيطة وعودة لتراث الأجداد من خلال المنشار وبدء نشر الآثار، فمن الخارج يتم النشر اليدوي ومن الداخل الإلكتروني.
وأضاف أن هذه الفكرة في بدايتها كانت مجنونة لكن بدأ بالفعل تطويرها وتطويعها وتقطيع القطع الأثرية وترقيمها وعمل مصاطب وإخلاء المناطق، كما تم في البداية عمل توثيق وتسجيل للمعبد قبل نقله، ثم قطع الأحجار بأرقام محددة وتجهيز المكان الجديد لتحمل المعبد وتركيب المعبدين.
وعن الصعوبات التي واجهت عملية النقل، قال إن العاملين وقتها كانوا في صراع مع الزمن بسبب ارتفاع درجة الحرارة بشدة والفيضان كان يهدد المنطقة بالغرق قبل بناء السد العالي وكانت ظروف العمل والمعيشة قاسية فبذل العمال جهدا كبيرا في ذلك الجو لتقطيع الأحجار والتي وصلت لأكثر من 1670 قطعة حجر لتقسيم المعبدين ونقلهم.
وأضاف أنه بعد انتهاء أعمال النقل أُعيد افتتاح المعبدين مرة أخرى، ولكن حدث بعض التغيير هو أن تعامد الشمس في السابق على وجه رمسيس الثاني في 21 أكتوبر وبعد نقل المعبد أصبح 22 أكتوبر، لكن الذين عملوا وقتها نجحوا في عمل نفس شكل الجبل وتفاصيل ونجحوا في عمل معجزات لا يزال يتعجب منها العالم.
ومن هذه المعجزات أن قبة معبد أبو سمبل هي أكبر قبة في العالم وبدون أعمدة، وتقطيعها أمر مذهل ومنذ ذلك الحين حتى الآن لم تنفذ اليونسكو مشروعا بذلك الضخامة والقوة ولا الأعمال الهندسية بهذا الحجم ما جعلها لا تزال تفتخر بهذا الإنجاز، في ظل مواجهة الطبيعة والفيضان وقوة وضخامة العمل حينها، وكذلك النجاح في إدخال الشمس داخل الجبل بعمق 68 مترا لتصل إلى قدس الأقداس، وتتعامد الشمس بنفس التفاصيل على 3 تماثيل ولا تتعامد على الرابع.
وشدد على أنه لا يوجد أي فارق بين معبد أبو سمبل قبل النقل وبعده فنسبة الفارق هي صفر في المائة وكذلك الأحجار بعد التقطيع تتطابق تماما مع قبل التقطيع، وهو أمر يشبه المعجزة، مضيفا أن إنقاذ معابد النوبة وأهمها معابد أبو سمبل يعد معجزة في العصر الحديث توازي ما تم في العصر القديم، فينبغي عدم إغفال أهمية تلك المعجزة التي لا تقل عن معجزة تعامد الشمس على قدس الأقداس في 22 فبراير و22 أكتوبر.
وطالب بعمل فيلم تسجيلي يوثق عملية إنقاذ تلك الآثار ونقلها وكيف تم ذلك والظروف التي عمل فيها العمل مثل الشمس والحرارة والفيضان واستطاعوا النجاح في هذا الإنجاز الذي لن يتكرر مرة أخرى، مضيفا أن المعبد به متحف يضم صور عن تلك الظروف وفيلم تسجيلي يوثق الحدث بتفاصيله ، مشددا على ضرورة استغلال هذه المدينة والحدث بشكل مثمر.